التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: تشتت قيادة الخارج (8/12)الجزء الثامن
بينما كانت المواجهات داخل المغرب تعرف أوجها، كانت قيادة الخارج تعيش ارتباكا وفوضى في التعامل مع المرحلة، وتدبيرها، وبين لحظات الأمل البارق، واليأس، تراوحت أيام القيادة، في هذا الجزء نسلط الضوء على قيادة الخارج وموقفها خلال الانتفاضة
توقفنا في الجزء السابع من هذا الملف عند سقوط مجموعة خنيفرة، وقرار محمد ساعة بالعودة إلى وهران، بعدما اكتشف الخيانة التي كشفت جزء كبيرا من مخططات التنظيم والعملية: نخصص هذا الجزء للوضع في الخارج.
لم يكن الارتباك سيد الموقف في الجبهة الداخلية فقط. نفس الارتباك، ساد الجبهة الخارجية أيضا، فمع أولى رصاصات الهجوم على ملحقة مولاي بوعزة، كان عبد الرحيم بوعبيد يضع أقدامه في باريس، ويستقر في بيت صغير في شارع موفطار.
أما بنيحيى، فقد سارع ــ بعد استشارته مع اليوسفي ـ إلى تحرير بلاغ باسم الجبهة الوطنية للتحرير، يتبنى العمليات، وقد ذيل بتوقيع سابق من مكناس، وتم إرساله إلى إذاعة طرابلس.
جرى الحديث وسط التنظيم عن عمليات متقدمة، وطلبت القيادة من محمد ساعة أن يقدم لها تصاميم مفصلة عن نقاط العبور ومخابيء الأسلحة. رغم تحذيره لهم من أن التنظيم المحلي قد أصبح مخترقا، وأن الجيش أصبح يعرف كل شيء، وأن كل شيء بات مكشوفا، لكن القيادة لم تتعامل مع تحذيراته بالشكل المطلوب.
كان الأمر باقتراح من اليوسفي ذو الحس الحقوقي، والذي كان يهدف إلى تخفيف الضغط على مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، كما سيسهل عليه حشد دعم المنظمات الحقوقية والرأي العام الدولي، من أجل الضغط على النظام وإطلاق سراح المعتقلين، من خلال تحميل المسؤولية لهذه الجبهة. بعد تحرير البيان وإرساله مباشرة، طار بنيحيي الى الجزائر العاصمة.
إقرأ أيضا: في الذكرى الـ54 لاختطافه: المهدي بنبركة… من المعارضة والنضال الأممي إلى “الأسطورة”! 1\2
الجزائر… قبلة الثوار
بمجرد شيوع خبر إطلاق النار، تحولت الجزائر العاصمة، إلى قبلة لقادة وأفراد التنظيم السري، إذ تقاطر عليها المناضلون من ليبيا وأوروبا وغيرها من الدول.
أما الفقيه البصري، وبرغم معارضته للعملية منذ البداية، إلا أنه لم يفوت الفرصة دون أن يضع بصمته عليها، إذ أرسل ممثلين عنه إلى عواصم الدول العربية الصديقة، يطلب منهم الدعم والمساندة السياسية.
جرى الحديث وسط التنظيم عن عمليات متقدمة، وطلبت القيادة من محمد ساعة أن يقدم لها تصاميم مفصلة عن نقاط العبور ومخابيء الأسلحة. رغم تحذيره لهم من أن التنظيم المحلي قد أصبح مخترقا، وأن الجيش أصبح يعرف كل شيء، وأن كل شيء بات مكشوفا، لكن القيادة لم تتعامل مع تحذيراته بالشكل المطلوب.
الحماس سيد الموقف
أخذ الحماس مأخذه من الثوار، لدرجة أصبح بعضهم يفترض سقوط النظام، ويناقش ما بعده، والبعض بدأ بمناقشة العلم والنشيد الوطنيين، بينما أحضر آخرون أسلحتهم وذخائرهم للجزائر العاصمة، استعدادا للزحف نحو المغرب، وتحقيق الثورة الموعودة.
امتلأت عدد من شقق الجزائر العاصمة بالأفراد والسلاح، وبدأ الحديث عن عملية واسعة النطاق انطلاقا من التراب الجزائري. تعددت اللقاءات بين القادة، وتعددت السيناريوهات والأطروحات، بين من يطرح عملية جريئة، من التراب الجزائري في اتجاه وجدة ثم العودة للتراب الجزائري، وبين من يطرح فكرة الزحف، وبين من يطرح الانطلاق في عمليات داخل المغرب، مع وجود قواعد خلفية تحمي العملية، وبين من ينادي بالتروي ويعتبر الأمر تسرعا.
يوم 22 مارس، كان عباس (مبارك بودرقة) يشق الطريق نحو مطار محمد الخامس، صوب باريس، ليطلب من القيادة تعليق أي عملية جديدة، لأن الخلايا غير جاهزة.
لم يعرف عباس (مبارك بودرقة) بخبر اعتقال دهكون ــ الذي اعتقل صباح نفس اليوم ــ والمهتدي. إلا أنه، رغم ذلك، كان متوجسا ويعتقد أنه ربما يصدر أمر باعتقاله في أية لحظة. لذا، طلب من أحد رجال الشرطة في المطار، كان من المتعاونين مع التنظيم، إبلاغ باريس بالأمر في حالة اعتقاله.
لكنه، في النهاية، عبر بسلام. من باريس، سيتجه صوب الجزائر العاصمة، حيث استقبله كل من الميد ــ الذي أصبحت شبهة تعاونه مع المخابرات المغربية شبه مؤكدةــ وآيت قدور وبنيحيي.
حاول الميد أن يحصل على أية معلومات من عباس، لكن تحفظ هذا الأخير أزعجه.
في الليل، وبينما كان عباس يتناول العشاء رفقة الفقيه البصري وآيت قدور وبنيحيي، إذ بأحد أعضاء التنظيم يتواصل معهم هاتفيا، ليخبرهم أن وزارة الداخلية المغربية أعلنت في بلاغ لها عن اعتقال دهكون وبودرقة، في حين كان هذا الأخير في الجزائر ما يعني أن رأس بودرقة أصبح مطلوبا، ليبدأ في رحلة المنفى. إضافة لخبر اعتقال دهكون و”بودرقة”، نشرت الوزارة صورة لمقتل بنونة.
إقرأ أيضا: مرايانا تستحضر سيرة عبد الرحيم بوعبيد، أحد أبرز المعارضين في تاريخ المغرب الحديث
امتلأت عدد من شقق الجزائر العاصمة بالأفراد والسلاح، وبدأ الحديث عن عملية واسعة النطاق انطلاقا من التراب الجزائري. تعددت اللقاءات بين القادة، وتعددت السيناريوهات والأطروحات، بين من يطرح عملية جريئة، من التراب الجزائري في اتجاه وجدة ثم العودة للتراب الجزائري، وبين من يطرح فكرة الزحف، وبين من يطرح الانطلاق في عمليات داخل المغرب، مع وجود قواعد خلفية تحمي العملية، وبين من ينادي بالتروي ويعتبر الأمر تسرعا.
تعددت اللقاءات بين الفقيه البصري وقياديي التنظيم، خاصة امحمد التوزاني خريج الكلية العسكرية بسوريا، والعضو البارز في التنظيم داخل ليبيا، والذي عرف باسمه الحركي “خالد”. كان الفقيه البصري يدفع في اتجاه القيام بعمليات جريئة نحو وجدة، انطلاقا من التراب الجزائري ثم العودة إليه. لكن خالد (امحمد التوزاني) كان يرى أن الأمر، وإن كان ممكنا نظريا، فإنه سيفشل على أرض الواقع، إذ أن أي تسلل للمغرب، يتطلب وجود قاعدة للتراجع في عين المكان، وليس في التراب الجزائري؛ وإلا، فإن الجيش المغربي لن يكون عليه إلا إغلاق الحدود والقضاء على الثوار.
في خضم هذا المناخ المليء بالحماس عند البعض، والمشوب بالحذر عند البعض الآخر، غاب صوت العقل والمنطق.
مع مرور الوقت، أخذ الحماس يخبو. بعد حوالي شهر، كان الرفاق يعودون إلى ديارهم، بعدما فقدوا الأمل في أي تحرك مرحلي. تبخر كل شيء، وحدها أخبار الاعتقالات والمواجهات التي كانت تحدث بين الفينة والأخرى داخل المغرب، هي ما كانت تصل إلى أسماعهم.
حينها، سيعي الفقيه بالبصري بالفشل المحتوم للثورة، ليبدأ البحث عن خيارات أخرى…
خيارات… كانت رمال الصحراء تشكل قبلة لها… وتفاصيل ذلك، نكشف عنها في الأجزاء المقبلة.
تنويه:
اعتمد في إنجاز حلقات هذا الملف على المصادر التالية:
– كتاب “الثورة الموؤودة” لمحمد لومة.
– كتاب “أبطال بلا مجد” للمهدي بنونة (نجل محمود بنونة).
– كتاب “ثورة لم تكتمل” لمحمد التوزاني
– التقارير المرفوعة لقيادة التنظيم السري من طرف الناجين من الاعتقال
o تقرير سي إبراهيم
o تقرير القاضي
o تقرير النجار
– العدد رقم 3 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1976
– العدد رقم 14 من جريدة الاختيار الثوري، مارس 1977.
– لقاءات شفوية مع كل من:
o محمد التوزاني
o بعض أهالي المختطفين والمعتقلين من مجموعة مولاي بوعزة والتنظيم السري المحلي بخنيفرة
لقراءة الجزء الأول: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة بالمغرب (1)
لقراءة الجزء الثاني: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين فيها: في الطريق إلى انتفاضة 1973. خلافات رفاق السلاح (2
لقراءة الجزء الثالث: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: الطريق إلى السلاح
لقراءة الجزء الرابع: في ذكرى تنفيذ الإعدام في حق بعض المشاركين في انتفاضة 1973: أولى الرصاصات
لقراءة الجزء الخامس: معركة أملاكو ومقتل محمود بنونة
لقراءة الجزء السادس: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معركة السونتات
لقراءة الجزء السابع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: الخيانة (7/12)
لقراءة الجزء التاسع: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: معارك تنغير (9/12)
لقراءة الجزء العاشر: رحلة بني ملال: خيبة أمل ونجاة (10/12)
لقراءة الجزء الحادي عشر: قيادة الخارج: تندوف، البوليساريو… التيه الكبير 11\12
لقراءة الجزء الأخير: التفاصيل الكاملة لانتفاضة 1973، آخر عملية مسلحة في المغرب: المحاكمة والإعدام (12/12)