عبد السلام بنونة… أب الحركة الوطنية المغربية 2/1
نتابع في هذا البورتريه حكاية أب الحركة الوطنية، عبد السلام بنونة، هذا الرجل الذي برز صيت نضاله في المنطقة الخليفية بعيد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، إن بعلمه وثقافته، أو بسبقه إلى الوعي بدور الجانب الاقتصادي في مواجهة الاستعمار.
يقول البعض إن العلم في غالب الأحيان عامل يضيف لصاحبه فحسب. لكن، إن اقترن بالنسب، فذلك يشكل جواز مرور إلى دائرة النخبة.
عبد السلام بنونة يعد أحد رجالات الحركة الوطنية، بل ووصفه البعض بأبيها. هذا الرجل الذي ينحدر من عائلة موريسكية نزحت من الأندلس إلى تطوان، سرعان ما سيبرز صيت نضاله في المنطقة الخليفية بعيد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، إن بعلمه وثقافته نتيجة سفره إلى المشرق وتلاقحه الفكري مع أعلام بارزة حينذاك كشكيب أرسلان، أو بسبقه إلى الوعي بدور الجانب الاقتصادي في مواجهة الاستعمار.
في هذا البورتريه، نتعرف وإياكم إلى عبد السلام بنونة، أب الحركة الوطنية.
إلى آل بنونة، هذه العائلة التي نزحت من الأندلس إلى تطوان، ينتمي عبد السلام بنونة. ولد في 16 من فبراير 1888، في كنف أب ذي نفوذ كبير بالدولة. بفضله، قضى سنوات حياته الأولى في تفقه علوم الدين بمساجد وزوايا تطوان على يد خيرة علماء المدينة.
برزت الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية بعيد نهاية حرب الريف، وسيكون عبد السلام بنونة أحد رجالاتها المؤسسين.
مع أن بعض المراجع التاريخية تقر بشح الوثائق التي تؤرخ للمنطقة الخليفية (الخاضعة للنفوذ الإسباني في الشمال)، ومن ثم قلة المعلومات عن عبد السلام بنونة في فترة صباه، إلا أنها تشير إلى حجه إلى مكة مع بلوغه سن الـ23، وسفره بعد ذلك إلى مصر والشام. هناك، حيث تعرف على مفكرين عدة، أبرزهم شكيب أرسلان[1].
اقرأ أيضا: المرجعية التاريخية للتنظيمات السياسية المغربية 1- التنظيمات السياسية قبل الاستقلال (1925- 1937)
حينذاك كان المولى عبد الحفيظ، سلطان المغرب، قد وقع للتو معاهدة حماية مع السلطات الفرنسية، ليعلن بذلك نهاية تاريخ المغرب المستقل، وبداية مرحلة جديدة ولدت شعورا وطنيا كبيرا لدى المغاربة.
على إثر ثورة محمد عبد الكريم الخطابي، وما خلفه انتصاره في معركتي ظهر أوبران وأنوال من صدى على المستوى الداخلي والخارجي، برزت الإرهاصات الأولى للحركة الوطنية بعيد نهاية حرب الريف، والتي سيكون عبد السلام بنونة أحد رجالاتها المؤسسين.
أب الحركة الوطنية
بناء على ما بلغه من وعي وطني، وما استقاه من أفكار من المشرق، سيؤسس عبد السلام بنونة، أو الحاج عبد السلام بنونة كما كان ينادى، لظهور ما سمي بالحركة الوطنية في شمال المغرب، إلى جانب أسماء أخرى، كعبد الخالق الطريس والمكي الناصري، وغيرهم كثير.
تأثر عبد السلام بنونة كثيرا بالسلفية “المستنيرة” التي كانت قد بدأت تشق طريقها في المشرق، مرتكزة على فكرة إحداث نهضة إسلامية تنبني على تصفية المعتقد من شوائب البدع والخرافة.
بعض المراجع التاريخية، تؤكد أن رواد الحركة الوطنية في الشمال كانوا على صلة وثيقة بالمشرق، من خلال اطلاعهم على الصحف التي كان يجلبها البريد الإنجليزي، وأيضا من خلال الصِّلات التي عقدها عبد السلام بنونة مع شكيب أرسلان الذي اعتبر حينذاك قائدا للقومية العربية.
اقرأ أيضا: “المخزن”… تاريخ طويل من الأسئلة! (الجزء الأول)
ذات الكتابات تؤكد أن أرسلان كان على اتصال منتظم مع الوطنيين المغاربة بالمنطقة الشمالية، وهو ما يمكن أن نقرأه في المراسلات التي جمعت بينه وبين بنونة، حيث إنها كانت تنص في أغلبها على تعبئة الوطنيين لمواجهة الاستعمار.
“الاستقلال مع الجهل لا يدوم”
فكرة بنونة عن مواجهة الاستعمار، كانت تقوم على المعرفة في شقها الأول.
نجد ذلك في رسالة بعث بها لابنه الطيب بنونة سنة 1930 حيث يقول: “الاستقلال والحرية شيء يؤخذ ولا يعطى، وأخذه بقوة السلاح مع الجهل لا يدوم… ومحصل هذا كله أن الأمة المغربية تتوقف على رجال ذوي مقدرة في المعارف بأنواعها ليكونوا قادة للشعب يسيرونه حسب إرادتهم لمصلحة الدين والوطن، ويجب إيجاد هؤلاء الرجال عاجلا أم أجلا”.
كان بنونة الأول من أبناء جيله الذين أتقنوا اللغة الإسبانية بجانب إلمامه بالفرنسية والإنجليزية. كما كان أول من أرسل أبناءه في بعثة طلابية إلى مدرسة النجاح بنابلس “فلسطين”، في أواخر عشرينيات القرن الماضي، ومن ضمنهم المهدي بنونة مؤسس وكالة المغرب العربي للأنباء.
رواد الحركة الوطنية في الشمال كانوا على صلة وثيقة بالمشرق، من خلال اطلاعهم على الصحف التي كان يجلبها البريد الإنجليزي، وأيضا من خلال الصِّلات التي عقدها عبد السلام بنونة مع شكيب أرسلان الذي اعتبر حينذاك قائدا للقومية العربية.
بجانب ذلك، كان من مؤسسي المدرسة الأهلية سنة 1925. المدرسة الابتدائية العصرية، الأولى من نوعها في المغرب آنذاك. هذا بجانب قيامه بإنشاء مؤسسات ثقافية ومجامع علمية عدة.
عبد السلام بنونة، وفق بعض المراجع، تأثر كثيرا بالسلفية “المستنيرة” التي كانت قد بدأت تشق طريقها في المشرق، مرتكزة على فكرة إحداث نهضة إسلامية تنبني على تصفية المعتقد من شوائب البدع والخرافة.
اقرأ أيضا: محمد بن العربي العلوي… شيخ الإسلام 3/1
يقول عنه المؤرخ محمد داود[2]، في كتابه “على رأس الأربعين”: ” كان واسع المعلومات، فصيح اللسان، يكتب ويخطب ويحاضر، فيأتي في كل ذلك بما ينبئ عن عقله الكبير ودهائه العظيم. وكان مثالا للسياسي المحنك الذي يدور مع الأحوال ويشارك في كل ما يروج من الحوادث. وكان مقداما يحب التجديد في كثير من الأشياء”.
لماذا اعتبر عبد السلام بنونة المشاريع الاقتصادية مدخلا مهما لمواجهة الاستعمار؟ ما أبرز المشاريع الاقتصادية التي أسسها؟ وهل كانت هذه المشاريع بغاية الانتفاع الشخصي؟ أسئلة وأخرى نجيب عنها في الجزء الثاني من هذا البورتريه.
لقراءة الجزء الثاني: عبد السلام بنونة… أب الحركة الوطنية الذي جمع بين المعرفة والاقتصاد لمواجهة الاستعمار 2/2