ملف “مرايانا”: الشك… بين انفتاح النص وتطرف الفقهاء. 1/3
من خلال ثلاثة أجزاء، تطرح مرايانا سؤال الشك.
الشك… كطبيعة إنسانية، رافقت مسار أهم أنبياء الديانات السماوية، وكانت طريقهم نحو اليقين، قبل أن تمتد يد التأويل إلى النص، لتجعل الطبيعة كفرا، ولتعارض روح النص وجوهره.
يوسف المساتي وأحمد المهداوي، ينبشان من خلال هذا الملف، في أهم أسئلة الشك بحثا عن… بعض من “يقين” النص.
هل الله موجود؟ هل البعث والعقاب والثواب حق؟ هل الإسلام دين الحق؟
أسئلة من بين أخرى لا شك وأن تراود عقل الإنسان مؤمنا كان أو غير مؤمن…
لكننا في مجتمعاتنا “الإسلامية”، لا نستطيع أن نصارح أحدا بما يعترينا من شكوك، وما يقض مضجعنا من أسئلة، إذ لا نضمن ردة فعل المستمع إلينا، والتي قد تتجاوز ممارسة العنف المعنوي إلى العنف المادي، فالسائد في هذه الرقعة الجغرافية أن الشك لا يستقيم والإيمان الحقيقي، إذ أن الحقائق يجب أن تقبل كما هي.
هذا الموقف يجد سنده في الفقه الإسلامي الذي يحرم الشك تحريما مطلقا ويجعله مرادفا للكفر، وحتى إذا ما حاول البعض أن ييسر على الإنسان، فإنه يعتبر الأمر نوازع شيطانية يجب طردها بالتعوذ من الشيطان، وعدم مصارحة أحد بما يدور في الصدر.
لم يتورع المخلوق عن مصارحة خالقه بشكوكه وهواجسه، فعبارة “ولكن ليطمئن قلبي” قوية الدلالات على حدة الشكوك التي كانت تعصف بإبراهيم وهو المصطفى والمختار آنذاك من قبل الله…بل وتستمر حتى مع مخاطبته للإله.
موقف فقهي متشدد يدفع الإنسان إلى عيش مخاضات نفسية وفكرية منفردا، وعزل الفرد عن الباقي، خاصة باعتباره كافرا تجب معاملته معاملة الكافر من طرف باقي المسلمين إذا استمرت شكوكه، هكذا يصبح الشك قاتلا للانتماء، عازلا للفرد.
تبدو خطورة الموقف الفقهي في كونه يهيمن على الفرد، ويمنع بشكل قهري تناسل أي أسئلة أو تساؤلات تزعجه، ليحرص على “وحدة ظاهرية”.
إقرأ أيضا: علي اليوسفي: الإسلام والحجاب: إخراج الآيات من سياقها – الجزء الثاني
لكن عندما نطالع القرآن، فإننا نعثر على نقيض ما رسخه العقل الفقهي، إذ اتسم تعامله مع الشك بمستويين، ففي الأول جعل أمر الشك مرجئا إلى الله باعتباره القوة العليا التي تحاسب وتبث فيما يختمر في دواخل الإنسان. لقد نص القرآن بصريح العبارة أن الله أجل الفصل فيما تنازعت فيه الأديان وأنه تركهم في شكهم مستمرون.
المستوى الثاني لحضور الشك في القرآن يبدو أكثر أهمية… كان الشك هنا مرحلة مهمة تقود إلى الإيمان.
يبدو هذا الأمر واضحا من خلال سير الأنبياء الواردة في القرآن، فهذا إبراهيم المعروف في الأدبيات الإسلامية بالخليل، يراوده الشك تجاه معبودات قبيلته فتنطلق رحلته صوب الإيمان عبر مساءلة كل المخلوقات أمامه، والبحث عن ماهيته، وعن سر الوجود، بل وهو في قمة إيمانه يراوده الشك، فيطلب إثباتا يطمئن نفسه، كما ورد في الآية 260 من سورة البقرة: “وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “.
يستوقفنا هاذ الحوار القرآني بين الله باعتباره القوة المطلقة وبين رسول له من خلقه، إذ لم يتورع المخلوق عن مصارحة خالقه بشكوكه وهواجسه، فعبارة “ولكن ليطمئن قلبي” قوية الدلالات على حدة الشكوك التي كانت تعصف بإبراهيم وهو المصطفى والمختار آنذاك من قبل الله… بل وتستمر حتى مع مخاطبته للإله.
إقرأ أيضا: ملف مرايانا: نحن أحق بالشك من ابراهيم! 3/3
على نقيض الموقف الفقهي الذي يحرم حتى مجرد مصارحة أحد بشوكك، فإن موقف الله في هذه الآية يبدو أكثر انفتاحا واعتدالا وتقديرا للطبيعة الإنسانية المتسائلة بطبيعتها، لم يوجه اللوم إليه ولم يحاكمه أو يحاسبه، بل قدم الله، وهو السلطة المتعالية، دليلا ماديا على وجوده ليطمئن قلب إبراهيم رسوله لحقيقة وجوده.
لم يكن ابراهيم هو الوحيد الذي حدث معه الأمر، بل نجد أن…
موسى أيضا راوده الشك عندما خاطبه الله، وأخبره بأنه رسوله لفرعون.
السائد في هذه الرقعة الجغرافية أن الشك لا يستقيم والإيمان الحقيقي، إذ أن الحقائق يجب أن تقبل كما هي. هذا الموقف يجد سنده في الفقه الإسلامي الذي يحرم الشك تحريما مطلقا ويجعله مرادفا للكفر، وحتى إذا ما حاول البعض أن ييسر على الإنسان، فإنه يعتبر الأمر نوازع شيطانية يجب طردها بالتعوذ من الشيطان، وعدم مصارحة أحد بما يدور في الصدر.
لم يصدق موسى واحتاج لدلائل قوية و يقينية ليؤمن بأنه رسوله إلى بني إسرائيل، ما جاء في سورة طه في الآيات من 17 إلى 23 “:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى”.
أكثر من ذلك، لم تخل سيرة النبي محمد من حضور الشك…
نبي الإسلام، شك في حقيقة جبريل معتقدا أنه شيطان، ولولا خديجة وورقة بن نوفل لما سكن شكه، لقد احتاج لدليل قوي يرسخ إيمانه، ولم تكن هذه هي اللحظة الوحيدة التي خالج فيها الشك الرسول…
… وهذا ما سنتابعه في الجزء الثاني من هذا الملف.
لقراءة الجزء الثاني: ملف “مرايانا”: الشك؟… رفيق خاتم المرسلين نحو اليقين 2/3
لقراءة الجزء الثالث: ملف مرايانا: نحن أحق بالشك من ابراهيم! 3/3
لماذا حذف الجزء الثاني والثالث من هذه المقالة.
لم يحذفا… يمكنك قراءتهما بالضغط على الروابط المتوفرة في نهاية المقال
أيها الباحث أعد قراءة الآيات التي استشهدت بها قراءة جيدة… ولا تفسرها حسب هواك..
يكفي أنك اجتزأت السياق في قوله تعالى:” ولكن ليطمئن قلبي”.. لقد سبقها قوله تعالى:” أولم تومن قال بلى”…فإبراهيم لم يشك بالمفهوم الذي عرضته.. بل بحث عن اليقين المرئي في وجود اليقين العلمي والقلبي… فهو زيادة يقين على يقين… وليس يقينا بعد شك…
وجميع أمثلتك يجري عليها هذا… لا تلو النصوص لكي تصل فقط إلى ما تريد… لا أراك إلا مبتدئا في علوم الدين….