تلبية وطواف: أهم أركان الحج عند عرب ما قبل الإسلام 2\3تاريخ الحج قبل الإسلام: بين القطيعة والاستمرارية (الجزء الثاني)
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف يحضر الحج في ديانات وثقافات مختلفة، وتوقفنا بالأساس عند حضوره عند عرب الفترة ما قبل الإسلامية. في الجزء الثاني من هذا الملف، …
تابعنا في الجزء الأول من هذا الملف، كيف يحضر الحج في ديانات وثقافات مختلفة، وتوقفنا بالأساس عند حضوره عند عرب الفترة ما قبل الإسلامية.
في الجزء الثاني من هذا الملف، سنتوقف عند أهم طرق ممارسة شعائر الحج قبل الإسلام، وأساسا ما يتعلق منها بطرق التلبية والطواف والنحر، وكيف تطورت مع ظهور الإسلام.
تلبية توحدية داخل الوثنية
كان حج عرب الفترة ما قبل إسلامية يبدأ بالإهلال، حيث كانوا يهلون عند أصنامهم، ويلبون إليها، بأدعية وبمخاطبة إلى الآلهة وبتوسلات لتقبل حج ذلك الشخص الذي قصده تقربا إليها، غير أن هنالك من كان يحج من عرب ما قبل الاسلام حجا مصمتا، أي دون كلام، فلا يتكلم الحاج طيلة أيام حجه.
وقد أورد الباحث العراقي جواد علي في موسوعته الكبيرة “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، أشكال التلبية التي كانت تقوم بها القبائل العربية، والتي استقاها من المصادر الإسلامية،
ستطرح مسألة السعي بين الصفا والمروة على الرسول، خاصة أن بعض القبائل لم تكن تعتبرها من مناسك الحج، وبحسب ما يرد في المصادر الإسلامية، فقد ذكر أن بعض المسلمين قالوا: “يا رسول الله لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية”، فنزلت الآية 158 من سورة البقرة
فقد كانت تلبية قريش ل”إساف“، وكانت على النحو التالي: “لبيك اللهم لبيك، لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك”. أما من كان يلبي للعزى من القبائل العربية فكانت تلبيتهم: “لبيك اللهم لبيك، لبيك وسعديك، ما أحبنا إليك”، وكانت التلبية للات: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك، كفى ببيتنا بينة، ليس بمهجور ولا بلية، لكنه من تربة زكية، أربابه من صالحي البرية” وكانت التلبية لجهار: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك، اجعل ذنوبنا جبار، واهدنا لأوضح المنار، ومتعنا وملنا بجهار”، وكانت التلبية لشمس: “لبيك اللهم لبيك، لبيك، ما نهارنا نجره، ادلاجه وحره وقره، لا نتقي شيئا لا نضره، حجا لرب مستقيم بره”، وكانت التلبية لمحرق: “لبيك اللهم لبيك، لبيك حجا حقا، تعبدا ورزقا”، وكانت تلبية ذا الخلصة: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك، بما هو أحب إليك”. وكانت التلبية لمنطبق: ” لبيك اللهم لبيك، لبيك”. أما تلبية عك، فكانت القبائل التي تعبده إذا وصلت مكة، بعثت غلامين أسودين أمام حجاجها، يسيران على جمل، مملوكين، عاريين، فلا يزيدان على أن يقولا: “نحن غرابا عك”. فيردد الناس من خلفهما: “عك إليك عانية، عبادك اليمانية، كما نحج الثانية، على الشداد الناجية”.
إقرأ أيضا: الإسرائيليات: أصل الحكاية
ظلت التلبية تعتبر من الشعائر الأساسية للحج عند عرب ما قبل الفترة الإسلامية، وهي من الشعائر الدينية التي أبقاها الإسلام، غير أنه غير صيغتها القديمة بما يتفق مع تصوره العقدي، لتصبح على هذا النحو: “لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك”. كما أنه جعلها تتم داخل مكة بعد ان كانت تتم خارجها، اذ كانت كل قبيلة تقف عند صنمها، وتصلي عنده ثم تلبي، قبل أن تدخل مكة.
الطواف شعيرة مقدسة
بعد التلبية، يأتي الطواف بالبيت الحرام والأصنام، الذي كان ركنا من أركان الحج، ومنسكا من مناسكه، كما كان له شأن بارز عند عرب الفترة ما قبل الإسلامية، إذ أنهم كانوا يمارسونه كلما دخلوا حرما أو معبدا فيه صنم، أو كعبة أو ضريحا، كما كانوا يطوفون حول الذبائح المقدمة للآلهة والأضرحة، أو إذا سافروا أو عادوا من سفر، فلم يكن له وقت معلوم. ولا يختص بمعبد معين ولا بموسم خاص مثل موسم الحج.
طواف عرب الفترة ما قبل الإسلامية بالبيت الحرام كان يستمر أسبوعا، وذكر أنهم كانوا يمسحون الحجر الأسود ويتبركون بلمسه، ويسعون بين الصفا والمروة وعليهما آنذاك صنمان “اساف ونائلة”، حيث كانوا يمسحونها ويتبركون بهما أيضا، وكان طوافهم بهما سبعة أشواط، فيما كانت تلبيتهم لهما: “لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك”
كما تذكر المصادر أن العرب كانوا يطوفون حول “الرجمات”، وهي حجارة تجمع فتكون على شبه بيت مرتفع كالمنارة، ويقال لها الرجمة، كما طافوا حول الأنصاب وهي أحجار ينصبونها قرب البيت ويطوفون بها وكان طوافهم سواء في الحج أو دونه، سبعة أشواط.
وذكر محمد بن حبيب البغدادي أن طواف عرب الفترة ما قبل الإسلامية بالبيت الحرام كان يستمر أسبوعا، وذكر أنهم كانوا يمسحون الحجر الأسود ويتبركون بلمسه، ويسعون بين الصفا والمروة وعليهما آنذاك صنمان “اساف ونائلة”، حيث كانوا يمسحونهما ويتبركون بهما أيضا، وكان طوافهم بهما سبعة أشواط، فيما كانت تلبيتهم لهما: “لبيك اللهم لبيك، لا شريك لك، إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك”. وعلى إثر الفتح الإسلامي ستطرح مسألة السعي بين الصفا والمروة على الرسول، خاصة أن بعض القبائل لم تكن تعتبرها من مناسك الحج، وبحسب ما يرد في المصادر الإسلامية، فقد ذكر أن بعض المسلمين قالوا: “يا رسول الله، لا نطوف بين الصفا والمروة، فإنه شرك كنا نصنعه في الجاهلية”، فنزلت الآية 158 من سورة البقرة “إن الصفا والمروة من شعائر الله” واستبدل الإسلام الطواف بالسعي، لهدم الصنمين اللذين كان الناس يطوفون حولهما، واكتفى بالسعي بين الموضعين.
الطواف بالبيت الحرام والاصنام، كان ركنا من أركان الحج، ومنسكا من مناسكه، كما كان له شأن بارز عند عرب الفترة ما قبل الإسلامية، إذ أنهم كانوا يمارسونه كلما دخلوا حرما أو معبدا فيه صنم، أو كعبة أو ضريحا
وبحسب ما تنقل أخبار المصادر الإسلامية، فإن الطائفين بالبيت الحرام كانوا نوعين: نوع يطوف عاريا ويعرف بالحلة، ونوع يطوف بثيابه فيعرف بالحمس، وأضاف بعض الاخباريين نوعا ثالثا قالوا له: الطلس. وتذكر الأخبار أن الهدف من طواف الحلة عراة دون ملابس كان تعبديا، إذ كانوا يقولون: “لا نطوف في ثياب عصينا الله فيها، فيلقونها عنهم، ويسمى ذلك الثوب اللقي”، وكانت تخضع النساء لنفس القاعدة أيضا إذا كن من الحلة، فكانت المرأة تطوف بالبيت الحرام عارية، وذكرت بعض الروايات، أنهن كن يضعن ثيابهن كلها “إلا درعا مفرجا عليها ثم تتطوف فيه”، لكن الراجح أنهن كن يطفن عاريات.
إقرأ أيضا: الأزهري الشجاع … والثلاثية العلمانية
ويرد في أخبار أخرى أن أهل مكة كانوا يلبسون لباس الإحرام أو يعيرونه لغيرهم من العرب، ونستشف من المصادر أن عرب الفترة ما قبل الإسلامية عرفوا لباس (الإحرام)، وكان يتكون من قطعتين: من إزار ومن وشاح أبيض اللون. وجدير بالذكر أن اللون الأبيض من الألوان التي تحمل دلالات دينية متعددة، فقد كان رجال الدين والكهنة عند بعض الشعوب يلبسونه، كما أنه رمز للحزن والحداد عند شعوب أخرى، ومن بينهم عرب الحجاز.
في الجزء الثالث والأخير من هذا الملف، نواصل اقتفاء أثر شعائر الحج لدى عرب ما قبل الإسلام، من خلال التوقف عند شعائر الوقوف بعرفة والنحر… والطرق التي كانت تمارس بها.