من اليمن، وسام باسندوه تكتب: إرهابيون وسطيون معتدلون - Marayana - مرايانا
×
×

من اليمن، وسام باسندوه تكتب: إرهابيون وسطيون معتدلون

حين وقعت جريمة نيوزيلاندا، لم نجد أصواتا نشازا متكررة تخرج من المجتمع النيوزيلندي أو المسيحي أو الأوروبي أو العالمي تطرح سؤال: “ولم لم تحترق قلوبكم على تفحيرات شارلي إيبدو مثلا، …

حين وقعت جريمة نيوزيلاندا، لم نجد أصواتا نشازا متكررة تخرج من المجتمع النيوزيلندي أو المسيحي أو الأوروبي أو العالمي تطرح سؤال: “ولم لم تحترق قلوبكم على تفحيرات شارلي إيبدو مثلا، وغيرها من العمليات الإرهابية التي غالبا ما يكون أبطالها من المسلمين وحدهم لاشريك لهم؟”.

حتى والدة وجدة مجرم وقاتل نيوزيلندا شعرتا بالقرف والعار منه وقالتا إنه يستحق القتل في مجتمع لا يقر حكم الإعدام، لكنهما انتصرتا للفطرة الطبيعية السليمة الكارهة للقتل.

المجتمع بكل فئاته تكاتف ضد القاتل حتى وإن كان من أقرب الناس إليهم. تعاطفوا مع أناس يختلفون عنهم في كل شيء لمجرد أنهم مظلومون.

اسمعني جيدا.. أنت قاتل إرهابي تتساوى معهم بالجرم، وحين تحين لك فرصة التمكين، ستذبحنا جميعا… تماما كما تساورك الآن هذه الرغبة تجاهي وأنت تقرأ مقالي هذا.

يالها من شريعة سمحة شريعة الإنسانية! نعم، يحدث هذا في المجتمعات الإنسانية الحرة المتصالحة.

في  العملية الإرهابية الأخيرة في سيرلنكا مثلا، ستجد أن الارهابيين تتلمذوا وتعلموا على يد من يصنفون في المجتمعات الإسلامية من كبار رجال الدين، وستجد من يتشفى بالعمليات الإرهابية ضد الكنائس والفنادق الأجنبية ويعتبرها ردة فعل على انتهاكاتهم بحق المسلمين وبحق القضية الفلسطينية وغزو العراق وأفغانستان، إلخ؛ في تعاطف وتبرير غير مقبول للإرهاب. بهذه الأقاويل، يرون أن القتل والإرهاب له منطق مقبول وإن أعلنوا خلاف ذلك في تناقض رهيب.

اقرأ أيضا: حسين الوادعي يكتب: الإرهاب لا دين له، حقا؟

في مجتمعاتنا، تجد من يتعاطف مع الداعشيات ومظهرهن القابض لأي نفس وفطرة سليمة ومع أسلوب حياتهن ومنطق تفكيرهن. ينظر لهن في المجتمعات التي تصنف نفسها وسطية لا داعشية، على أساس أنهن الأقرب للدين والتستر والعفاف والفضيلة.

يكفي أن تقرؤوا التعليقات التي تتعاطف معهن على أي فيديو منشور، لتعرفوا كم من الدواعش والإرهابيين يعيشون من حولك!

هل يمكن لعاقل أن يصدق أن من فكروا بهذا المنطق وجاهروا بالتصريح به ودخلوا معنا بنقاشات حادة في حينه، لا يصنفون في مجتمعاتنا كقتلة وإرهابيين، بما أنهم يبررون القتل ويحرضون عليه ويلتمسون العذر للارهاب؟

في مجتمعاتنا، ستجد من يرى أن تغيير مايراه وفقا لمقاييسه منكرا، ضرورةٌ باليد أو بالقول، وهذا يعني الضرب أو القتل أو الاعتداء، وإلا فكيف سيغير بيده اذن؟!

ستجد من يرى أن التدخل في شؤون الآخرين عمل إيجابي ونصيحة من صميم  الدين، وأن هذا الاعتداء الذي قد يكون باليد أو اللسان وغيره إصلاح للمجتمع وفضيلة، ودور يجب أن يشكر عليه.

اقرأ لنفس الكاتبة: لماذا يكرهوننا؟

لا ساداتي…. الإرهاب له دين، ومشايخ ومنظرون ومدرسة فكرية دينية. لذا، فإن العالم يسمى ماحدث في نيوزيلندا عملية إجرامية وليس إرهابا، لأنه لا يحمل تحيزا لدين أو جنيسة أو لون بشرة مرتكبها، بل لحقيقة كونه حادثا فرديا من شخص شاذ عن مجتمعه. شخص عنصري متطرف يمثل نفسه. أما بقية العمليات، فإرهاب حقيقي له شبكة من المنظرين والمفكرين والمتعاطفيين وعموم الجمهور.

الآن، أسألك عزيزي القارئ: هل لازلت تذكر العملية الارهابية التي وقعت في احتفالات رأس السنة بإسطنبول قبل عدة سنوات؟ تلك  العملية التي وقعت في بلد اسلامي غالي على قلوبهم، وكان معظم الضحايا من العرب المسلمين، ومع ذلك كان هناك تيار جارف يشمت بالقتلى ويراهم يستحقون لأنهم احتفلوا بعيد الكفار وسهروا في مرقص ونالهم من الله مايستحقون!!

ستجد من يرى أن التدخل في شؤون الآخرين عمل إيجابي ونصيحة من صميم  الدين، وأن هذا الاعتداء الذي قد يكون باليد أو اللسان وغيره إصلاح للمجتمع وفضيلة، ودور يجب أن يشكر عليه.

هل يمكن لعاقل أن يصدق أن من فكروا بهذا المنطق وجاهروا بالتصريح به ودخلوا معنا بنقاشات حادة في حينه، لا يصنفون في مجتمعاتنا كقتلة وإرهابيين، بما أنهم يبررون القتل ويحرضون عليه ويلتمسون العذر للارهاب؟ بل أنهم يصنفون كوسطيين ومعتدلين وينظر لهم باعتبارهم الأكثر محافظة والتزاما.

بعد كل هذا، يعودون لتكرار الجمل العقيمة ذاتها بأن “الارهاب لادين له”، وأن “هؤلاء الإرهابيون لايمثلون الاسلام”… لا، بل يمثلونك وأنت منهم…! الفارق فقط أنك لم تملك جرأة تفجير نفسك أو الانضمام لتنظيم إرهابي. لكنهم ينفسون عنك ويقدمون أنفسهم فداء للأفكار التي تشترك بها معهم عبر هذه العمليات الارهابية.

رسالتي لك أنت يا من تؤيد التغيير باليد واللسان والنصيحة التي لم يطلبها منك أحد: اسمعني جيدا.. أنت قاتل إرهابي تتساوى معهم بالجرم، وحين تحين لك فرصة التمكين، ستذبحنا جميعا… تماما كما تساورك الآن هذه الرغبة تجاهي وأنت تقرأ مقالي هذا.

كفوا عن خداع أنفسكم وجففوا المنابع الفكرية لهذا الإرهاب، وأولها أنفسكم المتعاطفة مع القتل والوصاية على المجتمع. من أنتم؟!

اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: مذبحة نيوزيلاندا. يؤلمكم أنكم… لستم القاتل!؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *