حسين الوادعي يكتب: خدعوك فقالوا: الغرب متقدم مادياً، لكننا متقدمون أخلاقياً!
“إذا كان الغرب متقدماً في العلوم والتكنولوجيا والمؤسسات والرفاهيات، فتقدمه محصور في الجانب المادي. أما نحن فلسنا أقل من الغرب، بل نحن أعلى منه وأفضل، لأن تقدمنا أخلاقي روحي”. هذه …
“إذا كان الغرب متقدماً في العلوم والتكنولوجيا والمؤسسات والرفاهيات، فتقدمه محصور في الجانب المادي. أما نحن فلسنا أقل من الغرب، بل نحن أعلى منه وأفضل، لأن تقدمنا أخلاقي روحي”.
هذه العبارة تلخص مضمون الإعتقاد التبريري الشائع الذي يجعل الشرقي يأوي الى فراشه ليلا خالي البال، بعد أن يُهدئ ضميره القلق بهذه العبارة المخدرة.
لكن هل تقدم الغرب مادي فقط؟
وهل فعلا نحن أكثر تقدماً في المجال الأخلاقي من الغرب؟
اقرأ لنفس الكاتب: الموت خطأ تقني
لا شك أن التقدم المادي للغرب قد وصل الى آفاق تفوق الخيال، سواء كنا نتحدث عن التكنولوجيا أو العلوم أو مستوى الحياة والصحة والأعمار الطويلة والقوة العسكرية والرفاهية.
لكن، إذا كان مفهوم “المادية” هنا واضحاً، فهل مفهوم “الأخلاق” بنفس الوضوح، بحيث نتأكد فعلا من صحة حكمنا بأخلاقية الشرق ومادية الغرب؟
لنفكر في العبارة تفكيراً نقدياً بسيطاً…
أكبر المنظمات العاملة في مكافحة الفقر وإغاثة المنكوبين، مظمات غربية. وفي سلوكهم هذا أروع تجلٍ لأخلاق العطف على الفقير والضعيف ومساعدته. لكنهم تجاوزا مسألة “العطف والإحسان” إلى مسألة “الحق”
إذا سألت أنصار هذه العبارة حول جوانب التفوق الأخلاقي عندنا، ستنصدم عندما تجد أن “أخلاق الجنس” هي الجانب الأبرز الذي يقدمونه كدليل. سيقولون لك إننا متقدمون أخلاقيا لأننا لا نشرب الخمر ولا نزني ولا ننجب أطفالاً غير شرعيين ولا نُشرِع لـ “الشذوذ”.
فإن خرجوا من أخلاق الجنس، لن يتعدوا “أخلاق الإحسان”، مثل العطف على الضعيف وإحترام الكبير والتصدق على المحتاجين.
لكن المشكلة في هذا التصنيف الأخلاقي أنه متأخر عن التطور الكبير الذي حصل للأخلاق الإنسانية. فقد تجاوز الإنسان الحديث عن هذه “الأخلاق الفردية” ليركز أكثر على “الأخلاق الإجتماعية”، مثل احترام القانون والإخلاص في العمل، واحترام الملكية العامة، ورفض الرشوة والفساد والمحسوبية والواسطة، والتزام الموضوعية والإنصاف والإتقان في التوظيف والإختيار والتصنيع، إلخ.
وكما نعرف جميعا، فنحن فقراء جدا في جانب الأخلاق الاجتماعية، وهي الأخلاق الأهم للاستقرار والتطور والبقاء في عالم اليوم. أما الأخلاق الفردية، فهي مهمة طبعا. لكن، لم يعد العالم الحديث مهتماً بمراقبتها. فسواء شربت الخمر أم لم تشرب، وسواء مارست الجنس بزواج أو بدونه، وسواء ارتدت المرأة لباسا طويلا أو قصيرا وكاشفا، فهذا شأن شخصي لا يهم المجتمع وعائد للفرد ذاته، لأنه لا يضر الآخرين ولا يعتدي على حرياتهم وحقوقهم.
اقرأ لنفس الكاتب: لننس “الدين الصحيح” ولنتحدث عن “حرية الاعتقاد”
كما أن الانسان الحديث تجاوز “أخلاق الاحسان”، لأن فيها احتقاراً غير مباشر للمحتاج. فلم يعد الإنسان العصري محتاجاً للتصدق على الفقراء، لأن الضمان الاجتماعي صار حقا تضمنه الدولة لكل فقير وعاطل. ولم يعد محتاجا للعطف على الضعيف، لأن القانون الحديث يحميه ويجعله قوياً وقادرا على انتزاع حقوقه (بعبارة أخرى: لا ضعيف في دولة النظام والقانون).
أما احترام الكبير وطاعة الوالدين، فهي من القيم الإنسانية الموجودة في كل المجتمعات. الفرق الوحيد بيننا وبينهم، أن احترام الكبير أو طاعة الوالدين لا تلغي شخصية الأبناء وتحولهم إلى تابعين للآباء كما يحدث في مجتمعاتنا الشرقية.
فإذا كنا فقراء في الأخلاق الإجتماعية، وإذا كانت أخلاق الإحسان متخلفة عن العصر، فهل نحن فعلا متقدمون في أخلاق الجنس؟ يؤسفني القول إن وضعنا سيء حتى في هذا المجال.
ارتفعت جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على على الأقارب، أو ما يسمى بـ “زنا المحارم” والتحرش بشكل كبير في المجتمعات الشرقية. كما أن الخيانات الزوجية والعلاقات خارج الزواج سلوكيات سائدة في مجتمعاتنا. الفارق الوحيد بيننا وبينهم أن هذه الممارسات تبقى في الظلام. ولأنها لا تُوثّق ولا يتحدث عنها أحد، تعطي انطباعاً زائفاً أن المجتمع بخير.
لم يعد العالم الحديث مهتماً بمراقبة الأخلاق الفردية. فسواء شربت الخمر أم لم تشرب، وسواء مارست الجنس بزواج أو بدونه، وسواء ارتدت المرأة لباسا طويلا أو قصيرا وكاشفا، فهذا شأن شخصي لا يهم المجتمع وعائد للفرد ذاته، لأنه لا يضر الآخرين ولا يعتدي على حرياتهم وحقوقهم.
لكني أريد أن أخطو هنا خطوةً أخرى أكثر جرأة فيما يتعلق بمعيار “الأخلاقي”: إن ما يجعل الجنس أخلاقيا، ليس “العقد” أو “المهر” ولكنه “الرضا”. فما دام الجنس يتم برضا الطرفين، فهو أخلاقي. وما دام الجنس يتم رغماً عن الطرفين أو رغماً عن أحد الأطراف، فهو غير أخلاقي (حتى ولو كان موثقا).
لنتخيل أنفسنا أمام حالتين: الحالة الأولى يعيش فيها رجل وامراة معاً بدون زواج، لكن برضاهما الكامل. العلاقة هنا أخلاقية بكل معايير الأخلاق الجوهرية. وإذا تزوجا، فعلاقتهما لا زالت بنفس الدرجة من الأخلاقية. لكن، إذا كنا أمام حالة زواج موثق، لكنه تم بدون رضا المرأة أو الرجل، أو بدون رضا المرأة والرجل معاً، فهذه العلاقة غير أخلاقية لأنها اغتصاب موثق بأوراق رسمية.
غالباً ما نتهم الغرب بالإباحية عندما نتحدث عن أخلاق الجنس. وغالباً ما نقصد بالإباحية العلاقات الجنسية والإنجاب دون زواج. لكن الغرب نظم هذا الجانب تنظيماً عرفياً وقانونياً دقيقاً.
فعندما يعيش رجل وامراة معا دون زواج، فهما ملزمان بالإخلاص لبعضهما وعدم ممارسة الجنس مع أي شريك آخر ما دامت العلاقة مستمرة، وهما أيضا ملتزمان سويا أمام المجتمع والقانون برعاية أي مولود ينتج عن هذه العلاقة.
هذا التنظيم الدقيق للعلاقات الجنسية في المجتمع العصري، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُصنّف على أنه إباحي! ولو فكرنا بعقولنا، لوجدنا أن الزواج بطفلة في الثامنة أو العاشرة أو الثانية عشرة إباحية تحتاج لعلاج؛ ولوجدنا أن تعدد الزوجات لمجرد الرغبة في التنويع الجنسي إباحية غير مقبولة. ولوجدنا أن أفكارنا عن الجنة وعشرات الحور العين والممارسة المستمرة للجنس في الآخرة والتمتع بحالة انتصاب لا تنتهي، هي قمة الخيال الإباحي الذي نُدرِسه لأولادنا كل يوم!
إن ما يجعل الجنس أخلاقيا، ليس “العقد” أو “المهر” ولكنه “الرضا”. فما دام الجنس يتم برضا الطرفين، فهو أخلاقي. وما دام الجنس يتم رغماً عن الطرفين أو رغماً عن أحد الأطراف، فهو غير أخلاقي (حتى ولو كان موثقا).
فإذا اعترفنا بالحقيقة المرة، فقد خطونا الخطوة الأولى لتصحيح المسار.
أما الخطوة الثانية، فمتعلقة بمراجعة أفكارنا حول “لا أخلاقية الغرب”.
إن هذا التقدم المادي الغربي لم يكن ليحدث لو لم يكن هناك تقدم أخلاقي موازٍ، وربما سابق. كما أن التقدم المادي سيؤدي بدوره إلى تقدم أخلاقي ما دامت البنية الفوقية (الثقافة ، الأخلاق، الأفكار) تتطور بتطور البنية التحتية (الاقتصاد، العلم، العلاقات الاجتماعية).
الحقيقة الدامغة أن الغرب متقدم مادياً وأخلاقياً أيضا، سواء تحدثنا عن الأخلاق الشخصية أو الأخلاق الإجتماعية. الصدق مثلا قيمةُ أخلاقيةُ كبرى، طالما نتباهي بها. لكننا نرى أن النفاق وليس الصدق هو السلوك السائد في مجتمعاتنا، بينما تتميز العلاقات الشخصية والاجتماعية في الغرب بقدر كبير من الصدق والمصداقية. وأرى أن هذا طبيعي جدا، فلا يمكن أن يكون هناك صدق بدون حرية.
ولأن الحرية قيمة مركزية في الغرب، يصبح الصدق سلوكاً طبيعياً وآمناً. بينما في مجتمعات التسلط والإستبداد، قد يؤدي بك الصدق إلى المهالك، لهذا يصبح النفاق والكذب قيماً مركزية من قيم البقاء على قيد الحياة، وأول درس يعلمه الأب الشرقي لأولاده هو أهمية الكذب والنفاق وطأطأة الرأس.
لأن الحرية قيمة مركزية في الغرب، يصبح الصدق سلوكاً طبيعياً وآمناً. بينما في مجتمعات التسلط والإستبداد، قد يؤدي بك الصدق إلى المهالك، لهذا يصبح النفاق والكذب قيماً مركزية من قيم البقاء على قيد الحياة
إن أكبر المنظمات العاملة في مكافحة الفقر وإغاثة المنكوبين، مظمات غربية. وفي سلوكهم هذا أروع تجلٍ لأخلاق العطف على الفقير والضعيف ومساعدته. لكنهم تجاوزا مسألة “العطف والإحسان” إلى مسألة “الحق”؛ فمساعدتهم للفقراء ليست إحسانا، لكنها استجابة لحق أساسي والتزام إنساني.
حتى لو أتينا لأخلاق أخرى، مثل الأمانة والتسامح والتقشف والتكافل والتراحم، سنجد الغرب متفوقا علينا في الفهم والتطبيق.
لا يعني هذا أن الغرب لا يعاني من اختلالات أخلاقية. ولا يعني أن الغرب مثالي لا ينتهك ولا ينحرف، كما لا يعني هذا أنه لا يوجد لدينا ميراث أخلاقي مهم.
لكن الحقيقة ببساطة أن أي مقارنة بين “الشرق” وبين “الغرب” في المجال الأخلاقي في مثل وضعنا الحالي، سنتهي حتما لصالح الغرب.
وليس في هذا أي غرابة، فالتطور المادي يؤدي لتطور أخلاقي، والتطور الإخلاقي يساهم أكثر في الدفع بالتطور المادي للأمام، بينما يؤدي التخلف المادي إلى تخلف أخلاقي وفكري.
وأخطر مراحل التخلف الأخلاقي والفكري، الإقتناع أن تخلفنا شكل آخر من أشكال التطور!
اقرأ أيضا: #ألف_حكاية_وحكاية: سنطرد المومسات
قرأت مقالت الأستاذ حسين الوادعي المنشورة هنا ، وهي من أهم المواضيع التي كتبها ضمن منشورات الفيسبوك وهي من الأهمية بحيث لا غنى لكل قارئ ومتابع في العودة إليها. كمرجع مهم (على الاقل ( لاخراس المتأسلمين عن التشدق بالأخلاق الزائفة.
شكرا للأستاذ الوادعي وشكرا لمؤسس هذا الرابط المفيد الذي من خلاله سأتمكن من الاطلاع على أفكار الكتاب المرموقين بسهولة.
لكم مودتي وخالص تحياتي واحترامي
اظن أن الغرب يتفوقون علينا في الإصلاح والعدل والمساواة ونحن مجتمعات متخلفة رغم ما لدينا من كنوز روحية وأخلاقية وسلاحها ليس في تقليد الغرب ولكن في فهم جوهر الإسلام فما كان الله مهلك قوم بظلم واهلها مصلحون.
يا أيها الكاتب الكاذب تقول قولا و تريد به باطل حقا تقدم الغرب تكنولوجيا بفضل حضارة المسلمين و خصوصا الأندلس و بفضل هجرة عقول لعلماء عرب و مسلمين بسبب الحكام العملاء للغرب و كان لهم من العدل و الحكم بالقانون و لكن يطبق على الضعيف فيهم و ليس على القوي فما تقول في زواج المثليين و زواج المحارم وووو و غزو البلاد المسلمين و شكواهم عما يحصل في بورما و كشمير وووو فلا تكن شهدا للزور و غدا عند الله تلتقي الخصوم
قال رسول الله (ص)تركت فيكم المجه البيضاء ليلها كنهارها ما ان تمسكتم بها لن تضلوكتاب الله وسنتي
قال رسول الله (ص)
الى جمال انت الذي تشهد الزور لم تعجبك الحقيقة زجعتك هناك اشرار يعترفون بالوضع المزري حتى لو لا يعترفون 6لى انفسهم لكن يعترفون حول مايحصل في مجتمعنا وهناك اشرار يكرهون ان يعترفون حتى على المجتمع وظاهر انا واحد منهم،لانه فضحكم.
جرأة راقية ومحكمة للرفيق الوادعي
كلام منطقي وتحليل اكثر من رائع سلمت يداك
عزيزي حسين اشكرك من اعماق قلبي على هذا المقال.
حنان
كاتب عصري واعي منطقي جريء من أروع كتاب العصر
إذا اعترفنا بالحقيقة المرة، فقد خطونا الخطوة الأولى لتصحيح المسار. صحيح.
لكن فيما يهمنا تصحيح أفكارنا حول لا أخلاقية الغرب. الخطوة الثانية، يجب أن تتعلق بالعمل على تصحيح مسارنا هذا وستنصلح عفويا صورة الشرقي في ذهن الغرب ومواقفه السياسية والاجتماعية.
تفسير العلاقة بين الرجل والمرأة فى المجتمع الغربى على انها علاقة اخلاقية غير مقبول شرعا ولا حتى اخلاقيا. فهذا زنا صريح ليس من أخلاق الإسلام بصرف النظر عن ما يفعله المسلمون اليوم. فهذا تحريف في أصول الدين والشرع. أين حقوق المرأة وأين الحفاظ على الأنساب وحقوق الأطفال. كم عدد المواطنين الغربيين الذي لايعلم حتى اسم ابيه او امه او عائلته.. هذا المقال فيه إباحة الزنا بشكل صريح. وهذا منافي للدين فى جميع رسالاته. أما تعدد الزوجات هو إثبات ان القرآن قد أنزل لجميع خلقه حتى يومنا هذا. فمع ازدياد أعداد النساء أضعاف الرجال أليس سويا واخلاقيا ان تحصل المرأة على رجل مثلها مثل الآخرين بكامل حقوقها أم الزنا هو الحل..
لا نتقدم حضاريا حتى نغزو أفريقا ونستعمرها ونستعبد أهلها ونتركهم فقراء جائعين وننعم نحن بما نسرقه من بلدانهم ولا نتقدم حتى ندمر بلدان مثل العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا بحجة نشر الديمقراطية وحتى نظرع كيانا في أوربا نبيح له كل ما حرمناه عليهم والأهم من ذلك أن نتخذ كلابا لنا في بلدانهم ينعقون باسمنا ويدافعون عن حضارتنا ويصفقون مفتونين ومعجبين بجرائمنا في حق شعوبهم
الاخ حسين سوف اضرب لك مثال متمثل في الصين الان هي تشق الطريق لتصبح قوة اقتصادية عظمى , هل سالت نفسك هل الصين تتمتع بالديمقراطية , ان صناعة القوة الاقتصادية والعسكرية التي صنعها الغرب كانت هي البداية والتي طبقها على الشعوب الاخرى من خلال الاستعمار , الغرب بدا بالقوة وخاصة الاقتصادية هي الاساس , لقد وصل الاسلام الى روما بفعل القوة اخي حسين ,
مقال جميل فعلآ