من مصر، محمد حميدة يكتب: إنهم يأكلون النساء يا رسول الله
كانت الشمس قد اقتربت من الدخول إلى مسكنها، حينما احمر قرصها وبدأ الضوء يتهاوى بعض الشئ. على ناصية الحقل، كنا نحو 6 من الرجال والشباب الذين أثاروا قضية المساواة في …
كانت الشمس قد اقتربت من الدخول إلى مسكنها، حينما احمر قرصها وبدأ الضوء يتهاوى بعض الشئ.
على ناصية الحقل، كنا نحو 6 من الرجال والشباب الذين أثاروا قضية المساواة في الميراث، فإذا بأحدهم ينتفض من تمدده على الجسر قائلا: “هؤلاء هم الكفرة الذين يريدون هدم الإسلام وتخريبه”.
ابتسمت ونظرت إليه في هدوء، بعد أن انتهى من إفراغ البركان الذي صار بداخله وقلت له: “يا حاج، هل تسمح لي بسؤال؟ بما أنك تدافع عن الإسلام وحدوده بهذا الشكل، لماذا لم تعط أخواتك حقوقهن من الأرض التي نجلس فيها الآن؟”.
إن الانفصام الذي أصاب مجتمعاتنا التي حولت الدين لورقة تستخدم فيما يتماشى مع الحكام تارة ومع الذكورية تارة ومع العرقية تارة أخرى، أدى في النهاية إلى حدوث تشوه في الفكر والتصرف والمعاملات
تلعثم وانخفض البركان فجأة، ثم عاد وتمدد مرة أخرى قائلا: “ده عرف بلدنا… لا بناخد ميراث ولا بندي ميراث. أرضنا لازم تفضل للولاد، مش البنات يا أستاذ”.
عم الصمت المكان وغابت الشمس في جحرها. خيم الظلام على الحقل، فقلت له: “أنت تمنع الشرع وتهدره نهائيا، وتتهم من يسعى لتعديله بالكفر يا حاج…”. لم يجب. اكتفى بأن قال باقتضاب: “هيا بنا لنذهب إلى المنزل!”.
لا شك أن الجدل الدائر بشأن مبادرة المساواة في الميراث، المقدمة من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وصل إلى العديد من البلدان العربية، ومن ضمنها مصر، التي انطلقت فيها بعض الدعوات لتشريع قانون على غرار المقدم في تونس.
اقرأ أيضا – أوتوبيس 678: وللتحرش سينماه
بعيدا عن الجدل الفقهي والسياسي الحاصل، وما إن كان يجوز المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث أو لا، تجب الإشارة إلى بعض التفاصيل التي تظهر في ردود فعل الغالبية، والتي تكشف عن الكم الكبير من الازدواجية في معظم بلدان منطقتنا.
أتحدث بالتحديد هنا عن رد الفعل المواطن المصري تجاه ما أثير، حيث انتاب البعض فزع كبير حيال الأمر، وكأن التتار على أبواب مصر ويسعون لتهويدها مثلا، أو أنهم سيهدمون مساجدها ويجبرون الناس على اعتناق دين جديد.
كيف يمكن التعامل اليوم مع السيدات اللواتي تعلن أسرهن بمفردهن، نظرا لتخلي الزوج أو الأخ أو الأب؟ وكيف يمكن التعامل مع الرجال الذين يجبرون النساء على المناصفة في مصروفات البيت وهو يرفض إعطاء حق أخته مثلا؟ ما بالكم برجال يجلسون في المنازل وتنفق عليهم زوجاتهم؟
سيدي الفاضل، سيدتي الفاضلة، قبل المزايدة التي بدأت تتعالى بداخلك الآن، وأنت تقرأ هذا المقال وربما قد تبدأ في السب والاتهام بالتكفير، أقول لك إني ما كتبت هذا للفصل في مسألة جواز المساواة أو عدمها، نظرا لكونها من الأمور التي تحتاج إلى نقاش من المتخصصين في شتى المجالات.
لكن ما دفعني للكتابة، هو الازدواجية التي رأيتها من بعض الرجال، وهم أبعد ما يكونوا عن التدين وتطبيق الشرع. بل يمكن وصفهم بالمتأسلمين، الذين يتظاهرون بالدفاع عن الإسلام ولا يعرفون عنه سوى ظاهره. لذلك، أسمح لي عزيزي القارئ أن أوجه لك بعض الأسئلة المشروعة، لعلك تواجه نفسك بحقيقة تحاول تجاهلها طوال الوقت:
بما إنك مؤمن بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، وأن المرأة لا يحق لها إلا النصف، هل أعطيتها هذا النصف بالفعل؟! بالتأكيد لا. خاصة وأنا أتحدث عن واقع أعيشه بالفعل، ففي القرى المصرية، هناك دائما من يقولون: “كيف نعطي أموالنا وأرضنا للغرباء؟” والغرباء هنا هو أزواج البنات.
اقرأ لنفس الكاتب: حجاب حلا وعري المنطق العربي
كافة النساء في قرى الصعيد، إلا ما ندر، لا يحصلن على ميراثهن من الأساس؛ لا النصف ولا الربع. يأكلون حقوقهن عيانا بيانا. وفي الحالات التي تسعى فيها المرأة للميراث، يبخسون حقها ويقدرون ميراثها ببضعة آلاف جنيهات لا تتساوى إطلاقا حتى مع عشر حقها.
هناك أمر آخر، بما أننا نتحدث عن الحكم القرآني “للذكر مثل حظ الأنثيين”؛ فكيف يمكن التعامل اليوم مع السيدات اللواتي تعلن أسرهن بمفردهن، نظرا لتخلي الزوج أو الأخ أو الأب؟ وكيف يمكن التعامل مع الرجال الذين يجبرون النساء على المناصفة في مصروفات البيت وهو يرفض إعطاء حق أخته مثلا؟ ما بالكم برجال يجلسون في المنازل وتنفق عليهم زوجاتهم؟
أعود وأقول: لماذا لم تأخذكم الجلالة من أجل إنصاف شرع الله الذي يهدر كاملا؟ لماذا لم تحمر وجوهكم وتنتفخ عروقكم وتصلب قاماتكم من أجل الظواهر التي تفتك بالنساء بما يخالف شرع الله؟ إن الأمر يتعلق بفكرة الذكورية والنظرة للمرأة التي لا زلتم تعتبرونها مجرد دمية للجنس ولتربية الأبناء. ولو كانت المبادرة لمنع توريث المرأة نهائيا، لربما كان هذا القرار عين الصواب بالنسبة للكثيرين.
بما أنك تدافع عن الإسلام وحدوده بهذا الشكل، لماذا لم تعط أخواتك حقوقهن من الأرض التي نجلس فيها الآن؟
بما أنكم تتحدثون عن شرع الله، كيف لكم أن تنظروا للمرأة نظرة دونية وهي أمكم؟ وكيف لكم أن تحقروا من شأنها وهي أختكم؟ وكيف تتركونها تهرول في المحاكم من أجل الحصول على حقها الذي تحايلتم عليه بالقانون؟ وكيف بكم تتحرشون بها وتغتصبونها بما يخالف شرع الله؟ وتستغلونها في المتاجر والشركات كسلعة من أجل الربح بما يخالف شرع الله؟ وكيف تحرضون عليها وترمونها بالكثير من التهم لحرمانها من حقوقها؟
إن الانفصام الذي أصاب مجتمعاتنا التي حولت الدين لورقة تستخدم فيما يتماشى مع الحكام تارة ومع الذكورية تارة ومع العرقية تارة أخرى، أدى في النهاية إلى حدوث تشوه في الفكر والتصرف والمعاملات.
نحن بحاجة إلى إعادة تقييم مفاهيمنا وسلوكياتنا وتقويم أنفسنا بما يتماشى مع الإنسانية والآدمية التي تساوي بين الرجل والمرأة في كل شئ. حينها، لن نكون في حاجة إلى أية دعوات أو مبادرات اذا ما نظرنا إلى أي امرأة بمكانة الأم والأخت والابنة. حينها، سيتغير سلوكنا تجاه أي فتاة تمر في الشارع أو في العمل وكافة مجالات الحياة.
*محمد حميدة شاعر وقاص وصحافي مصري
اقرأ أيضا: المساواة في تونس… إنهم يغتالون الإسلام!