هشام روزاق يكتب: جيل “Z”… وطن بحلم غير جاهـــ”Z” للوأد - Marayana
×
×

هشام روزاق يكتب: جيل “Z”… وطن بحلم غير جاهـــ”Z” للوأد

صرنا نعيش في بلد… الإسلامويون يتهمونك فيه في عقيدتك، والحداثويون… يتهمونك فيه في انتمائك ووطنيتك.
وحده جيل “Z” المغربي، أعاد لنا كثيرا من الشغف والحلم. أعاد لنا بعضا من شغف مواجهة كائنات رمادية في غاية السواد، شغف الحلم بمغرب أجمل ممكن، شغف الابتسام في وجه مغرب أنهكته عمليات التجميل وجعلت ابتساماته مفبركة.

… هو فعلا حرف “Z”.

هو فعلا، آخر الحروف في أبجدية ظلت، منذ زمن، تستعمل رموزا مشفرة كي تبعث رسائل في غاية الوضوح. أبجدية أجبرها شباب، بلغة بسيطة وابتسامات غير خائفة، على مغادرة منطقتها الرمادية، كي تعلن عن لونها القاتم الفاقع.

اليوم، نستطيع أن نقول بكل هدوء إن الدولة، قبل الاستثمار في الصحة والتعليم، عليها أن تستثمر أولا في إعلامها.

في زمن قريب مضى، كانت الفكرة المؤسسة لمواجهة أي فعل احتجاجي، ولخفض أي سقف مطالب بالمغرب، هي تلك المقولة الشهيرة: “بغاو يردونا بحال سوريا وليبيا”.

اليوم، لم يجد هؤلاء فكرة أفضل ولا أكثر قابلية للتسويق، غير لغات عتيقة ومقرفة، استعملت ذات زمن حزين في “سوريا وليبيا”، لمواجهة صرخات شباب، كل خطيئته أنه، على عكس الكثيرين منا، لازال يمسك بشغف، بحلم وأمل مغرب أجمل وممكن…

شباب بعمر قطرة ندى وجد نفسه فجأة، في مواجهة “الجّْريحة الإعلامية” التي تتهمه بالعمالة للخارج، والتمويل الأجنبي وخيانة الوطن… وما تشابه من لغات مقرفة، استعملها نظام القدافي قبل سقوطه، ونظام بشار الأسد قبل هروبه.

… والسؤال إذن: شكون بالفعل اللي باغين يردونا بحال سوريا وليبيا؟

من هو هذا العاقل العبقري الذي “أفتى” بتخوين شباب جيل بأكمله، وتقديم البلاد فجأة، في صورة ساحة مستباحة، يستطيع أي كان اختراقها وتمويل خونتها وتنظيمهم وإخراجهم للشوارع والساحات؟

في النهاية، أنتم لم تسيئوا لجيل امتلك شجاعة الصراخ، أنتم فقط، أسأتم للدولة التي خلتم أنها في حاجة لدفاعكم عنها، (تماما كما يخال الإسلامويون أن الله ورسوله والإسلام في حاجة لمن يدافع عنهم) وسارعتم لتقديم الخدمة… فكانت النتيجة، “نيران صديقة” أحرقت محاصيل سنوات من زراعة “النموذج التنموي” و”المجتمع الديمقراطي الحداثي”، و”مغرب الحريات”… بل ألحقت الخسائر حتى بالدولة القوية التي تدافعون وتفتخرون بها، والتي قدمتموها للعالم، منذ أيام، كدولة ضعيفة تخترقها أجهزة مخابرات وأجندات مختلفة، وتعيث فيها وفي شبابها توجيها وتحكما.

هل تحتاج فعلا لأجهزة مخابرات وتمويل أجنبي وعمالة للخارج كي تحتج على وضع الصحة والتعليم في البلاد؟

لا… أنت تحتاج فقط، لزيارة أقرب مستشفى، أقرب مدرسة، هذا إن لم يكن لك قريب مريض في السبيطار أو تلميذ فقير في مدرسة عمومية.

خرج شباب مغربي إلى الشوارع، وأخرجوا معهم، قبل قوات الأمن التي منعت احتجاجاتهم واعتقلتهم، بعضا من منطق العجز والعته، وكثيرا من لغات داء فقدان الخجل المكتسب.

بعضهم، وللصدف المثيرة للانتباه واليقين (كي لا نقول الشك)، خرجوا في نفس اللحظة والتوقيت، وبنفس التزامن في اللغة والمنطق، كي يستنكروا على جيل “Z” المغربي، اهتمامه بقضايا الصحة والتعليم، وبحال المستشفيات والمدارس، واعتبروا أن هذا الجيل، يفترض فيه أن يهتم بقضايا أخرى أكثر أولوية، هي قضايا الحريات الفردية (التي تعني عندهم فقط الحريات الجنسية) …

نعم… بكل وقاحات اللغة، استكثر منطق “الحجر القانوني” لا الطبي على الشباب، الانتماء لبلدهم، لقضايا بلدهم. استكثروا عليهم أن يصرخوا من أجل تعليم يليق بابتساماتهم، بشغفهم، وصحة تحضن كرامة أهلهم. استنكروا أن يحلم شباب مغربي، بمغرب غير ذلك الذي يروج له بعض من إعلام انتصر على الدوام، لنموذج مشوه لمغربي تتهافت عليه صحافة “الـ (ميكرو) ـــطروطوار”.

في عز انتكاستهم والخيبات، صاروا يقفون على الضفة النقيضة للمنطق الذي طالما رقصوا له (كي لا نقول تغنوا به، إذ بين الرقص والغناء، هناك دائما طبال).

هم… الذين رددوا دوما، أن لا أولويات في الحقوق، كما لا أولويات في البنيات والمشاريع، وأن المغرب يحتاج لتطوير ترسانة حقوقه الفردية والأساسية بنفس القدر الذي يحتاج فيه لتظاهرات رياضية وفنية ومهرجانات… هم نفسهم اليوم، يخرجون كما ثعلب أحمد شوقي، في “ثياب الواعظين”، كي يحددوا للشباب “الأولويات” التي يجب أن “يقفوا” عندها، والقضايا التي … لا يجب أن يقتربوا منها.

هل هناك قعر أعمق من كل هذا الحضيض وصله “مجندو” الحرب ضد جيل “Z”؟

نعم… هم كعادتهم، حين يصلون القعر، يواصلون الحفر.

منطق العاجز في العادة، يتأسس على فكرة بسيطة: اقتناص شبه الفرصة، وتحويلها لأصل الحكاية. اقتناص الشاذ… وجعله قاعدة. وذلك ما حدث.

من بين عشرات الوقفات والمواقف الجميلة والمؤثرة. من بين كل حكايات الاعتقال والتوقيف وحكايات الكر والفر، بل وحتى الحكايات الكوميدية بين المحتجين وقوى الأمن… من بين كل هذه العناوين، لم يجد “مجندو الحرب” غير ثغرة كي يغلقوا بها خواءهم…

لم يجدوا غير حكاية خطأ إغلاق الطريق السيار بالدار البيضاء، قبل أن يستغلوا، بعدها، حالات الانفلات الأمني، المدانة طبعا، التي شهدتها بعض المدن، كي يجعلوها عنوانا لكل الذي حدث، ولكل الذي يمكن أن يحدث، فيما انبرى بعضهم، للبحث عن أية تدوينة أو تعليق مندفع أو خارج السياق، كي يحولوا الشباب، هكذا بكل بساطة، ووفق ذات التصور المريض الجاهز، إلى مجموعة خونة وعملاء… ولا عزاء للشرف في معركة ساحتها ماخور المنطق.

ثم…

في ذات القعر، ستجد طبعا، من استعمل نفس أدوات ومنطق، بل ولغات الإسلامويين وهو يحارب جيل “Z” المغربي، حين اتهمهم بالعمالة للخارج، وحين قرر لهم الأولويات التي لا يجب أن يحيدوا عنها، وحين اتهمهم في أعراضهم ونياتهم وسمعتهم وشرفهم… ستجد نفس هذا المجند في الحرب، يتهم الشباب بأنهم سيكونون أداة في يد الإسلامويين!!

… ستجد من يتهم الشباب بكونه أداة في يد الإسلامويين.

ومن يتهمه بكونهم لعبة في يد اليسار.

ستجد من يعتبر، دون دليل ولا حجة، ولا حاجة لدليل أو حجة، ان هذا الشباب، هو أداة في يد…

مخابرات أجنبية

أجندات معادية

الإسلامويين

اليسار المتطرف…

لقد وصل حفر القعر ببعضهم، حد الترويج لخبر مفاده أن… احتجاجات جيل “Z” لم تؤثر على مبيعات تذاكر مباراة المنتخب الوطني ضد البحرين!!!

… ستجد أن الكثير من هؤلاء، وهم يوزعون هذه التهم على جيل “Z”، هم في النهاية، يقدمون مختصرا لسيرتهم الذاتية. لا أقل ولا أكثر.

ستجد أن من بينهم… من ركب موجة 20 فبراير، ثم “نط” عند أول مرفأ وظيفة وأجرة شهرية، ومن كان “عضوا” في ذات هذا اليسار الذي يخيف الشباب منه اليوم، و”نط” عند أول أحداث فارقة في حياته لا في حياة اليسار، ومن كان إسلامويا ثم “عف” عنه الزمن، فـ “نط” في ركاب حداثة ينظر لها بنفس التطرف والإقصاء الذي شكل فهمه للإسلاموية.

في النهاية… ستجد أن الــ “نط” واحد وإن اختلفت القفزات.

وأن من اعتاد النط… لا يتخيل العالم من حوله دون أقدام ثابتة على الأرض. لا يتخيل العالم دون منصة قفز (Tremplin) تتيح له بعضا من رقص في الفراغ.

… اللعنة

صرنا نعيش في بلد…

الإسلامويون يتهمونك فيه في عقيدتك.

والحداثويون… يتهمونك فيه في انتمائك ووطنيتك.

ووحده جيل “Z” المغربي، أعاد لنا كثيرا من الشغف والحلم.

أعاد لنا بعضا من شغف مواجهة كائنات رمادية في غاية السواد.

شغف الحلم بمغرب أجمل ممكن.

شغف الكتابة.

شغف الابتسام في وجه مغرب أنهكته عمليات التجميل وجعلت ابتساماته مفبركة.

شكرا لهذا الجيل الجميل.

شكرا بـــــZـــــاااااف للذين أعادوا لنا الابتسامة، والشغف… والحلم بغد يشبهنا.

وهذا … بعض من كلام.   

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *