هشام روزاق يكتب: حداثة تحت الجبة البودشيشية… اغتيالات مقدسة في طائفة “Les assa- saints” - Marayana
×
×

هشام روزاق يكتب: حداثة تحت الجبة البودشيشية… اغتيالات مقدسة في طائفة “Les assa- saints”

كان الحلم فصل الدين عن الدولة، صار المأمول… إخراج الحداثي من الزاوية.
في طائفة “Les assa- saints”، بعضهم… يريد أن يحقق الديمقراطية والحريات وكرامة الأفراد والنساء والشعب والمساواة والمناصفة والحريات الفردية والعدالة الاجتماعية… بالتحالف مع “العدل والإحسان”.
وبعضهم… يريد أن يحقق فصل الدين عن الدولة، وحريات المعتقد والرأي وكرامة الأفراد والنساء والشعب والمساواة والمناصفة والحريات الفردية والعدالة الاجتماعية، تحت الجبة البودشيشية… بالتحالف مع الزاوية، التي هي في النهاية، مؤسسة/أداة للتحكم وضبط إيقاعات البلد وخدمة مصالح عقلية مخزنية مستعصية على الأفول.

… ثم فجأة، تحول عدد من “حداثيي” المغرب و”تقدمييه” إلى مريدين/ “فقرا” كاملي الصفة والصفات في الزاوية البودشيشية.

صار العبد الحداثي/ التقدمي الفقير إلى رحمة ربه، مطبعا مع لغة الزاوية وترسانتها المفاهيمية، لدرجة أن جلهم، لم يتحدثوا عن خلاف الأخوين “معاذ” و”منير” إلا بتسبيق صفة وتوصيف “سيدي” عن كل من الاسمين… حتى كادت الحداثة والتقدمية أن تصرخ في وجوههم: “سيدي وسيدك رسول الله آ المومن!!”.

في لحظة…

كانت الزاوية البودشيشية تتخلى عن ثياب “المجدوبين” و”السايحين” في ملكوت الأذكار والتعالي عن الملذات، وتخرج أسلحتها الثقيلة لإعلان معركة الخلافة في مؤسسة، يبدو أنها تمتلك “ثروات مادية” هائلة… من أجل تعليم الناس الزهد في “ملذات” الدنيا الفانية…

… وكانت الدولة، تتعامل بصرامة متناهية من أجل تثبيت مسلمة الولاء والطاعة، لضبط مجال حركة وسكنات الزاوية، لدرجة استنجاد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بـ “الجن” والأعمال السفلية، في رسالة وجهها لـ “منير القادري بودشيش” (يبدو أنه بعثها له قبل اندلاع أزمة الخلافة)…

في نفس هذه اللحظة…

كان العبد الحداثي/ التقدمي الفقير إلى رحمة ربه، “يلبس الدربالة” و… “يتبع جيلالة بالنافخ”.

بدل أن نستعيد سؤال السياسة والدين، وبدل أن نسائل علاقة الزاوية بالمخزن، والأدوار التي لعبتها الزوايا، منذ القديم، كمؤسسة/أداة للتحكم وضبط إيقاعات البلد وخدمة مصالح الحكم، سواء حين تعلق الأمر بحكم المخزن، أو حتى حين تعلق الأمر بحكم الاستعمار في فترة معينة…

بدل كل ذلك، كان علينا أن نفتح أعيننا على حداثي/تقدمي “cute”، لم ير في كل سؤال العلاقة الغرائبية التي تجمع الزاوية بدولة، تؤسس لنفسها “دستوريا”، كدولة ضامنة لمجتمع ديمقراطي حداثي، (لم ير في كل ذلك) سوى انتصارا للتدين وللخصوصية المغربية… نفس التدين ونفس الخصوصية التي تجعل، نفس الدولة المصرة على ربط الزاوية بالسياسة، تقف في غير ما مرة، في وجه كل مطالب تحديث الدولة وعلائقها بشركائها، سواء كانوا مؤسسات أو أفرادا.

الحداثي، الذي يفترض أن يكون أصل الوجود عنده مؤسسا على عقيدة الحرية، وفصل الدين عن الدولة، وحرية المعتقد، والحريات الفردية وحرية الممارسات العقائدية والتعبدية، وعلى المساواة والمناصفة وكرامة المرأة المستباحة في كثير من الأحيان باسم الدين و”المجتمع المحافظ”، وعلى المؤسسات غير المهجنة للديمقراطية، بعيدا عن أي تماس محتمل مع الدين…

هذا الحداثي، فجأة، (أو قل الحداثي صدفة) اكتشف معدنه الأصل دون كثير صدمة، وعاد إلى درس تكوينه الأول، فاقتعد حصير الزاوية، ودخل مرحلة “التخلية والتحلية” (إحدى أهم مراتب التصوف)، فـ “تحلى” وتزين بفضائل “الخصوصية المغربية”، وبلغ “مقام الصفاء الروحي والأنس بـ “القائم” غير القابل للتغيير، و”تخلى” عن “شهوات” العلمانية البغيضة، وعن دنس المطالبة/الحلم بفصل الدولة عن الدين… وأعلن نفسه مريدا كامل الطاعة والتسليم للشيخ الذي أقنعه أنه لا يستطيع أن “يسلك الطريق وحده”، وأنه يحتاج إلى “رفقة صالحة” تعينه على المجاهدة والثبات على… القائم غير القابل أو المستعد للتغيير، وأن الشيخ، سيظل دائما حاضرا، كي يعلم “مريده”… آداب الطريق وكي يصحح سيره ومساره.

…حتى الراحل عبد الكريم الخطيب، أحد أهم المدافعين عن ما كان يسميه “خصوصية النموذج المغربي”، وأحد مهندسي تخريجة “دسترة إمارة المؤمنين”، لم يكن ليحلم، في عز انخراطه في الدفاع عن نموذج الحكم القائم، وعن تشابك السياسة بالدين، أن يجد بين المريدين… حداثيا عاد إلى رشده، أو تقدميا يعلن التوبة، بما تعنيه التوبة عند الصوفية، من “الانتقال بالقلب من الغفلة إلى اليقظة”، وفق الشروط الصارمة التي تحددها الطرق الصوفية للتوبة، والتي من أهم أساساتها، “الإقلاع عن الذنب فورا” (ذنب المطالبة بفصل الدين عن الدولة)، و”الندم على ما فات” (الندم على المطالبة بحرية المعتقد والتعبد خارج تحكم الدولة)، و”العزم على عدم العودة” (وهو ما تحقق في المريد منذ زمن بعيد).

لو علم الراحل عبد الكريم الخطيب، بمآلات التوبة الحداثية/ التقدمية في بلدي، لكان رتب “صفقته التاريخية” الشهيرة، التي أدمجت بعض إسلامويي المغرب في المؤسسات، على نحو مختلف…

لو علم الخطيب بالأمر، كانت صفقته ستمتد لتشمل الإسلامويين وحداثيي الصدفة وتقدميي الخصوصية المغربية، لتضع الجميع في “جبة” مخزنية واحدة، ولتحقق له وبه، المنطوق الحرفي للمثل الشعبي المغربي “التابع مْتبوع، والشيخ يْوصَل والمريد يْطُوف”…(ومعنى المثل: المريد تابع للشيخ، لكنه في النهاية قد يصبح هو نفسه تابعا لمن يقوده، فيفقد استقلاليته، والشيخ يْوصَل: الشيخ يصل إلى غايته: الراحة، المكانة، أو حتى تحقيق مصلحة… والمريد يْطوف: المريد يبقى تائها، يجهد نفسه دون نتيجة)، وذلك بالضبط ما تحقق منذ زمن، في الوصفة السياسية الدينية الغرائبية في هذا البلد. فكل المريدين يعانون من الدوار.

فجأة…

كان الحلم فصل الدين عن الدولة، صار المأمول… إخراج الحداثي من الزاوية.

العبد الحداثي/ التقدمي الفقير إلى رحمة ربه، وهو في عز “الجدبة” التي كان فيها مجرد “تابع بالنافخ”، تناسى أن هذه الزاوية التي يدافع عن سلامتها وبقائها، ويقاتل من أجل استمراريتها واستمرار علاقتها بالدولة، هي نفسها الزاوية التي تخلت ذات 26 يونيو 2011 عن قناعها المسالم الروحاني المجذوب… لتخرج في مسيرة بمآت الآلاف من المشاركين، كي تضبط إيقاعات وسقف المطالب الممكنة وغير القابلة للتفاوض في الدستور الذي كان يعد حينها، وكي تطالب، بالأساس، بالإبقاء على كل المناطق الرمادية في علاقة الدولة والدين، وعلاقة السلطة بالمحاسبة والثروة….

توبة العبد الحداثي/ التقدمي الفقير إلى رحمة ربه، أنسته، و”العبد” نسّاء بطبعه، أن تلك الزاوية التي يدافع عن وجودها اليوم، هي نفسها الزاوية ــ بمختلف تسمياتها وانتماءاتها ــ التي وقفت على الدوام، في وجه كل المطالب الحرة المشروعة للمغاربة، وساندت، على الدوام/ شكل وجوهر حكم، وقف دائما في وجه علائق طبيعية بين الفرد والدولة، وبين العبد والخالق، وبين الدين والتدين، وبين المواطنين… والرعايا.

… هي نفسها الحكاية: جبة، وشيخ… ومريدون/مريضون.

بعضهم… كي يحقق الديمقراطية والحريات وكرامة الأفراد والنساء والشعب والمساواة والمناصفة والحريات الفردية والعدالة الاجتماعية، يريد أن يقنعنا، أن الوصفة السحرية هي… التحالف مع “العدل والإحسان”.

وبعضهم… كي يحقق فصل الدين عن الدولة، وحريات المعتقد والرأي وكرامة الأفراد والنساء والشعب والمساواة والمناصفة والحريات الفردية والعدالة الاجتماعية، يريد أن يقنعنا أن الوصفة السحرية هي… التحالف مع الزاوية، التي هي في النهاية، مؤسسة/أداة للتحكم وضبط إيقاعات البلد وخدمة مصالح العقلية المخزنية المستعصية على الأفول.

في النهاية… الحداثة في بلدي، لم تغادر قط حصير الزاوية، لم تخرج قط من تحت جبة الشيخ…

الحداثة في بلدي، تبحث دوما عن القديسين “Les saints” كي يباركوها… تبحث عن “شيخ” كي تكون مريده، وكي يمنحها شرعية الوجود.

تبحث… عن معارض للقائم، يقترح بديلا أسوأ.

وتبحث عن تحالف مع القائم، كي تكبح قادما أجمل.

في رحلة البحث عن “Les saints”… لم يمنحنا العبد الحداثي/ التقدمي الفقير إلى رحمة ربه، شيئا غير جريمة اغتيال مزمنة لكل ما تعنيه الحداثة والتقديمة من حرية.

في رحلة البحث عن “Les saints”…  لم يمنحونا غير “Les assa- saints”.

… والقتل باسم المقدس، هو في النهاية، أسوأ ما تحمله وجوهنا من أثر “حسن الصباح” بين قلعة ألموت… وزمن الموت.

وهذا… بعض من كلام.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *