مصطفى مفتاح: غزة… هل هي نكبة، أم هزيمة أم نكسة… أم هي آخر الظلام؟ - Marayana
×
×

مصطفى مفتاح: غزة… هل هي نكبة، أم هزيمة أم نكسة… أم هي آخر الظلام؟

في غزة… والأطفال والنساء والمقاتلون والصحفيات والصحافيون والمسعفون والأطباء والمقابر والكنائس والمساجد والجامعات والخيام يتعمدون الموت بسرعة وبكثافة، كي تنتهي المأساة ونعود لمقابلات كأس العالم والصراع الاستراتيجي بين الرواية وقصيدة النثر وبين الخنوع اليساري والهزيمة الصافية صرفا.
وحيث أننا ما نزال نحمل شمسا صغيرة تشع وتغمرنا أملا، نلملم ألمنا وعجزنا، مقتنعين بأن الطغيان الذي يلعب بالنار، مهما أحرقنا، فإنه لامحالة مُحْرِقٌ نفسه. ونذكر كل الهزائم التي تكبدها، رغم الطائرات والقنابل.

miftah mostafa مصطفى مفتاح
 مصطفى مفتاح

بكل هدوءٍ وكل جهلٍ بالموضوع، سنرتب ونضع الأحداث الجارية في الشرق القريب الأوسط، في سياقها التاريخي، كما كشفه المفكرون الذين نعرف أسماء بعضهم، عن خصائص الامبريالية ومآسي “التراكم البدائي للرأسمال” والاستعمار والتطور غير المتكافئ والتخلف وهلم جرا!

سنأخذ المسافة المنهجية العقلانية، مع الإيديولوجيات المتصارعة ومع الخطاب الأصولي أو القومي أو الهوياتي أو “الملتزم”، ومع ما نشاهده ونشهد عليه من الجرائم اليومية، لنستعمل كل الخبرة المطلوبة لكشف الأبعاد المخادعة للمؤامرة، و“الالتقاء الموضوعي”، ومصير “الأمة” والانتصار الحتمي لمنطق التاريخ المستقبلي. وسننبذ العواطف!

وكأولئك المتفرجين، الذين لا يكفون عن الصراخ بنصائحهم وتوجيهاتهم للاعبين والمدرب، حين يحدث أن يشاهدوا مباراة في لعبة ما، سواء كانت في كرة القدم، أو المضرب أو الورق و”الضامة”، سنتفرج على ما يجري ونحن لانمل ولا نكل من التحليل واستخلاص الدروس التاريخية. ثُمَّ، نسرعُ للعودة لاعتيادنا، قبل أن يخرج المتفرجون المعتادون على الشغب وإحراق الحافلات أو الشجار مع المارة. ومع بعضهم.

ستكون كل نحل وملل نظريات المؤامرة، ممثلة في المقاهي وسيارات الأجرة وغيرها من فرص النقاش والاختلاف، أطراف النهار وجزءا من الأماسي ولا ضرورة للمعطيات لأن الأخبار مفبركة تماما.

… وسينبري بعض الكتبة، لوضع المُهاجِمِ الصهيوني الأمريكي الغربي في نفس السلة مع المهاجَمِ الفارسي الشيعي الطائفي، كلهما شيطان “فصامي” “عصابي” يريد “سحق” الخصم و”التشطيب عليه”، مع العلم أن طرفا وحيدا هو الذي لا يعرف إلا ممارسة العدوان.

وسيَسْتَلُّ آخرون سيوفَ النقد اللاذع للمثقفين العرب الذين باعوا شعوبهم وقضاياهم وسجدوا راكعين، هكذا دون استثناء، تحت “جزمات” الاستبداد بكل ألوانه العسكرية والقمعية والأصولية التقليدية و”الحداثية”… وجوهرها الخنوع العاجز الواحد. ويتشبب البعض بالسلام العابر للأديان والأعراق بين المُغْتَصِبِ، من جهةٍ، وَالمغصوبة والمستباحة حقوقه، في عواطف سامية تجمع بين الالتباس والاحتياط من أي وضوح في الموقف.

أما أولو الألباب الضالعون، الذين لا تسرقهم سِنَةٌ ولا نوم، فسيعيدون تدوير ما يقوله الغرب وإسرائيل وبعض القوى المتوسطة، حول أذرعِ إيران في المنطقة.

ستنتهي غزة حينما ستتم إبادة كل الأطفال والصحافيين وعربات الإسعاف وكل الهواتف الذكية والألواح الشمسية الصغيرة جداً، وآنئذٍ سنرجع لنهتم بأمورنا المعتادة وبما فاتنا من حصص النميمة والنقد الصائب للمواقف التي عبر عنها عابر من العابرين أو مستقرة من المستقرات في مقالة أو سهرة أو جلسة صباحية يداعبها نسيم البحر ولباس نهاية الأسبوع…

ستُسْتَعْمَلُ أسلحة مستجدة، تم شحذها على حجر الخيانة والمؤامرة، وسترد عليها بالمقابل كل أشكال المقاومة والتضامن العالمي الذي يحسن غيرنا من الشباب والفتيات ونجوم الرياضة والسينما القيام به في الحرم الجامعي والساحات المشهورة وأمواج البحر الأبيض المتوسط ووسائل الإعلام الثانوية.

سنغتاظ عن حقٍّ لأنّ الأحداث لا تنتظر اكتمال تحاليلنا، وتهجم إسرائيل على إيران، ونغتاظ أكثر لأننا محتارون هل ما نراه هزيمة ماحقة لنظامٍ لا نحبهُ، أو مغامرة الغطرسة الصهيونية-الغربية، أو أن الدولة المعتدى عليها تقاومُ وترد الصاع صاعين، في الضرب في عمق العدو!

ثم نغتاظ، حين لا نقوى على تحميل المسؤولية لنظام “الملالي” في صرف الاهتمام عن المجازر اليومية أمام مراكز القنص و”توزيع” المساعدات والغارات على الجوعى من أهلنا في القطاع.

ولأن ميزان القوى والتواطؤ رهيبٌ، ستستمر الإبادة وستنتهي مأساة غزة بمأساة أخرى لغزة وسنعود لعاداتنا الحيوية الأخرى. سنتعلم من جديد، أن ننظر مباشرة لبعضنا دون اشمئزاز كبير، لأن الله لا يكلف نفسا خنوعة إلا وسعها من الجبن والخنوع والدموع الكاذبة.

سينسى المؤرخون كيف تكالبت كل أنواع الشر مع كل أنواع الأسلحة وكل أنواع الخيانة لتقضي على ستين ألفا من البشر، فقط لأنهم بشر.

ولأننا، متمكنون من الفكر النقدي العلمي والعقلاني، سنتجنب السقوط في الربط بين الأحداث والساحات، رغم أن الغطرسة الصهيونية الأمريكية الغربية، هي نفسها، في غزة وسوريا ولبنان واليمن وإيران، فإننا…

ستتذكر وسائل الإعلام و”الضمائر” التي ستنبعث من عماها، أن جنوح الضحايا للعنف ضد المعتدين المساكين، علامة متجددة على أن النزوع الإرهابي المعادي للسمو الهمجي للغرب الهمجي ثابت أصيل وجوهري لدى الشعوب الأخرى، التي لا تريد أن تنسى.

وأنا ومن مثلي في خريف عمرنا هذا، سنتجرع هزيمتنا ونكبتنا هذه صِرْفًا غيرَ منقوصة ولا مزيد فيها، وسنسكر بالشعرِ والتحاليل.

وأنا ومن مثلي، لن نجد لنا مثل الآخرين، مكاناً لنخفي فيه خجلنا، ولا مخبأً ولا تفسيراً ولا عزاء لما تبقى لنا من حسٍّ إنساني ومن اقتناعٍ بأنَّ “فلسطين قضية وطنية” فقط لا غير.

في نفس الآن، والأطفال والنساء والمقاتلون والصحفيات والصحافيون والمسعفون والأطباء والمقابر والكنائس والمساجد والجامعات والخيام يتعمدون الموت بسرعة وبكثافة، كي تنتهي المأساة ونعود لمقابلات كأس العالم والصراع الاستراتيجي بين الرواية وقصيدة النثر وبين الخنوع اليساري والهزيمة الصافية صِرْفاً.

وحيث أننا ما نزال نحمل شمسا صغيرة تشع وتغمرنا أملا، نلملم ألمنا وعجزنا، مقتنعين بأن الطغيان الذي يلعب بالنار، مهما أحرقنا، فإنه لامحالة مُحْرِقٌ نفسه. ونذكر كل الهزائم التي تكبدها، رغم الطائرات والقنابل.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *