هشام روزاق يكتب: … واللـــــــه يــ”éthique” بالصبـــر - Marayana
×
×

هشام روزاق يكتب: … واللـــــــه يــ”éthique” بالصبـــر

هي في النهاية، ليست حكاية الصحافة ولا حتى السياسة في بلدي…
هي حكاية منظومة قيم ومبادئ بكاملها، صارت البطولة أن تدوسها كي تتحول إلى نجم، وصار العبقرية أن تتقن الدفاع عن امتهانها وانتهاكها…
هي في النهاية، حكاية ” l’éthique” التي قد يدافع عن انتكاسها نفس التعبير الإعلامي الذي يغتصبها يوميا…
وهي حكاية بلد… يستحق أشياء كثيرة أجمل منا وأطهر منا…
و… اللـــــــه يــ “éthique” بالصــبر يا بلدي.

hicham rouzzak هشام روزاق
هشام روزاق

… تعالوا نفتعل لغة “جدية” لـ “افتراض” نقاش ما حول هذا الذي صرنا نسميه شأنا عاما في المغرب.

تعالوا نبدأ من الولايات المتحدة، ومن ذلك السؤال “الصحفي” الذي ألقاه، على ما يبدو، مدير نشر موقع إعلامي مغربي، على مدرب فريق الوداد، وخلف موجة من التندر والصراخ والولولة والنحيب على مصير الصحافة والمهنية وأخلاق المهنة…

في الحكاية الأصل… مضمون وشكل ولغة السؤال الذي طرحه الصحافي، هو في النهاية، وببساطة، مضمون وشكل ولغة ما أراده البعض صحافة في بلدي. هو ببساطة، المنتوج الإعلامي الذي قرر بعضهم، بسبق إصرار سياسي واقتصادي واضح، وبشراكة كاملة الأركان من قبيلة الصحفيين، أن يكون هو المرادف الوحيد، للعمل الصحافي.

المثير في الحكاية، أن بعض الذين حولوا حكاية السؤال الصحفي إياه إلى مادة للسخرية والاستنكار وقراءة اللطيف على حال ومآل الصحافة بالمغرب، توقفوا كثيرا عند ذلك السؤال الذي وضعه الصحافي المسكين على مدرب الوداد، حين سأله ما إذا كان الفريق سيقوم بـ “شراء” لاعبين جدد من أجل كسب المقابلة المقبلة للفريق…

… أغلب، الذين أعلنوا النفير في هذه الحادثة (وهي فعلا كسيدة فـ البيست)، تناسوا في النهاية، أن التعبيرات الإعلامية السائدة والمهيمنة اليوم، لم تعد تسائل لا اللغة ولا المنطق وهي… تنقل لنا أخبار و”حوادث” الحرب الانتخابية التي تم إعلانها خارج آجالها القانونية.

تعبيرات إعلامية، صارت تتعامل مع الحكاية السياسية في بلدي، بمنطق “التيرانات” و”الكلاشات” التي اعتادت جماهير الفرق المتنافسة ممارستها ضد بعضها.

… صارت تتحدث عن “حكومة المونديال”، دون أن يثير الأمر بالنسبة إليها، ولو مجرد “التهاب لفظي” يحتاج لمراهم قادرة على معالجة الطفح.

صرنا نتحدث عن حكومة مونديال، وكأن الأمر في النهاية، مجرد لعبة سيدخلها شعب بأكمله، كي يصوت على لاعبين، كل المطلوب منهم، “المشاركة المشرفة”.

بعض الذين “ولولوا” و”ناحوا” ضد سؤال الصحافي إياه، هم نفسهم الذين يتابعون “سوق الانتقالات الحرة” المفتوحة اليوم في الميركاتو السياسي، وهم ينقلون حكايات الهجرات الجماعية والفردية لبرلمانيين ومستشارين جماعيين وأعيان وحرفيي انتخابات من حزب لآخر… وخصوصا الهجرة السرية المعلنة لعدد من حرفيي الانتخابات نحو “الماء الأزرق” المنسم بالغاز.

تعبيرات إعلامية، حولت الخبر الصحفي إلى مرادف لنشرة داخلية لـ “حزب وحيد”، حيث لا لغة تسمو فوق لغات إنجازات الزعيم، ولا أرقام صحيحة غير أرقام الرخاء والبذخ التي حققها أخنوش ومن معه.

صرنا نتلقى في كل لحظة، أنشطة الحزب الأزرق المهيمن، من أصغر نشاط فيه إلى أصغر منخرط فيه (لا مكان للكبار في هكذا جملة)، وكأنها شهادة الانتماء للبلاد. صار قيام وزير بعمله خبرا، وصار عقد مسؤول لندوة صحافية روبورتاجا، وصارت لغات سب المغاربة وتخوينهم… مجرد جزئيات لا تستحق التوقف عندها.

كل هذا العته، يحدث في بلد، “أكبر” مؤسسة إعلامية فيه، لم نجد لها بعد توصيفا؛ ولم نفهم بعد إن كان من الجائز وصفها بصحافة البوز، أم أن البوز نفسه يخجل من هكذا مقارنة.

كل هذا العته، يحدث في بلد… الحقيقة الوحيدة القائمة فيه اليوم، بفضل أخنوش ومن معه:

حكومة أخنوش لإنتاج البطالة:

 ــ  معدل البطالة ارتفع مع حكومة أخنوش، من حوالي 12.3بالمائة (دجنبر 2021) إلى 13.7بالمائة، بداية 2024.

ــ عدد العاطلين بلغ، مع أخنوش، 1.645 مليون شخص، أي فقد المغرب مع حكومة أخنوش، 435 ألف فرصة عمل في القطاع النشط.

ــ لدى الشباب ما بين 15 و24 سنة، البطالة تراوحت بين 36 و36.7 بالمائة، أواخر 2023 وبداية 2024، وفقد سوق الشغل 157 ألف وظيفة سنة 2023، إضافة إلى 24 ألفًا في 2022.

ــ  إجمالي فرص العمل المهدرة تقدر بنحو 181 ألف وظيفة بين بداية 2023 وأوائل 2024.

الفقر في زمن أخنوش:

 ــ عدد الأشخاص المعرضين للفقر، انتقل إلى 2.3 مليون في 2024 (أي نحو 6.2 بالمائة من السكان، علما بأن نسبة الفقر الرسمي ارتفعت من 3بالمائة إلى 4.9بالمائة بين 2021 و2022)

 ــ  85 بالمائة من المواطنين شهدوا تراجعا في مستوى المعيشة

ــ التضخم وصل إلى نحو 9 بالمائة في 2023، مع ازدياد حاد للأسعار التضخمية خصوصا في المواد الغذائية و… طبعا المحروقات.

الإفلاس … مع أخنوش

ــ  أكثر من 14  ألف مقاولة أفلست في 2023، ومن المتوقع أن يرتفع الرقم إلى 16 ألف في 2024.

ــ  دخلت ما يقارب 20  ألف مقاولة أخرى (مهن مختلفة) ضمن حالة الإفلاس وفعّلت عمليات تسريح العمال.

حكومة أخنوش للديون

ــ الدين العمومي مع حكومة أخنوش، ارتفع إلى 1.2 تريليون درهم، بزيادة 15 بالمائة عن 2021، مع ديون خارجية تقارب 400 مليار درهم وداخلية نحو 800 مليار.

ــ العجز المالي بلغ 4.1 بالمائة من الناتج المحلي في 2024، رغم توسيع القاعدة الضريبية.

بعد كل هذا، وكثير غير هذا، عليك ألا تتفاجأ.

عليك ألا تتفاجأ، ليس فقط من تحول مهنة الإخبار إلى بروباغاندا وريكلام… ولكن أكثر من ذلك، عليك أن تقبل أن يخرج عليك بعضهم، ليقولوا لك ملء الفك (وليس الفم)، إن…

“الذين ينتقدون أخنوش، يفعلون ذلك لأنه لم يمنحهم المال” !!

… رجاء، انتبهوا للمعنى الآخر للجملة.

معناه: “الذين يطبلون لأخنوش… منحهم المال”؟ (أنا بعدا ما نقدرش نقول بحال هاد الاتهامات).

في زمن بعيد مضى، قال الكبير جورج أورويل (George Orwell):

“الصحافة هي نشر ما لا يريد الآخرون نشره، أما ما عداه، فهو دعاية”.

لست مشفقا ولا متعاطفا ولا غاضبا من الصحفي الذي حملته أقداره وأقدار هذه المهنة التي لم تعلم بعد بموتها في المغرب، إلى الولايات المتحدة كي يطرح أسئلته تلك على مدرب الوداد.

في النهاية، ذلك الصحافي، تعبير بسيط وبريء، على كل هذا الخراب الذي لم يفرضه علينا أحد، لكن قبيلة الصحافة اختارته. هو تعبير عن كل هذا الفراغ الذي نملأه يوميا بالعدم.

هو تعبير عن جريمة يومية، نحن جميعا شركاء فيها … ونحن القاتل والقتيل.

لسبب ما، ومنذ انتميت لهذه المهنة، كان منتهى الشغف وأصل الحكاية عندي هو “ريتشارد كابوشينسكي” (Ryszard Kapuściński).

كان الصحافي والكاتب البولندي المعروف، والناقد الشرس لـ “السلطة الإعلامية الفاسدة”، ولعلاقة الصحفي بالسلطة، بسيطا وواضحا حد الدهشة…

وكان بعض الدرس منه وعنده ما معناه:

… الصحفي الذي يكتب لصالح القوي، ضد الضعفاء، ليس مجرد شاهد، بل… هو شريك في الجريمة.    

هي في النهاية، ليست حكاية الصحافة ولا حتى السياسة في بلدي…

هي حكاية منظومة قيم ومبادئ بكاملها، صارت البطولة أن تدوسها كي تتحول إلى نجم، وصار العبقرية أن تتقن الدفاع عن امتهانها وانتهاكها…

هي في النهاية، حكاية ” l’éthique” التي قد يدافع عن انتكاسها نفس التعبير الإعلامي الذي يغتصبها يوميا…

وهي حكاية بلد… يستحق أشياء كثيرة أجمل منا وأطهر منا…

و… اللـــــــه يــ “éthique” بالصــبر يا بلدي.

وهذا…  بعض من كلام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *