هشام روزاق يكتب: الدولة في حديقة الألعاب… حوادث سير مؤسساتية للتسلية - Marayana
×
×

هشام روزاق يكتب: الدولة في حديقة الألعاب… حوادث سير مؤسساتية للتسلية

في أحيان كثيرة، يبدو وكأننا أمام دهشة وشغب أطفال سلمناهم “les tamponneuses” (أو طوموبيلات التساطيح، كما يقول المغاربة الطيبون) ولم نخبرهم أن الأمر مجرد حصة تسلية، وأن للقيادة قواعد وطرقا وقوانين مختلفة.
الدولة في حديقة الألعاب، قررت أن تقف لتتفرج على لعب الأطفال بـ “les tamponneuses”، وتناست أن الأطفال، سواء منحتهم “طوموبيلات التساطيح” أو منحتهم “بندقية صيد”، فإنك في الحالتين معا، تتعامل مع أطفال… إن لم تراقبهم، قد يصطدموا بالسيارة المقابلة لهم، كما قد يضغطوا على زناد البندقية.
أقرب توصيف لحالتنا، أننا… نعيش في “Etat d’âme”، وأن مزاج الممسكين بدفات القيادة، هو المؤسسة الوحيدة التي تشتغل بكفاءة عالية…

طيب…

افترض منطق ذوي العقول، كي لا نقول العقلاء، منذ القدم… أن أبسط توافقات العيش المشترك في الذي نسميه دولة، تقوم على قواعد في غاية البساطة، عنوانها أن منطق وعقل الدولة، لا يمكن، ولا يجب بحال أن يتعارض مع… العقل والمنطق.

حين نختبر قاعدة بسيطة كهذه، عندنا، سنجد أن المواجهة الأولى التي نحن مدعوون لحسمها، ليست مفهوم ولا معنى العقل والمنطق، بل في الأساس، مفهوم الدولة.

دولة، تبدو، بل تقرر في أحيان كثيرة، أن تتناسى حتى ذلك السلوك الأنيق في ممارسة سطوتها وسلطتها، بالشكل اللائق بدولة، وتتحول في لحظة، إلى ما يشبه محدث نعمة امتلأت جيوبه بالمال، وظل قلبه فارغا من الرضى. محدث نعمة داهمته الثروة فجأة… فصار يجتهد، بكثير من الابتذال (vulgarité) في إظهار كل الأشياء التي يمتلكها، ونسي أن ينتبه لكل الأشياء التي يفتقدها.

…في بلدي، لم تتوفر للدولة قط من قبل، كل شروط تسيد المشهد التي تتحقق لها اليوم. شروط تسيد ذاتية، عنوانها بكل بساطة، عدد من الإنجازات الاقتصادية والديبلوماسية التي لم يكن مجرد التفكير فيها أمرا ممكنا خلال العهد السابق، وشروط موضوعية، عنوانها حالة الاستقطاب الحادة داخل الرأي العام المغربي، والانقسام غير المسبوق بين معسكرين، يخوِّن أحدهما الآخر، باسم حب الوطن هنا، وباسم معاداة الوطن هناك… إضافة إلى حالة الوفاة السريرية التي دخلتها أحزاب ومنظمات كثيرة، كانت تمنح الجسد السياسي بعضا من أوكسجين، ولم تفهم بعد أن إعلان الموت… لا يحتاج لشهادة وفاة رسمية بالضرورة.

هل تستفيد الدولة اليوم من وضعية تسيد المشهد هذه؟

كل الأجوبة المطروحة على الأرض، تفيد بعكس ذلك. كل نماذج تعبير الدولة عن نفسها، تحمل على الاعتقاد، أنه لم يتحقق لدى مختلف الممسكين بدفات القيادة، ذلك الوعي المؤسساتي المفترض، كي يتحول تسيد المشهد، من مجرد نقطة انطلاق، إلى محطة وصول عنوانها المؤسسات والمشاركة في القرار والسلطة.

في أحيان كثيرة، يبدو أن المشكل، لا يكمن في تعدد الممسكين بدفة القيادة، ولكن أساسا في الهدف من الرحلة… في أحيان كثيرة، يبدو وكأننا أمام دهشة وشغب أطفال سلمناهم “les tamponneuses” (أو طوموبيلات التساطيح، كما يقول المغاربة الطيبون) ولم نخبرهم أن الأمر مجرد حصة تسلية، وأن للقيادة قواعد وطرقا وقوانين مختلفة.

… وهي في عز تسيدها للمشهد، لازالت الدولة عندنا، متشبثة بأعراض رهاب غبي، وخوف غير مبرر من امتلاك إعلام عمومي (وليس إعلاما رسميا) قادر على، أولا ترجمة نجاحات الدولة نفسها، وثانيا، استيعاب وفتح قنوات تواصل مع معارضيها.

خوف مرضي غير مبرر، جعل دولة، عرفت إعلاما وصحافة محترمة حتى في عهد سنوات الرصاص والجمر، غير قادرة اليوم، على الرهان على إعلام عمومي، يُمكِّنها هي قبل غيرها، من التعبير عن نفسها، ومن مواجهة المعارك التي تعلن ضدها. دولة، غير قادرة اليوم، على امتلاك وسيلة إعلامية عمومية واحدة، تستطيع أن تكون مصدر خبر، ذو صدقية ومهنية، يعبر عنها.

دولة، تراهن في إعلامها العمومي، على استمرار عقلية ومنطق “دار البريهي”، و”التلفزة تتحرك” كي تظل في مكانها… وتراهن في بعض ما تبقى من إعلامها، على تغول صحافة “طوموبيلات التساطيح”، التي يرتكب أصحابها أسوأ حوادث السير ليلا، ويخرجون صباحا للتوعية بضرورة احترام قانون السير وأهمية السلامة الطرقية.

… في تعبير الدولة عن نفسها، بمنطق لعب الأطفال بـ “les tamponneuses”، لا يمكن أن لا ننتبه لحادث مأساوي، شهدته الطريق الرئيسية الرابطة بين الدولة… ونفسها.

على امتداد سنوات طويلة، روجت الدولة عندنا، لنجاحاتها الاقتصادية، بل والديبلوماسية أيضا، من خلال نموذج المكتب الشريف للفوسفاط، وإدارته، وعمله داخل القارة الإفريقية، وعدد من الدول التي كانت معادية للطرح المغربي في قضيته الوطنية، ولنجاحه أيضا في مهامه الاقتصادية /المجتمعية وطنيا، سواء من حيث عمليات التنمية المحلية المستدامة، أو من خلال تنويع أنشطته وخدماته…

من الذي روج لهذه المعطيات؟ الدولة

من الذي سيقوم بهدم كل هذه المعطيات؟ الدولة أيضا. أو قل… أحد تعبيرات الدولة، من خلال ذراع إعلامي، قرر أن يحول لعب “طوموبيلات التساطيح”، إلى “لعب خايب” نال من مصداقية الدولة نفسها، ومن كل خطابات الحكامة والنزاهة والمسؤولية والمحاسبة التي روجت لها منذ سنين.

حالة تسيد المشهد، وضمور الفعل الحزبي والمدني عموما، يفترض أنه منح فرصة غير مسبوقة للدولة، كي، على الأقل، تحقق ذلك الحد الأدنى من جعل مشروعها، الذي تروج له، أمرا متحققا على مستوى المؤسسات والممارسات، وكي، على الأقل، تمنح نوعا من الشعور بأن هناك رؤية متفق عليها بين مختلف الممسكين بدفات القيادة، وأن دولة المؤسسات، ستكون هي البديل الحقيقي عن دولة الصدامات المزمنة مع المعارضين أو مع الشعب، لكن…

الذي يحدث، أن هذه الدولة نفسها، قررت أن تعلن حروبا هامشية على نفسها، وقررت أن تجعل الصمت عقيدة لها، وأن تواصل خوفها المرضي من امتلاك إعلام قوي يليق، ولو بشعاراتها، لتترك التعبير عنها، لبعض صحافة “فرنسية”، أثبتت كل التجارب عدم جدواها في خدمة مصالح الدولة المغربية ومواقفها…

دولة، قررت في المقابل، أن تقف لتتفرج على لعب الأطفال بـ  “les tamponneuses”، وتناست أن الأطفال، سواء منحتهم “طوموبيلات التساطيح” أو منحتهم “بندقية صيد”، فإنك في الحالتين معا، تتعامل مع أطفال… إن لم تراقبهم، قد يصطدموا بالسيارة المقابلة لهم، كما قد يضغطوا على زناد البندقية.

دولة، في عز تسيدها المشهد، يخرج وزير العدل وحامل الأختام فيها ليقول إنه يعرف مرتشين… دون أن يقدم شكاية ضدهم.

دولة، تنفجر فيها فضيحة بيع شواهد جامعية، ولازال كل المسؤولين في أماكنهم، وكأن الاستقالة للمسؤولية المعنوية، لا تنتمي لقواميس اللغة المغربية. الأفظع… أنك تجد من بين من يزايدون على قضية بيع الشهادات هذه، منتمون لأحزاب مغربية، نهبت المال العام باسم دراسات وهمية، تكلف “غوغل” بمحتواها، وتكلف المغاربة بكلفتها. (زعما بيني وبينكم… كلشي يمكن يهضر على قضية بيع الشواهد، إلا الأحزاب اللي باعت دراسات منقولة من غوغل بالمال العام).

… في أحيان كثيرة، تستوقفني كلمة الدولة بمعناها “État”

وفي أحيان كثيرة، أجد أن أقرب توصيف لحالتنا، أننا… نعيش في “Etat d’âme”، وأن مزاج الممسكين بدفات القيادة، هو المؤسسة الوحيدة التي تشتغل بكفاءة عالية…

في أحيان كثيرة… ننسى أن نجاح الفاشلين والفاسدين وأن نجاح الفساد نفسه، يعود لحقيقة بسيطة، هي أنه تحول إلى نموذج… إلى قدوة، وأن أية دولة، مهما كانت، ومهما كان هدفها من الدولة ومن جوهر الحكم وشكله، لا يمكنها أن تنجح إلا إذا كانت هي نفسها نموذجا، قدوة. قدوة غير سيئة.

طبعا… هناك في شرفة علوية من المنطق والحكمة، سكان كوكب جميل ثائر، يعتقدون، بل يؤمنون، أن كل هذه الحوادث والقضايا، ماهي في النهاية، إلا حكايات ثانوية تفتعلها الدولة، كي تلهي الشعب عن “قضاياه المصيرية الكبرى”، وكي تجعلنا جميعا، نحن التافهون محدودو النظر، منشغلين بسفاسف الأمور عوض جوهرها…

سكان هذا الكوكب الجميل الثائر، يعتقدون أن الدولة أصلا، محتاجة لشغلنا بشيء كي تنفذ أجندتها. أنها أصلا تخاف من ردة فعل ما…

يعتقدون أن الدولة، إن لم تسلمنا شهادة الوفاة، فهذا يعني أننا مازلنا أحياء

لسكان هذا الكوكب الجميل الثائر… نقول:

في حديقة ألعاب الأطفال، هناك من يتسلى بـ “les tamponneuses” وهناك من يختار لعبة “بيت الزجاج”… وهؤلاء في الغالب، ينهون اللعبة، بالكثير من الكدمات في الرأس.

وهذا… بعض من كلام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *