سناء العاجي الحنفي: القول المأثور في الصائم المقهور… - Marayana - مرايانا
×
×

سناء العاجي الحنفي: القول المأثور في الصائم المقهور…

الحقيقة أن الذين يصومون عن إيمان حقيقي، عادة لا يهتمون لسلوك غيرهم ولصيامهم أو عدم صيامهم.

“وكأن الشخص الذي لا يتوفر على تصريح للأكل في نهار رمضان، يريد من ذلك الذي يتوفر له تصريح وإذن ديني لعدم الصوم (مرض، سفر…)، أن يظل تحت رقابته وأن يحصل منه، هو، على التصريح”. هكذا علق أحد الأصدقاء على رفض إحدى السيدات لأكل البعض في رمضان في الفضاء العام، حتى لو توفر لهم عذر شرعي.

وكأن هذه السيدة وأمثالها يتحدون الله نفسه الذي وفر، في الدين الإسلامي، حقا للمريض والمسافر في أن لا يصوموا في رمضان.

–       “الله سَمَحَ لك، لكني لا أسمح لك…”.

–       “حين تنفذ ترخيص الله بحضوري، فأنت تزعجني ولا تحترمني وتزعزع عقيدتي”.

بمعنى أنه، حتى لو منحك الله نفسه ترخيصا، فإنك تظل تحت سطوة ورقابة الأفراد الذين ينصبون أنفسهم جنودا لله… في تطبيق ما لم يأمر به. يصبح رأيهم أهم مما قاله الله نفسه!

منذ سنوات طويلة وأنا أحاول أن أفهم الإزعاج الذي يمثله شخص يأكل في حضورنا ونحن صيام.

ألَا يصومُ ملايين المسلمين في دول أوروبا وأمريكا والناس حولهم يمارسون تفاصيل حياتهم اليومية، بشكل عادي؟

بل حتى في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ألا يصوم آلاف الناس خارج رمضان، بينما الأهل والزملاء يتناولون وجباتهم؟ بل إن معظم الأمهات قد يكنّ صائمات خارج رمضان، وهن من تحضرن الوجبات لأسرهن!

لكن، في رمضان، يستحيل نفس السلوك إلى إزعاج.

مما يعطي كل المعنى لما قاله صديقي وما أوردته في في بداية هذا المقال.

حين يكون الشخص قادرا على الصيام خارج رمضان بينما غيره لا يصومون، ولا يشعر بأي نوع من الإزعاج بينما غيره يتناولون وجباتهم، بل ويرد بكل فخر على كل دعوة للأكل أو الشرب: “أنا صائم إن شاء الله”؛ ثم يعتبر نفس الشخص أن نفس السلوك، إذا حدث خلال رمضان، فهو يعني عدم احترام له، فهنا، يحق لنا أن نطرح الأسئلة التالية:

1\ هل الأمر يتعلق فعليا بصعوبة الصيام أمام شخص لا يصوم، أم برفض تام لخروج شخص من ممارسة جماعية؟

هذا السؤال مشروع جدا ما دام للآلاف القدرة على الصوم خارج رمضان، بينما الأغلبية غير صائمة.

هو إذن رفض ضمني لأن يختلف شخص آخر في سلوك نعتبر أنه يفترض أن يكون جماعيا، مشتركا!

2\ هل يتعلق الأمر بالدين (كيف ذلك ولا شيء في القرآن أو السنة ينص على عقاب غير الصائمين أو منعهم من الأكل في الفضاء المشترك؟) أم بسطوة الجماعة التي ترفض أن يصرح شخص ما، بشكل علني، أنه مختلف وأنه يتحمل علانية مسؤولية هذا الاختلاف؟

3\ هل المطلوب، في النهاية، أن يكون الفرد منافقا؟ أن يختار عدم الصوم أو أن يستفيد من ترخيص ديني لعدم الصوم، لكن أن يتخفى لكي لا تنزعج الجموع؟

4\ أم لعلنا نحتاج للتحليل النفسي لكي نسأل إن كان كل هذا الغضب، يترجم حسدا لا شعوريا: الشخص الغاضب لا يستطيع أن يتحدى الممارسة الجمعية للصوم. هو راغب، لا شعوريا، في ذلك؛ مُنْهَك من الصوم، لكنه لا يملك نفس الجرأة… وهو غاضب ليس لأنك لا تحترم صيامه، لكنه غاضب لأنه، دون أن يدري، يود لو استطاع أن يمارس نفس تحديك.

هذه القراءة النفسية واردة جدا لأن هذا الغضب المبالغ فيه، لا يجد له أي تبرير ديني… ولأنه مرتبط بفترة زمنية محددة (فأنت قد تأكل في حضوره حين يصوم في شوال أو ذي القعدة دون أن ينزعج)، ومرتبط ببقعة جغرافية معينة (فالصائم في اليابان أو لندن لا ينزعج بقدر الصائم في الدار البيضاء أو القاهرة).

أما الذين يصومون عن إيمان حقيقي، فالحقيقة أنهم عادة لا يهتمون لسلوك غيرهم ولصيامهم أو عدم صيامهم.

كما أني لم أسمع يوما شخصا يقول إن المصلين ينزعجون ممن لا يصلون ويعتبرون في ممارستهم لتفاصيل حياتهم في مواعيد الصلاة إزعاجا لهم وعدم احترام.

هذا القهر الجماعي الذي يفرض عليك الصيام أو التظاهر بممارسة دينية فردية، لكي يحولها لهستيريا جماعية يجب أن يشترك فيها الجميع، يترجم، للأسف، أمرا واحدا: نحن مجتمعات لا تؤمن بالأخلاق (بمفهومها الفلسفي) ولا بالتدين، بقدر ما تهتم بمظاهر التدين. هي لا تريدك إنسانا قادرا على اتخاذ قراراتك، بما فيها عدم التدين أو الكفر أو الاستفادة من ترخيص ديني، على أساس أن تنال جزاءك الخاص عن هذا الاختيار دينيا أو في عالم آخر. هي تريدك مطبعا مع سلوكياتها في الصيام والاستهلاك المفرط و”الترمضينة”، حتى لو كان ذلك محض ادعاء.

من قال إننا نهتم حقا لتدينك؟ نحن ننزعج فقط حين تصرح علانية أنك شخص مختلف وإنك حر في اتخاد قراراتك وتحمل مسؤولية اختياراتك.

قد يكون الأمر، في النهاية، مجرد أعراض لما يمكن أن نسميه “عقدة السلطة”. نفس السلطة التي يتأفف البعض منها حين تمارس عليه بصلف وغطرسة وتجعله ضعيفا أمامها، يسارع إلى ممارستها بنفس الصلف ونفس الغطرسة على من يعتبره أضعف منه. والضعيف هنا، هو ذلك الشخص الذي، باسم رخصة شرعية أو قناعة شخصية، يقرر عدم الصيام في رمضان. بينما “صاحب السلطة”، في المقابل، هو تلك الجموع التي تحول نفسها إلى سلطة خلال رمضان. ثم ، مباشرة بعد عيد الفطر، تعود لتنتقد السلطة وتطالب بالحريات والديمقراطية والعدل!

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *