سناء العاجي الحنفي: أجساد النساء – شهادة ملكية باسم الآخرين
يوما ما… سنركز على إنجازات النساء وليس على أجسادهن. ويوما ما، سنعي أن للنساء حرية التصرف في جسدهن بإكراهاته وجمالياته، خارج ملاحظات وانتقادات ووصاية المجتمع الذكوري، بنسائه ورجاله
“وكأن هذه الأجساد ليست لنا. وكأننا نحملها لكي يقرر الآخرون عنا في شكلها وحجمها واستعمالنا لها”.
هكذا قالت صديقتي ونحن نتحدث عن مستجدات الألعاب الأولمبية في باريس والنقاشات حول مختلف أجساد النساء، بين الحمل والوزن والشكل الخارجي.
سنتحدث هنا عن ثلاث حالات تابعناها خلال أولمبياد باريس؛ لكنها ليست حصرية…
ثلاث حالات تترجم حجم الانشغال بأجساد النساء لدرجة الاستحواذ عليها من طرف الأغيار الذين يصبح لهم الحق في التعليق والتشكيك والتهكم والتنمر ونشر الأكاذيب… بدون أدنى حرج!
لنبدأ بحكاية المصرية ندى حافظ التي شاركت في مسابقة المبارزة بالسيوف. ندى حافظ أعلنت حملها بعد انتهاء آخر مباراة، لكن هذا الإعلان كان للعموم على منصات التواصل. اللجنة الأولمبية كانت على علم بذلك (كيف يمكن تصور العكس؟) كما أن ندى حافظ توجد ضمن أزيد من عشرين رياضية حامل في نفس الدورة. في دورات سابقة، كانت هناك حالات أخرى لرياضيات حوامل شاركن في مسابقات الألعاب الأولمبية (الهولندية آنكي فان غرونسفن حصلت على الميدالية الذهبية في الفروسية وهي حامل في شهرها الخامس في أثينا 2004؛ كما حصلت الألمانية كورنيليا بفوهل على الميدالية البرونزية عام 2000 وهي في بداية حملها وشاركت لاحقا في أثينا 2004 وهي حامل في الشهر السابع، وهناك نماذج أخرى لا يسع المجال لذكرها جميعا). وبالتالي، فرياضيا وطبيا، ليس هناك ما يمنع ندى حافظ من المشاركة. لكنا للأسف قرأنا عشرات التعاليق عن كونها مستهترة بالحمل وبالأمومة وأنها تعرض حياة جنينها للخطر!!! وكأن المعلقين مسؤولون عن جسدها وحملها واختياراتها. علما أنه، في معظم مجتمعاتنا، تستمر النساء الحوامل في تحمل الأعباء المهنية والعائلية التي قلّما ننتبه لها. السيدة الحامل تستطيع أن تنظف وتمسح الأرضيات وتطبخ في أسابيع حملها الأخيرة. في الأوساط الفقيرة حيث لا تتوفر آلات تنظيف الملابس، تقوم النساء بتنظيفها بأنفسهن باستعمال “الفرّاكة”؛ ومن يقومون بهذه المهمة يعرفون كمْ هي مرهقة. في العالم القروي، تخرج النساء لجلب المياه ولجمع الحطب ولعدد من المهام الأخرى في الحقول وهن حوامل. أيضا، من منا لم يسمع يوما في محيطه القريب امرأة تفتخر بكونها، في أسابيع حملها الأخيرة، كانت تقوم بمجهودات خرافية؟ نساء أخريات تفتخرن بكونهن، مباشرة بعد الوضع، نظفن وطبخن وكَنَسْن[1]، في تبخيس لألم وتعب وإرهاق عدد من النساء خلال الحمل وبعد الولادة؛ وكأن هؤلاء مجرد مدللات! فمتى ندرك أن لكل امرأة فترة حمل لا تشبه النساء الأخريات، وقد لا تشبه حملا آخر لنفس السيدة؟
ومع كل هذه المجهودات التي تقوم بها النساء في مختلف الأوساط الاجتماعية خلال الحمل، سنعتبر أن مشاركة ندى حافظ تعرض حملها للخطر وسنمارس عليها الوصاية، علما أنها طبيبة وأنها بالتأكيد أدرى من كل خبراء الفايسبوك الذين تهجموا عليها.
ربما لأننا مجتمع يعتبر أن تعب امرأة خلال الحمل في التنظيف والكنس أمر مقبول… لكن أن تتأهل للألعاب الأولمبية وتشارك في مسابقات بمستوى عالمي، فهذا يخرج القنافذ الذكورية من حجورها!
مصرية أخرى اسمها يمنى عياد، فاجأتها أعراض الدورة الشهرية وغيّرت وزنها قليلا، وهذا يحدث للكثير من النساء بسبب التغيرات الهرمونية خلال فترة الدورة، فيرتفع الوزن مرحليا إلى غاية كيلوغرامين. لا يتعلق الأمر بزيادة فعلية في الوزن، لكنها زيادة مؤقتة بسبب احتباس السوائل في الجسد! الجهل الكبير بأجساد النساء وبتفاصيل التغيرات الهرمونية خلال فترات الحمل والولادة وخلال فترات الدورة أو عند انقطاعها نهائيا، جعل الكثيرين يسخرون، عن جهل، من هذه الواقعة. اللجنة الأولمبية الرسمية في مصر عممت بلاغا مخجلا تتحدث فيه عن “تغيرات فيزيولوجية تعرفها النساء والفتيات ويعرفها الأطباء ولن نفصل فيها احتراما للأعراف”، وكأن الدورة الشهرية عار يجب ستره بينما هي وضع بيولوجي يفترض أن يكون عاديا وأن تعمم المعلومات حوله لكي يفهم الجميع تفاصيلها، حتى من هم غير معنيين بها!
وحين نتحدث عن التربية الجنسية، فنحن نتحدث أيضا عن تفاصيل كهذه يفترض أن نخرج فيها من الجهل والمسكوت عنه.
فهل يعلم خبراء الفايسبوك الذين اتهموها أنها أكلت “فرخة مشوية” وهل تعلم اللجنة الأولمبية المصرية أن الدورة الشهرية هي أحد أهم عوامل وجودنا اليوم على هذا الكوكب؛ وأنها ليست أمرا مخجلا وأنها قد تسبب فعليا بعض التغيرات في الوزن، وإن بشكل مؤقت؟
بل أني قرأت لمثقفين ومتعلمين يقولون إنه كان عليها أن تأخذ عقاقير لتأخير الدورة. علما أن أخذ أقراص منع الحمل لتأخير الدورة، وهي ممارسة تقوم بها، للأسف، بعض النساء في رمضان أو أثناء العمرة، تعد ممارسة خطيرة قد تسبب سرطان الرحم. استعمال حبوب منع الحمل لتنظيم الدورة الشهرية يمكن أن يتم لأسباب طبية يحددها الطبيب المختص حين يكون هناك خلل في الهرمونات لدى عدد من النساء أو لأسباب طبية أخرى، وليس لكي نؤدي شعائر دينية في فترة ما أو لكي نمارس الرياضة أو نحضر الأعراس!
ثم هناك الجزائرية إيمان خليف، التي يصر خبراء الفايسبوك أنها عابر جنسي وأنها رجل ينافس النساء، وأن هناك تحاليل علمية تثبت أنها تحمل كروموزوم XY، علما أن لا أحد اطلع على هذه التحاليل… ثم، هل نتوقع من بطلة تمارس رياضة الملاكمة أن يكون لها جسد عارضة أزياء مثلا؟ معظم الملاكِمات عبر العالم، بفعل خصوصية هذه الرياضة، تكون لهن أجساد تختلف عن التصور العام لجسد الأنثى.
البطلة المغربية خديجة المرضي، تتعرض لنوع أخر من التنمر لأنها اختارت، وهي بطلة، أن تعيش الزواج والحمل والأمومة، لنجد حتى بعض الصحافيين الرياضيين يسخرون من اختيارها هذا؛ على أساس أنه كان عليها الاختيار بين البطولة وبين الأمومة!
السؤال الآن: لماذا يتدخل الجميع في أجساد النساء وحملهن أو عدمه؛ في إنجابهن أو عدمه؛ في دورتهن الشهرية وفي شكل أجسادهن؟
لا يسلم من هذا الانتقاد المستمر للأجساد إلا القليلات. ممثلات، رياضيات، عارضات أزياء، سياسيات… سيركز الكثيرون على تفاصيل أجسادهن بشكل مرضي.
متى سنعي أن أجساد النساء لا تتشابه، في شكلها وهرموناتها وتأثير هذه الهرمونات على باقي تفاصيل الجسد؟ مرحلة انقطاع الدورة عند عدد من النساء تسبب تغيرات كبيرة في الوزن والشكل. تفصيل بسيط مثل مُتلازِمة المِبيَض مُتعدِّد التكيُّسات يمكن أن تؤثر كثيرا في شكل النساء وقدرتهن على الحمل وفي وزنهن، وهي غير معروفة بشكل كاف وتعاني منها العديد من الفتيات والنساء. بعض الأمراض الباطنية قد تسبب خسارة كبيرة في الوزن أو ضمورا في الصدر. وهناك تفاصيل صحية وهرمونية أخرى تجعل أشكال النساء مختلفة جدا عن بعضها البعض وليس لديها مقياس وحيد نحدد عبره الأنوثة والجمال.
لذلك، فحين تنتقد امرأة بسبب وزنها الزائد أو الناقص، تساءل ربما إن كانت تعاني من أعراض معينة. وتساءل قبل ذلك إن كان لك الحق في التعليق على جسدها وشكلها، سواء كانت شخصية مشهورة أو سيدة تعرفها في محيطك القريب.
نحيفة جدا. سمينة جدا. لديها تجاعيد. شكلها رجالي. لا تزيل الشعر الزائد. تعتني بأنوثتها أكثر من اللازم. تركز على الحمل أكثر من البطولات. سمراء. شعرها مجعد. شعرها خفيف جدا. تشارك في البطولات وهي حامل. عابرة جنسيا. خشنة. تضع الكثير من الماكياج…
يوما ما… سنركز على إنجازات النساء وليس على أجسادهن. ويوما ما، سنعي أن للنساء حرية التصرف في جسدهن بإكراهاته وجمالياته، خارج ملاحظات وانتقادات ووصاية المجتمع الذكوري، بنسائه ورجاله!
[1] – من قبيل: “كنت كنصبّن وبْداني الوجع. نضت ولدت وقطّعت السرة بيدي، ومن بعد صايبت العشا”
جيد جدا