سناء العاجي الحنفي: نقاطع القبح… لا نقاطع الفرح!
هل يتناقض تضامننا الإنساني مع ضحايا حرب الإبادة التي يقترفها المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، مع رغبتنا في أن نحب ونفرح؟
هل يتناقض سخطنا من غلاء الأسعار ورداءة التعليم مع فرحتنا بنجاح أطفالنا في المدارس أو بزواج صديقنا المقرب أو بفرحتنا بعرض فني لفنانينا المفضلين؟
نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.
هكذا قالها محمود درويش… وهكذا نعيشها في تفاصيلنا اليومية.
نعيشها… في من يغنون. ومن يرقصون. ومن يحتفلون بعيد الأضحى. ومن يتابعون مباريات كرة القدم. ومن يحتفلون بأعياد ميلادهم. ومن يقتسمون وجبةً رفقة الأصدقاء يتوسطهم علم فلسطين أو علم بلادهم.
نعيشها… في من يتناولون كسكس الجمعة مع أمهاتهم ومن يخرجون مع أطفالهم للعب أيام الأحاد.
نعيشها في من يستعدون لعطلهم الصيفية ومن يرقصون على أنغام كناوة في الصويرة وأودادن في أكادير ولطيفة رأفت في سلا… أو ناس الغيوان وعبد الوهاب الدكالي وشاكيرا في سياراتهم وهواتفهم.
نعيشها… في من يصرحون بالحب لأول مرة، ومن يتزوجون هذا الصيف. في من يفرحون بولادة طفلة جديدة ومن ينظمون حفل ختان لطفل آخر. في من يحتفلون بفاتح محرم والذين ينتظرون فتح محلات بيع المواد الكحولية ليحبوا الحياة أكثر!
نعيشها… في من يمارسون الرياضة كل صباح ومن يستمعون جنسيا مع شركائهم. في من عادوا من الحج ومن يخططون للعمرة ومن سيحجون لإيبيزا والكوسطا ديل صول.
نعيشها في هذا المغرب المتنوع بزخرفاته وأشكال الفرح فيه…
في هذا المغرب الذي يعرف معظم أهله أن أشد نوبات الضحك… تلك التي تنتاب بعضَنا في العزاء. والتي غالبا ما تصير معدية!
نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا.
وضمننا من يريدها سوداء، عنوانها الحِداد والنقمة… حتى نكون، عندهم، في مستوى يليق بـ “الجرح” ويليق بـ “الألم”.
يستكثرون علينا حقنا في الفرح، ويلتقطون، بشبه شماتة، خبر حِداد محتمل، لكي يفسدوا ما تبقى من ابتسامات يتصورونها سلاحا موجها، بقصد وتعمد، ضد رغبتهم المزمنة والمتأصلة في أن يكون للمغاربة عنوان أوحد، هو النقمة والسخط.
فهل ننسى أو نجهل أن المغربي الذي اشترى خروف عيد الأضحى وأكل بولفاف بسعادة، هو نفس المغربي الذي ينشر باستمرار وبصدق، شعارات وفيديوهات وصورا توثق لجرائم المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني؟
وأن المغربية التي سافرت لقضاء عطلتها في مدن ساحلية هي نفسها التي تدافع عن حقوق النساء وعن العدالة الاجتماعية وعن قيم الحداثة والحرية؟
وأن المغربي الذي رقص في عرس جاره وبتتويج فريقه المفضل في كرة القدم، هو نفسه الذي عانى أطفاله من إضرابات قطاع التعليم؟
وأن المغربية التي بحثت عن تذاكر فنانيها المفضلين في الرباط، تخرج بشكل منتظم في المسيرات التضامنية مع الفلسطينيين وتقاطع كل المنتوجات التي تدعم الاقتصاد الإسرائيلي؟
فهل يتناقض تضامننا الإنساني مع ضحايا حرب الإبادة التي يقترفها المحتل الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، مع رغبتنا في أن نحب ونفرح؟
هل يتناقض سخطنا من غلاء الأسعار ورداءة التعليم مع فرحتنا بنجاح أطفالنا في المدارس أو بزواج صديقنا المقرب أو بفرحتنا بعرض فني (متاح مجانا في معظم الحالات) لفنانينا المفضلين، سواء كانوا محليين أو نجوما عالميين؟
هل، حين يخرج أب فقير لنزهة لطيفة مع أطفاله في حديقة أو مسبح بلدي، يكون قد خان مبادئه وقضيته أو نسي غلاء الأسعار؟
هل، حين تناول المغاربة بولفاف، كانوا قد نسوا غزة وأهلها والأكثر من مائة صحافي الذين قتلتهم إسرائيل في نقض لكل المعاهدات الدولية؟
هل، حين يتابع ملايين المغاربة والمغربيات مباريات كرة القدم سواء في مسابقاتها الوطنية أو الدولية، يمارسون فعل الخيانة ضد قيمهم وضد إنسانيتهم؟
لا…
بكل بساطة، نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا…
فلا تحاسبونا، رجاء، على رغبتنا في الفرح… رغم علاء الأسعار ورغم رداءة التعليم والصحة. ورغم الهمجية الإسرائيلية. ورغم سوء التواصل الحكومي. ورغم الجفاف.
لا تحاسبونا حين نرقص مع فنان نحبه وحين نفرح بتتويج فريق الرجاء بالبطولة الوطنية وكأس العرش. لا تحاسبونا حين نشارك في مهرجانات مدننا. حين نحب كناوة وتيميتار والجاز وموازين والفولكلور وأحيدوس… وحين نستمتع بالسينما والمسرح وصلاة العيد وفرحة العيد.
نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا… لأن الفن جميل والحب جميل والفرح جميل… رغم أنف القبح!