إكرام عبدي: أحب نيتشه ولو كرهني
هي نظرة انتقاص اتجاه المرأة أزعجتني صراحة؛ لم يصرح بها نيتشه فقط بل أهم فلاسفة الأنوار من قبيل كانط وشوبنهاور وقبلهم في العهد اليوناني أرسطو وسقراط وأفلاطون، الفلاسفة الذين ما زلنا نقرأ لهم إلى الآن
لا أنكر أنني شغفت بنيتشه وتعاليم زرادشت وحكمته؛ ولا زلت كذلك إلى اليوم. انبهرت بفكرة ترسيخ إرادة القوة في أحلك وأسوء فترات ضعفي ويأسي، وارتقيت وأعاليه حيث تنبثق الجذور، وتماهيت ومطرقته البارعة في نسف الأوهام وتفنيدها صنمَ العقل وصنم الحقائق الثابتة المزيفة؛ رغم ما قاله عن المرأة في سياقات مختلفة، وفي كتابه «هكذا تكلم زرادشت»: “يجب أن يهيأ الرجال للحرب، وأن تهيأ النساء للترفيه عن المحارب”.
هي نظرة انتقاص اتجاه المرأة أزعجتني صراحة؛ لم يصرح بها نيتشه فقط بل أهم فلاسفة الأنوار من قبيل كانط وشوبنهاور وقبلهم في العهد اليوناني أرسطو وسقراط وأفلاطون، الفلاسفة الذين ما زلنا نقرأ لهم إلى الآن. أوقعت الفلسفة ذاتها في تناقض تام مع ماهيتها فكراً للتحرر من الأوهام ومساءلة الأوضاع القائمة والمعارف الحالية، ووضعت الفلاسفة أيضا في ارتباك صارخ، بين دعوتهم لتحرير العقل والتفكّر الدائم والخروج عن الانصياع للأوهام، وفلسفتهم غير المتحررة من سلطة زمانها فيما يخص المرأة، كالمقولة الكانطية “عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل”.
لكنني قرأت لنيتشه وأنا متحررة من قبضة الفكر الدوغمائي؛ ومتجنبة المكرورات والقبليات المترسخةِ، متناسية جنسي كامرأة، ومتوقعة أن هذا الفيلسوف يخاطبني كانسان يفكر في ماهية نفسه والعالم، بل يخاطب العقول الحرة.
أتصور أن من يحمل هذا العشق الملتهب للمرأة، من الصعب أن يكره، ولو رفضته ربما ليس لشخصه بالذات بل لتركيبتها الحرة المتمردة، فنيتشه عشق لو أندرياس سالومي، الفيلسوفة والمحلّلة النفسانية والروائية الألمانية من أصول روسية. هام حبا في تلك التي عرفت تاريخيا بـ”المرأة البركانية”، الملهمة الصاعقة لمحبيها “ريلكه” و”فرويد”، أكثر من دورها التنويري الفلسفي. أكيد أنه كان يحتقر المرأة الفارغة التافهة المخملية غير الذكية، وينجذب للمرأة المثقفة الجميلة اللماحة الحكيمة المحبة للصمت الحرة دون صخب جندري، وفلسفته عن المرأة مفعمة بالطّرح الإيجابيّ كما تحوي الطّرح السّلبيّ، واللّذان وصفهما خيرًا وشرًّا في الآن نفسه، وإن كنت أستبعد طرح “جاك دريدا”، القائل بأن نيتشه، في مجمل كلامه عن المرأة، لم يكن يقصد المرأة التي نعرفها كرفيق للرجل، إنما يقصد “الحياة”، ولكنه ألبسها قناعَ “المرأة” للتمويه واللعب الأدبي.
كما أن نيتشه وسقراط و شوبنهاور وكانط لم يقللوا من شأن المرأة – علماء سبقوهم كانوا يظنون أن الأرض مسطحة-. هم فقط أعادوا إنتاج الأحكام المسبقة لعصرهم عن النساء بشكل سلبي، لكونهم عاشوا في مجتمعات تبني هذه الأفكار وتعززها، لينسجوا من خلال كتاباتهم نسخة مصغرة من الصورة الأصلية التي صدّرها المجتمع عن المرأة، بشكل دفع هيدويغ دوم HedwigDohm، الفيلسوفة التي كانت تكتب في نفس فترة سالومي، إلى التساؤل حول نيتشه: “ما الذي يحدث عندما يتحول الفلاسفة الأذكياء إلى الحديث عن النساء؟ هل يفقدون ببساطة روحهم النقدية وينغمسون في الصخب التقليدي المفرط حول دونية عقول النساء؟”. وهي من بين فيلسوفات عدة يشار لهن بالبنان في الفلسفة الغربية المعاصرة، كـ”روز لكسبورغ” من المدرسة الماركسية و”سيمون دي بوفوار” من المدرسة الوجودية و”حنة أرندت”، الفيلسوفة السياسية وغيرهن كثيرات.
أكبر رد على هذا الانتقاص والطمس التاريخيين للمرأة كذات مفكرة فيلسوفة “لا ترفه عن المحارب” بل تستطيع التفكير بصرامة وبمنهجيةٍ رصينة، هو التعريف بالنساء الفيلسوفات العربيات والغربيات في المحافل العلمية والثقافية، والترويج لأفكارهن وإنصافهن، وفتح المجال للمرأة للقيام بدورها التنويري دون وصاية أو استخفاف. من الطبيعي ألا توجد تاريخيا نساء فيلسوفات بشكل يضاهي الرجل، لأن دور المرأة كان مقصورًا على بناء الأسرة وحراسة قيمه الذكورية. لذا، من الضروري فتح المجال لاختراق المرأة المجال الفلسفي الذي يعاني من فقر مدقع في النظريات خاصة التي تتعلق بالمسائل النسوية، التي من الأفضل أن تعبر وتدافع عنها.
مواضيع قد تهمك:
- ماري كوري… هذه حكاية أول امرأة تحصل على جائزة نوبل
- مي زيادة… تلك المرأةُ التي تُشبه رواية
- Marayana TV: سناء العاجي: الإبداع حرية أولا… ولا وجود لشيء اسمه الفن النظيف
- هدى شعراوي… هذه حكاية “رائدة” حركة تحرير النساء في مصر
- زينب الغزالي: من مدافعة عن حقوق المرأة إلى… جارية 1\3