مصطفى مفتاح يكتب: صمود غزة: يبقى الاختراق الممكن هو بعض العرب

…ويستمر الغرب يفهم ويتكلم اللغة الوحيدة التي يعرفها: كذب، انتقاء، تزيين وإعادة صياغة الضبع، عله يصبح أسدا أو غزالا، تزييف الوقائع بسرعة البرق: بعد أن ابتدأ “الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي” من قيامة 7 أكتوبر 2023، مع طوفان الأقصى، ابتدأ مجددا مع رد إيران على قصف قنصليتها في دمشق… في انتظار بداية أخرى لعل الكلام ينسي الوقائع.

وبنفس الشكل الذي تداعى به رؤساء ومسؤولو الغرب منذ 7 أكنوبر إلى حِمَى إسرائيل، أخد النفير هذه المرة شكلَ النيابة عليها في اعتراض صواريخ ومسيرات إيران، بتحريك البوارج والقواعد المحيطة بفلسطين والأقمار الاصطناعية، وكبار الضباط الخبراء في تسيير اجتماعات هيئة الأركان.

لا يحتاج مراقب بسيط لما يجري في حق الفلسطينيين لكثير من الذكاء والملاحظة والبسيط من المتابعة، لكي يتحقق من انخراط الدول العربية النفطية والأردن في الحرب، بأشكال متعددة، بدءا بتنظيم وضمان وصول “المساعدات” لإسرائيل، والمعطيات التي تصل بالدقيقة والثانية عن كل ما يدور تحت سمع ونظر ومتابعة القواعد الغربية التي تؤدي إيجارها هذه البلدان.

لن أتحدث عن الصمود في منع إيصال المساعدات إلا بقصفها على غزة، بما يسمح للقناصة بالترويح على النفس و “تحييد” المزيد من الأطفال الإرهابيين لأنهم فلسطينيون.

تراهم أهلنا هناك انتبهوا للعشر الأواخر، أو لتوالي شهور وأسابيع وأيام وليالي وساعات ودقائق وثواني القصف والحصار وتفجير العمارات وقتل المستشفيات والمسعفين والصحفيين، قبل وبعد وبين الأطفال؟.

تراهم تساءلوا مثلما نتساءل وتحتار عواطفنا الجياشة. هل كلمة “أشلاء” شاعرية أم لا؟ ومن أي صنف من الشعر تقتحم العروض وليس لها مفرد؟.

تراهم يموتون جوعا أو بالقنابل أو بالمساعدات أو في الأسر والتعذيب الوحشي أو بهذا الإفلات الهائل من العقاب والحساب عن الإبادة وواجب الافراج عن الرهائن فقط؟.

أم ترانا نحن تموت إنسانيتنا عِرْقاً عِرْقاً والمسام، ونستغفر بالتراويح والأسى ومتابعة المسلسلات ومشاكل الجهاز الهضمي والعقلي والمستعجلات، ثم نشتري من التمر الإسرائيلي أجوده، وينتصر علينا عناد الأطفال يريدون الوجبات السريعة الأمريكية، ويؤسفنا كثيرا تطاول العامة على السفارات الإسرائيلية في عواصم ميزان القوى؟.

تقرر دول مجاورة محاولة حماية الجيش الأغر من مسيرات وصواريخ إيران. في هذه العملية الشجاعة يقتل ثلاثة نفر، فيجتمع العلماء للحسم فيما إذا كان حماة العدو شهداء أو شُبِّهَ لهم. وحتى لا يعتدي عليهم بعض الإرهابيين المتزمتين في الآخرة، تم الاحتفاظ بأسمائهم سرًّا.

ويأتي التوضيح سريعا من إسرائيل، أنها تعتبر كل المجالات الجوية التي وضعتها الجغرافية في الطرق الطيارة التي تربط فلسطين بإيران، مجالات مفتوحة للطائرات والصواريخ المقررة، وأنها سترد بقوة على أية محاولة للتشويش، ولو بالنظر لأنها تخاف من العين، في إشارة واضحة للمجالات الجوية للدول الشقيقة للغرب وفظاعاته. يبتلع المسؤول “العربي” الكبير كلامه، حين يسأل ما إذا كانت بلاده سترد على الصواريخ التي تأتي حتى من إسرائيل.

…ويُكثر العرب الغالبون والمغلوبون من الدعاء، متضرعين للعلى القدير أن يصل نداء العقل إلى الأطفال في غزة، كي يموتوا دون جلبة، وتنتهي هذه المأساة قبل أن تصبح الأنظمة نفسها ذكرى، ضحية نيران “صديقة”، ولما تنتهي بعد دراسة ملفات تجنيسهم بالكفالة أو بالتبني من طرف الغرب المختار.

وأمام المأزق الأمريكي-الغربي-الإسرائيلي وصمود غزة وفلسطين، يبقى الخيار الممكن الوحيد، هو تجنيد الدول العربية الشقيقة في الحرب بشكل سافر، تحت إمرة قادة الجيش الصهيوني وهيئة أركانه الأمريكية، لأن التستر المعلن واللغط المعتاد، قد يؤثر سلبيا على سلسلة القيادة وسلاسة التنفيذ وسرعة التفاعل الميداني.

وفي أثناء كل هذا:

تشهر الولايات المتحدة، عرابة حل الدولتين، الفيتو منعا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وتستدعي إسرائيل سفراء الدول “الصديقة” التي لم تعترض بدورها، لتقريعهم.

تجد ولاية أولى في ألمانيا حلا جذريا لمشاكل الهجرة، باشتراط الاعتراف لإسرائيل بالحق المطلق في معاداة الإنسانية والقانون، قبل دراسة أي طلب للجوء أو الحصول على الجنسية، وأسئلة أخرى بالبنط الصغير تركت لنباهة جنود حماية الحدود، منها ربما، سؤال عما وقع في ناميبيا في بداية القرن العشرين من عملية إبادة للـ”هيريرو”[1]

ربما ينتظر الغرب الفرصة المناسبة، لمحاكمة جنوب افريقيا وناميبيا ونيكاراغوا والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة وعش الدبابير في المنظمات الإنسانية والمسؤولين على مسابقة “الأوروفيزيون”.

وفي هذه الأثناء يكتمل محو أي معنى للضمير والإنسانية والأخلاق والمدنية لدى الجنود والضباط والسياسيين الأمريكيين-الإسرائيليين، الذين يقاتلون المستشفيات وسيارات الإسعاف والأطفال والمتطوعين للمساعدة بمختلف جنسياتهم، وكل إحساس بما تقذفه الطائرات والبارجات والجرافات الدبابات والمدفعية. لعلهم فقط يستنكرون غياب أي استعداد للنهاية لدى الفلسطينيين. ويمسح السيئاتَ الربُّ الذي جعلهم الشعب المختار ليبيد ويحاصر ويهدم كل بنيان واقف مقاوم.

تستمر الدول الغربية العظمى في الدفاع عن حق أكبر جيش فاشل في البطش والحصار والغارات وتدمير العمارات وكل شيء ينتصب، لأن الوقوف إرهاب موصوف، سواء كان الواقف عمارة أو سيارة إسعاف أو عملا صحافيا أو ما تبقى من طفلة تلاقت مع قذيفة ذكية.

يؤكدون من حيث لا يدرون أن كيانا يحتاج جيشه للحماية من رد إيراني متحفظٍ، كيانٌ عاجزٌ عن حماية غيره، لكنه يبيع البضاعة الفاسدة الفاشلة نفسها للدول التي تخاف من شعوبها ومن الجغرافيا والتاريخ. وتجهل أوليات المنطق.

لكنها دولٌ، ربما تستعد للاستثمار في بناء سنغافورة جديدة على شواطئ غزة، بعد الانتهاء من أهلها ومن فلول التابعين للأصولية وولاية الفقيه، عقابا لهذه الفلول التي عكرت مزاج معاهدات ابراهام، وأعادت فلسطين إلى القلب من جدول الأعمال، منتصرة على الغرب وميزان القوى. أو ربما تتعبأ سافرة لإرجاع الأمور إلى نصابها الغربي، والالتفات إلى ملفات أكثر أهمية، ليس أقلها الغاز المكتشف قبالة سواحل لبنان وفلسطين، ومنع مرور طرق الحرير الصينية إلى البحر الأبيض المتوسط، وإلهاء اللبنانيين بالسوريين….

أما نحن فسنستمر في تدبيج المراثي والأغاني، ونقسم بالوفاء لكوفية الشهيد والضحايا من أتراب محمد الدرة، وهند التي تذكرت الجريدة الأمريكية أنها بقيت مطوقة بآليات مصفحة “شجاعة” حتى قطعَ الرصاصُ صوت استغاثتها إلى الأبد.

ويستمر القصف والقصف ضد كل المحاصرين والجرحى والجوعانات والعطشانين.

وتنتظم تجارة التراخيص للدخول إلى مصر: من 2000 دولار للشخص إلى 7000 دولار الآن وعلى رؤوس الأشهاد.

ويستمر رجل أمن واحد من “السلطة” في “أراضي السلطة” يراقب أنفاس 17 فلسطينيا، فلربما قد يتجشؤون أو يتنفسون أكثر من حصتهم من الهواء.

وتريدون مني أن أكتفي بالسعال؟

[1] Le massacre des Herero de Namibie par les soldats allemands