مصطفى مفتاح يكتب: غزة… دم عالق في الأشلاء وبرودة تكتب الخواطر - Marayana - مرايانا
×
×

مصطفى مفتاح يكتب: غزة… دم عالق في الأشلاء وبرودة تكتب الخواطر

…وقبل أن تنهشني اللجة أنا وكلامي المنمق ضعيف الإيمان، أرجو أن يرشدني حراس التراث المحنط فيما ندعيه أو نشتاق إليه من وجدان: ماهي العقوبات المنذورة لجسارتي إن أنا نسبت قولة معتقل الحمامة “إذا متُّ ظمآن فلا نزل القطر!” وماذا لو عم هذا النداء بيننا؟
هل سيقولون إنني أحرض على الهزيمة، أو أنني فقط أستجيب لذلك الشاعر من غزة الذي طلب منا أن نكف عن قصائد الحب لأهالينا في غزة؟
يرمونني بالعاطفية والانزواء في الحزن والأسى، وتلك من كبائر الرومانسية العدمية، ربما. وأنا أُساعِدُ الرماةَ فيما يتهمون به وأشهد.

مصطفى مفتاح
مصطفى مفتاح

أينما وليت وجهي تقتحم المأساة ليلي والنهار بكل الحيل الممكنة شعرا، تحليلا والنحيب.

هناك الموتى من الأطفال والشيوخ وحتى سيارات الإسعاف كلهم يقاومون.

وأنا خلف لوحة مفاتيح العواطف و “بليغ” التعبير، أحسب الأهداف والأرقام وأصلي عليَّ وعلى ما فضل من إنسانية في مسائي والفجر والضحى.

ترى أما زال في الأرض ضحىً.

أما زال في الضحى والليل والفصول متسع للانفطار.

أما زال هناك أفق الانفطار.

لعل أغلب الأشلاء والركام لا يعرف شيئا عن الخلاف بين الانتفاضة وحرب التحرير، ولا بين البروليتاريا والطليعة التكتيكية، ولا حتى…بيني، حين أنتحب أو حين أغني أو أرتب الأدعية، وبيني.

أجهزت “حماس” والمقاومة على نكيرٍ ومنكرٍ، وربما أيضا على الصُّورِ والنُّشُور وعلى الظل العالي.

سيأتي جهابذة بمناهج علميةِ الجدةْ. ستقتحم اللغة مذاهب أدبية دون انتظار إذن النقاد والناجيات من الفتيات الرومانسيات.

بل ربما أننا سنبدع موسيقى سيمفونية تليق بالقرون القادمة لتزين اكتشافات علماء الآثار: هنا بقايا خان يونس، وهناك خزف صنع في مستشفى، ربما كان اسمه رفح. أو هاهنا أثر غامض لعله بقية غارة من المساعدات ضد الإنسانية التي كانت هنا.

أذكر بحرقة جان جونيه “Jean Genet” حين زار مخيم شاتيلا بعد المجزرة:

“للصورة الشمسية بُعدان، وكذلك لشاشة التلفزيون، إلا أنهما كلاهما لا يمكن أن يعْبُرَهما الإنسان أو يطوف داخلهما. من جدار إلى جدار، داخل زقاق الأرجل المقوسة أو المدعمة التي تدفع الحائط، والرؤوس المتكئة بعضها على بعض، والجثث المسودّة المنتفخة التي كان عليّ أن أتخطاها، كلها كانت جثث فلسطينيين ولبنانيين.

إن الصورة الشمسية لا تلتقط الذباب، ولا رائحة الموت البيضاء والكثيفة. إنها لا تقول لنا القفزات التي يتحتم القيام بها عندما ننتقل من جثة إلى أخرى”.

سنتكلم اليوم عن اليوتوب والواتساب و السوشل ميديا، و ننسى أن ننبه إلى انقطاع الاتصال….

هل مازال يليق بنا أن نبكي علينا ونصرخ؟

هل ما يزال يليق بي استنكار ما يقوله هابرماس  Habermas .

هل ما زال هناك متسع للإشادة بجوديث بتلر[1] أو برتران بادي[2]  أو حتى إدغار موران[3]   أو للصلاة على الجندي[4] الذي أشعل النار في جسده احتجاجا في واشنطن.

وقبل أن تنهشني اللجة أنا وكلامي المنمق ضعيف الإيمان، أرجو أن يرشدني حراس التراث المحنط فيما ندعيه أو نشتاق إليه من وجدان: ماهي العقوبات المنذورة لجسارتي إن أنا نسبت قولة معتقل الحمامة “إذا متُّ ظمآن فلا نزل القطر!” وماذا لو عم هذا النداء بيننا؟

هل سيقولون إنني أحرض على الهزيمة، أو أنني فقط أستجيب لذلك الشاعر من غزة الذي طلب منا أن نكف عن قصائد الحب لأهالينا في غزة؟

يرمونني بالعاطفية والانزواء في الحزن والأسى، وتلك من كبائر الرومانسية العدمية، ربما. وأنا أُساعِدُ الرماةَ فيما يتهمون به وأشهد.

كنا صغارا أقل من يافعين حين ضاعت الأندلس غرناطةً تلو غرناطةٍ، عزاؤنا فجورُ ملوك الطوائف، ثم هرِمنا بِضع حُؤولٍ فانتبه النابهون منا أن الأندلس إيبيريةٌ.

ونحن يافعون التقينا فلسطين عاصفة وكرامة وفدائيين، ونسينا النكبة، بل حتى الهزيمة تكبدتها بلاد أخرى اسمها الأنظمة العربية، والقدس كانت فقط زهرة المدائن مع تنظيم العزاء كلما كان ذلك ممكنا لكفر قاسم ودير ياسين، دون أن نتبين أين توجد القريتان في خطوط العرض والطول.

كنا ننسى قليلا في انتظار الشعب العربي العظيم نِحلة تراهن على القواعد المتحركة أو مِلّةً تختار الحرب طويلة الأمد قبل النبيذ والقزح الخبز وقهوة أمي.

ثم هاجرت فلسطين لجمهوريات المخيمات: برج البراجنة واليرموك والزرقاء وإربد والخيام وعين الحلوة ومنهم كثير. سافرت فلسطين لمواعدها مع أيلول الأسود وصبرا وشاتيلا، فرحلت فلسطين مرة أخرى إلى تونس ثم إلى أوسلو وأخوات الذل و “المقاطعة” في طِوارٍ في رام الله.

كانت علاقتنا بفلسطين قصائدَ لم ينقذنا الشعراء منها رغم أن الكوفية والخرائط والثقوب في الخرائط أصبحت مألوفة. لكن يقيننا يصر أن رمانة بيروت هي الضفة الغربية، وغزة وحيفا وعكا وفلسطين ذهبت مع صلاح الدين، هربها الطاعون أمريكا.

الآن عرفتها، ورغم ذلك فالأطفال والحوامل وما تبقى من ضمير إنساني ينزف وأنا عاجز إلا من بعض الخواطر والنحيب.

سأتلقى بعض الثناء قلوبا وبعض الفراشات بالألوان وسيغلق المرسِلون الاتصال حتى لا يضطروا لنصيحتي انتظارهم لقصص سنوات الرصاص والحركة الماركسية – اللينينية المغربية.

يُهَوِّنُ الأمر علينا أن قوة مقاومة، “حماس” و “الجهاد” و”الجبهة الشعبية” وعدد من مناضلي “فتح” ومنظمات أخرى تدبر الأمور وتحسب بميزان الذهب الموازَنَةَ بين العذابات الأليمة التي يتحملها الفلسطينيون، من جهة، وبين محاولة انتزاع مكتسبات في مواجهة عدو وحلفائه يروم إبادة الشعب والقضية كلها، وطنا ودولة، وحق العودة والتعويض ومحاكمة المجرمين….

وأحس بالفجيعة كما المقاومة حين يسقط المناضلات والمناضلون مغتالين من طرف العدو، وأفكر في صالح الماروري والقياديين مثله، والمحاصرون تحت غارات التجويع والغارات والحصار الغاشم.

وأثير فقط نقطة كانت قد أشارت إليها سيمون دو بوفوار [5] حين ذهبت أبعد في الدفاع عن الحق في المقاومة، فأكدت أن الاستعمار الاستيطاني يضع وجها لوجه مدنيين مستَعمَرين يُبادون من طرف مدنيين مستوطِنين يحميهم الجيش. في إطار توضيح موقفها الرافض لإلصاق نعت “الإرهاب ” على المقاومة الجزائرية.

سَهُل انقيادنا إلى لدعاية الغرب وإسرائيل في اعتبار “انتفاضة” 7 أكتوبر 2023 هجوما على مدنيين عزّل كانوا يتمتعون بالموسيقى وبحياتهم في مستوطناتهم في استمرار لسردية قديمة قدم الصهيونية.

أما الإحراق والاغتصابات فالأمر يمكن تأجيله، خصوصا مع انكشاف المعلومات عما جرى حقيقة ولنركز على الإجابة على الأسئلة التالية:

·        هل المستوطنون الذين أقاموا مستعمرات غير مشروعة من ناحية القانون الدولي مدنيون؟

·        هل هؤلاء جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي المدربون رجالا ونساء في مقتبل العمر مدنيون؟

·        هل من اضطرت الولايات المتحدة وأوربا لتهديدهم بالعقوبات مدنيون أبرياء؟

هل يشبهون ضحايا دريسد [6] وهيروشيما وناكازاكي [7] والطفلة الفيتنامية العارية [8] أمام جندي أمريكي والملايين من المدنيين ضحايا الحروب العالمية الغربية؟

وفي هذا الصدد، كان بودي أن أتجاهل ما تفعله أو لا تفعله “السلطة الوطنية” بين “التنسيق الأمني” مع إسرائيل والبكاء على سرقة مستحقات الجمارك والضريبة وتتحمّلُ التصريحات التي تنتقص منها والاجتماعات الديبلوماسية….

إنا نموت أشلاء أو ضميرا! تبّاً فلا نزل القطرُ!

 

[1] Judith BUTLER
[2] Bertrand BADIE
[3] Edgar MORIN
[4] Aaron BUSHNELL
[5] Simone de Beauvoir
[6] Dresde en Allemagne
[7] Hirochima et Nagasaki villes japonaises victimes des bombes atomiques américaines
[8] MY LAI, petite fille dont la photo nue fuyant un soldat américain a fait le tour du monde

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *