هشام روزاق يكتب: 20 جوان… لــ 20 فبراير
كان علينا أن ننتظر 2011، كي نكتشف، كما الساحات، أن حلمنا الخام، لم يعد كذلك… وأن كثيرا من تفاصيل انتظاراتنا، غيرتها آلات الصقل والتشذيب…
كان علينا أن ننتظر 20 فبراير، كي نكتشف في عز الحلم كوابيسنا.
وكي نفهم… أن الساحات صارت هجينة.
وأن بين الحالمين قتلة حلم.
… واضح أن لعنةً ما تسكن الرقم 20 حين يتعلق الأمر ببعض من حلم المغاربة.
قبل عمر من حياتنا المغربية المسكونة بداء الانتظار، قام الحلم المغربي منتصبا ذات 20 يونيو 1981، ليجد على أعتاب فراشه، “خادم الأعتاب” الشهير، الراحل إدريس البصري…
كان البصري يومها، صائد أحلام خام. لم يكن لا هو… ولا كل معنى وشكل وجوهر الدولة التي يؤمن بها ويمثلها، في حاجة لعمليات صقل أو تشذيب لردة الفعل الممكنة ضد أحلام المغاربة…
كان القرار واضحا، صريحا وبسيطا…
في 20 يونيو/ جوان 1981، اتخذت الدولة المغربية، قرارا بقتل الحلم المغربي… غير أن القتل هنا، كان خاما أيضا. كان قتلا بالفعل.
في واحدة من أبشع نذوب الذاكرة المغربية، تحولت الاحتجاجات المغربية، إلى لوائح شهداء وقتلى، ووقًّع إدريس البصري على كل هذه البشاعة، بقرف أكبر حين وصف شهداء المغرب يومها بــ “شهداء كوميرا”. وكأن قدر المغربي أن… ينظر فقط لكعك البلد يتقاسمه المحظوظون والنافذون، وله هو دون الخبز… الموت.
يومها… كان معدن البلد، حلما خاما، يواجه نموذج حكم خام.
… لم تكن آلة الصقل والتشذيب فعلت فعلها بعد. كان الحلم المغربي يقف في الساحات، ليواجه قتلة الأحلام في ساحتهم. في ملعبهم.
ربما، لأجل كل هذا، سيظل عنوان سكننا الأصل، هو 20 يونيو 1981، وسيظل هو 23 مارس 1965 وغيرها. سيظل هذا عنواننا، لأن الساحات يومها، كانت تعرف ساكنيها… كانت تعرف من يقف فيها حالما، ومن يداهمها… آمرا بقتل الحلم.
ثم…
كان علينا أن ننتظر 2011، كي نكتشف، كما الساحات، أن حلمنا الخام، لم يعد كذلك… وأن كثيرا من تفاصيل انتظاراتنا، غيرتها آلات الصقل والتشذيب…
كان علينا أن ننتظر 20 فبراير، كي نكتشف في عز الحلم كوابيسنا.
وكي نفهم… أن الساحات صارت هجينة.
وأن بين الحالمين قتلة حلم.
وأن بين قتلة الحلم… صناع أحلام مغايرة.
في 20 فبراير، حتى الساحات لم تفهم ما يحدث لها.
الحالمون بدولة دينية، يؤازرون القابضين على حلم المدنية؛ والمقاتلون من أجل حرية المرأة، يقفون جنبا إلى جنب مع “حراس العورة”… وبعض النافذين والمستفيدين من الريع، كانت حناجرهم ترتفع في الساحات، مطالبة الريع أن يرحل.
… وبقدر ما، كان “خام” القمع بشعا، عنيفا وقاتلا في 20 يونيو/ جوان 1981، وكانت عناويننا فيه واضحة، بسيطة… بقدر ما كان “مصقول” 20 فبراير ضبابيا.
في 20 يونيو، سقط القتلى والشهداء… وانتصرت أحلام المغاربة في موتهم، وانهزمت الدولة في انتصارها وعنفها.
وفي 20 فبراير… انهزم الجميع/ انتصر الجميع.
في 20 يونيو… انتقل المناضلون والمغاربة البسطاء إلى مقابر جماعية.
وفي 20 فبراير… انتقل بعضهم إلى طبقة أعلى… وصار بعضهم يخدم شكل ذات الدولة التي خرج يناضل ضد جوهرها.
في 20 فبراير… لم يعد للدولة وحدها ريعها.
صار للنضال ريع.
في 20 يونيو، انهزمت الدولة… انهزم شكل وجوهر الحكم وهو يقف صفا واحدا ضد حلم مغربي تخندق في صف مقابل.
وفي 20 فبراير… انتصرت الدولة، وانتصر بعض المناضلين، وانهزمت بعض الدولة، وانهزم بعض النضال.
…في 20 فبراير، صار الكثير من الحلم حولنا هجينا.
صار النضال هجينا، وصارت الدولة هجينة، والمشهد السياسي… حفر الحضيض بحثا فيه عن قعر.
هي ليست نوستالجيا…
وليست رغبة في هزيمة الدولة.
وليست حتى حلما في نصر.
هو فقط، بعض من ألم الخيبات وبعض من بوح تأخر لخجل.
20 فبراير كانت لحظةً أنتجت خطابا ومطالب وتصورات، اختلفنا مع بعضها واتفقنا مع بعضها، لكنها أيضا… أنتجت مجموعة كائنات، استغلت اللحظة والخطاب والتصورات، وانتمت لسياق الريع بأشكاله وعناوينه الجديدة.
20 فبراير لم تستطع أن تكون عنوانا لي…
نعم… تحقق بقتالية شبابها، كثير من أحلام صغيرة، وحققنا في بعض من أيامها القصيرة، ما كان صعبا الحلم به في سنوات طويلة، أخرى، قادمة، لكن…
في النهاية، كانت المعادلات المؤسسة للدولة بمعناها المغربي، هي الحاضر، والمحدد.
خرجنا في النهاية، كما دخلنا الحلم…
خرجنا بدولة قوية على حساب ضعف المجتمع.
خرجنا بشكل وجوهر سلطة، غير بعضَ هويته البصرية، وحافظ على نفس المنتوج، ونفس التعليب.
دخلنا الحلم نبحث عن فصل سلط، وعن ربط المسؤولية بالمحاسبة والفصل بين السياسة والمال…
وخرجنا بمناضلين يسيرون مؤسسات دولة، وينتصرون لشكل السلطة وجوهرها، ويتفننون في تبرير كل هذه “الخيلوطة” التي صارت تقدم لنا بعنوان “تمغربيت”.
خرجنا من 20 فبراير… وقد تحول بعض شبابها إلى مجرد…. محدثي نعمة.
دخلناها نبحث عن فصل السلط… وخرجنا منها وقد التحمت السياسة بالاقتصاد والمال والرياضة…
قبل 20 فبراير، كان العادي والمنتظر، أن يخذلنا الساسة والقادة…
مع 20 فبراير، خذلنا بعض من تمرد على الساسة والقادة…
دخلناها مجتمعين… وخرجنا أكثر أنانية من أي وقت مضى. حولنا البلد معنا إلى مجموعة لافتات صغيرة، يكتب عليها كل واحد منا، ما يتمناه لنفسه، لفئته… وسلام على أماني البلد.
لأجل كل الأشياء الجميلة التي حلمنا بها في 20 فبراير، لا يمكن أن أحتفي بها، وبذكراها.
أستطيع فقط أن أتألم لأجلها ذات الألم للبلد… مع ابتسامة في القلب، كي يستمر حلمنا في النبض.
لأجل هذا… قد يحتاج البعض لــ 20 جوان… كي ينشط ذاكرته.
وهذا … بعض من كلام.