هشام روزاق يكتب: بنكيران… حكاية تطرف ناشئ
مخفورا بالإقبال الكبير عليه، وبغياب نقد حقيقي للإنتاجات التي قدمها، استمتع بنكيران طويلا بنجوميته وشهرته، قبل أن ينقلب عليه “المنتجون”، وقبل أن يغادر الجمهور صالات العرض التي اعتاد أن تمتلأ لأجله.
… في محاولة بائسة، وليست يائسة، لاستعادة جمهوره، قرر بنكيران مؤخرا، أن يستنجد بالــ “remake”. قرر أن يستعيد حكايات قديمة، ويقدمها في حلة جديدة، لكنه، وهو البارع في لعبة “الجمهور عاوز كده”، لم يفطن بعد إلى أن جمهوره، صار يرفض أصلا أي عمل يكون فيه اسمه على “الأفيش”.
… أفضل ما تمنحنا الجوقة السياسية (لأننا لم نعد نستطيع الحديث عن حياة أو حتى مشهد سياسي)، هو أنها صارت قادرة على التحول إلى ما يشبه الفقرة الكوميدية التي تتخلل سهرة فنية.
وسط أخبار المذبحة اليومية التي تنفذها آلة الإرهاب الصهيوني، ومع انكشاف حجم التواطؤ الدولي في الجريمة، حكومات وإعلاما…
وسط كل هذا القرف المحبط، لازال بعض أعضاء الجوقة قادرين على لفت الانتباه. لازال بعضهم، قادرا على خلق نوع من الفرجة في بلد صار كل شيء فيه فرجة، في غياب المتفرجين أصلا.
من بين هؤلاء، استوقفتني منذ مدة قصيرة، بعض المشاهد المضحكة للعرض الجديد الذي يروج له عبد الإله بنكيران وفرقته. عرض ذكرني، ببساطة، بشخصية “صلاح وردة” التي أداها الممثل المصري “صلاح عبد الله” في فيلم “الفرح”. “صلاح وردة” المونولوجيست، الذي عاش أبهى أيام عزه في زمن قديم مضى، والذي لم يستسغ تغير الواقع من حوله، وظل مصرا على تقديم نوع من الكوميديا التي لم تعد تضحك أحدا.
غير أن الفرق بين صلاح وردة في فيلم الفرح وبنكيران الجوقة عندنا، كبير. فالذي شاهد فيلم الفرح، سيخرج بكثير من الشفقة والتضامن مع شخصية، أصرت على الوفاء لفنها، حاربت من أجل إسعاد الناس بالطريقة الوحيدة التي تجيدها، دون أي تنازل عن شكل أو جوهر الفن كما فهمته، وكما مارسته.
… صلاح وردة المغربي، أو لنقل “بنكيران الجوقة” عندنا، لم يخرج من المشهد محملا بالتضامن ولا حتى بالشفقة. خرج منه مطرودا ومحملا بالغضب والرفض.
بنكيران، فهم أن الواقع من حوله قد تغير، وأن الجمهور الذي اعتاد الضحك من قفشاته، صار يتجهم من مجرد ذكر اسمه. لكنه، عوض أن يتغير مع الواقع، حاول القفز عليه ببهلوانية مثيرة للتقزز.
عكس صلاح وردة، لم يكن بنكيران وفيا قط لـ “فنه”. فهم منذ البداية، أن الأصل في الحكاية، أن يكون “نجم شباك”… أن يتقن معادلة “الجمهور عاوز كده”، وأن يقدم لهم ما يجعلهم دائما يقبلون على عروضه.
مخفورا بالإقبال الكبير عليه، وبغياب نقد حقيقي للإنتاجات التي قدمها، استمتع بنكيران طويلا بنجوميته وشهرته، قبل أن ينقلب عليه “المنتجون”، وقبل أن يغادر الجمهور صالات العرض التي اعتاد أن تمتلأ لأجله.
… في محاولة بائسة، وليست يائسة، لاستعادة جمهوره، قرر بنكيران مؤخرا، أن يستنجد بالــ “remake”. قرر أن يستعيد حكايات قديمة، ويقدمها في حلة جديدة، لكنه، وهو البارع في لعبة “الجمهور عاوز كده”، لم يفطن بعد إلى أن جمهوره، صار يرفض أصلا أي عمل يكون فيه اسمه على “الأفيش”.
بنكيران، وعوض البحث عن أدوار جديدة تناسب سنه، وتتوافق والعروض المتاحة اليوم في السوق، أصر على لعب أدوار البطولة في زمن ينظر فيه المغاربة له كــ “villain”…
بخط درامي مثير للشفقة والغضب في آن، قرر الرجل الذي أنهى المغاربة حياته السياسية بطريقة مهينة ومذلة، أن يختار أبشع أنواع السيناريوهات المطروحة في السوق، وأن يروج لنوع جديد من الفرجة، عنوانها الابتزاز والتطرف.
الذي يتابع، بكثير من الجهد، والملل أيضا، حكايات بنكيران الأخيرة، سيكتشف بسهولة أن هذا الكائن الذي شغل منصب “رئيس حكومة دولة”، صار أشبه بمدمن في مرحلة انسحاب أعراض الإدمان.
صار أشبه بتلك البروفيلات التي يرسمها بعض علماء النفس، لتطور شخصية بعض الشباب في اتجاه التطرف. شباب، بحث بعض علماء النفس دائما، على العامل المحدد والمؤسس لتطرفهم، فوجدوه في الغالب، ناتجا عن صدمة عاطفية، أو شعور بالتخلي (sentiment d’abandon) أو حالة اكتئاب حادة.
والحقيقة أن بنكيران، منذ خروجه المهين والمذل من “الجوقة السياسية”، ومنذ افتضاح أمر ملايين الريع التي يأكلها شهريا، دون عرق ولا خجل، تحققت فيه كل هذه الأعراض.
بنكيران، يعاني اليوم من انسحاب أعراض المخدر الذي أدمنه… مخدر “أغلبية الشعب معنا” التي روج لها هو أتباعه على الدوام، والتي حجبت عنهم، على الدوام أيضا، حقيقة أن الشعب في الأصل، يحتاج “للي يكون معاه” وليس العكس.
… وبنكيران اليوم، يعاني من أعراض الشعور بالتخلي، التي سكنته منذ تخلى عنه إخوته في الحزب، قبل الدولة، وجاؤوا بالعثماني بديلا له. وبنكيران يعاني، أيضا، من أزمة عاطفية حادة، ذلك أن الرجل الذي قدم كل باقات الورد للدولة… لم يفهم بعد سبب تخليها عنه، واقترانها بغيره.
في هكذا سياق ربما، نستطيع أن نفهم، اليوم، خط التطرف المتصاعد لبنكيران. خط التطرف المبني على ردود الفعل البائسة والبئيسة، التي جعلته يقترف أبشع أنواع لغات التشفي، كي يعتبر زلزال الحوز عقابا إلهيا للمغاربة نتيجة ما اقترفوه من ذنوب سياسية؛ متناسيا، بكثير من جبن، أنه حين كان رئيس حكومة، وفي سنة 2014، مثلا، شهدت البلاد فيضانات راح ضحيتها مغاربة، حملت جثث بعضهم في شاحنات الأزبال، وأهلكت المحاصيل والبنيات التحتية. حينها، لم يفكر بنكيران في غضب الله على المغاربة. ربما، كان يعرف حينها، أن غضب الله يرأس الحكومة؟
… وفي 2016، مثلا، حين ضرب الجفاف المغرب في عهد حكومته، لم يجد بنكيران ما يخجل في قوله (يوم 2 فبراير 2016، خلال جلسة الأسئلة الشفوية بالبرلمان) إنه متفائل بالتساقطات المطرية، لأن من سماهم بـ”الشُرْفَة” حضروا وشاركوا في صلاة الاستسقاء مرتين خلال هذا العام.
“الشرفة” الذين يقصدهم بنكيران هنا هما، ولي العهد الأمير الحسن، الذي حضر صلاة الاستسقاء الأولى؛ ثم الأمير الحسن وشقيقته خديجة، حين حضرا صلاة الاستسقاء الثانية خلال نفس السنة. لكن… اليوم، صار الأمر مختلفا عند بنكيران، وصلاة الاستسقاء التي تفاءل بها وبمشاركة أميرين فيها، صار له فيها رأي آخر… وصار يقول، بالحرف:
“… صحيح دابا الناس تايلبسو الحوايج بويض وتايديرو الطرابش حومر، ماعندنا مانديرو هذا هو البروتوكول. ولكن في الأصل، صلاة الاستسقاء، الناس كايلبسو فيها الحوايج بالمقلوب إظهارا للتذلل بين يدي الله، وإظهارا للرجوع إلى الله”.
نعم … هذا هو بنكيران…
في يوم الخميس 18 فبراير 2016، حين انعقد المجلس الحكومي تحت رئاسته، وكانت الأمطار قد هطلت بالمغرب، بعد صلاتي (2) استسقاء لا واحدة… يومها، قال بنكيران بالحرف: “الله استجاب للمؤمنين والمؤمنات بعد الدعاء في صلاة الاستسقاء والتي تمت تأديتها مرتين، وغيرها في باقي المناسبات في المساجد، وفي الحكومة كذلك”.
في 2016، كان “إله بنكيران” يقبل الصلاة من المؤمنين والمؤمنات. كان “إلهه” لا ينتبه كثيرا لملابسهم “اللي ماكانوش لابسينها بالمقلوب”… وفي 2023، انقلب بنكران على “إلهه”.
في 2023… صار نفس الإله، الذي أنزل المطر في 2016 لأن “الشرفة” شاركوا في صلاة الاستسقاء، صارما جدا في نوع الملابس وطريقة لبسها…
“الشرفاء”، الذين شاركوا في صلاة الاستسقاء، والذين هطل المطر نتيجة لمشاركتهم في الصلاة، صاروا “مجرد بروتوكول” يضرب في الأصل، فكرة “التذلل بين يدي الله”.
في 2023… غضب “إله” بنكيران من المغاربة الذين كان يحبهم سنة 2016، وصار بنكيران يخبرنا في كل مرة، أن الله لم يعد يحب المغاربة، وأنه يعاقبهم. وأن قمة غضب الله عليهم، كانت يوم 8 شتنبر حين زلزل الأرض من تحت أقدامهم.
حينها… اعتبر بنكيران أن “إلهه” عاقب المغاربة لذنوبهم الكثيرة، وأساسا منها، ذنوبهم السياسية، التي قذفت ببنكيران وصحبه خارج الحكومة، بطريقة مذلة، كانت أكبر رسائل الإهانة فيها، أن يختار المغاربة أخنوش ومن معه، فقط لكي يقرعوا بنكيران ويلفظونه.
… حتى أمام مذابح فلسطين المؤلمة، ستجد بنكيران. ستجد “زعيم” الحزب الذي وقع اتفاقية التطبيع، يمارس جبنه الأزلي في إدانة التطبيع.
ستجد بنكيران في كثير من تفاصيل حكاية قديمة. حكاية التطرف الذي يروج لنفسه ويؤسس لها بلغات المظلومية التي أتقنها بنكيران ومن معه…
تطرف، قد يبدو للبعض غير ذي أهمية، لكنه في أصل الحكاية، عنوان كثير من حكايات مغرب تنازل على الدوام عن بعض أهم أحلامه، اتقاء لضجيج أشخاص مثل بنكيران. أشخاص، أدمنوا لغات الابتزاز واستعمال ورقة الله والدين، كي يفصلوا البلاد على مقاسهم، وكي يأكلوا ريعها على هواهم.
وهذا بعض من كلام.
حبذا لو تتحفونا بمقال عن الكائن الذي يدير حاليا الشأن العام….
حلايقي قضى الغرض وجاء في غفلة من الجميع استولى او سرق اموال الريع ليأخءها كل شهر غير عابيء بان أرملة او يتيم اولى منه بها.