محمد أمنصور يكتب: أيها الشاعر، قم تكلم بالنيابة عن عبد القادر الشاوي!
تغيرت وتعددت مواقع وأدوار ووظائف عبد القادر الشاوي في مسيرة حياته (طالب ماركسي لينيني. أستاذ التعليم الثانوي. معتقل سياسي. صحفي. دبلوماسي.عضو بالهيأة العليا للاتصال السمعي البصري..). شيء واحد ظل ثابتا لم يتغير في مختلف مراحل هذا المسار: الوفاء للكتابة.
1 ـ يضم ديوان “بالنيابة عني يا أيها القناع” الصادر حديثا عن دار الفنك للكاتب عبد القادر الشاوي 85 قصيدة موزعة بين قسمين: الأول يحمل عنوان بالنيابة. الثاني بعنوان عني. إطلالة عامة على العناوين في لائحة محتويات الديوان تؤكد تغطية القصائد لمختلف أوضاع وحالات ومواقف الشاوي في حله وترحاله، في أسفاره ومفارقاته.
الشعر، إذن، هو اللمسة الجديدة التي يضيفها صاحب “كان وأخواتها” و”دليل العنفوان” على مشروعه الثقافي والوجودي الغني والمتنوع. إضمامة شعرية بعنوان مثير تحتاج بالقطع إلى وقفة نقدية مطولة ليس هنا مقامها(…).
2 ـ فيما يلي القصيدة الأولى التي يفتتح بها الشاوي ديوانه الشعري، وتحمل عنوان: “أنا القناع”:
أيها القناع كم أنت عار إلا مني
وكم أنا في القناع بلا عينين
هل أثير الوهم من حولي لكي أراك
أم أنك الوهم الذي يراني
فيدنو خيالي مني
وتمشي في هواك
إلي منك كأنك تحبو في الفراغ
بين لمح يشير في الخفاء إلينا
ثم بين خفق يصك قلبينا
ثم بين صوت يفضحنا
ثم يقول كأنه القيد الذي يبكي:
قناعان أنتما في الفراغ
بلا روح أو صدى
وجود في ماء العدم
بلا شراع أو مدى(…).
3 ـ للشاوي علاقة قديمة بالقناع تمتد إلى سنوات الاعتقال القاسية عندما كان يجنح إلى توقيع كتاباته المهربة من الزنزانة إلى فضاء النشر بأسماء مستعارة. يقول في حوار أجرته معه الصحفية سندس الشرايبي بمجلة Telquel الفرنكوفونية : “في البداية، كتبت من داخل الزنزانة بأسماء مستعارة (أحمد علوش، توفيق الشاهد، عبد الله المتوكل). اختلقتها وكتبت من خلالها مقالات نقدية كرستها للأدب المغربي. ستجد تلك النقود طريقها إلى النشر بفضل مساعدة الأصدقاء من زواري في السجن، وهذا الأمر ترك لدي انطباعا بالانقسام: فمن جهة، كنت سجينا سياسيا معزولا. ومن جهة أخرى، تلك الأسماء المستعارة جعلت مني الرجل الذي ينشر والذي يقرأه الآخرون.” (…).
4ـ تغيرت وتعددت مواقع وأدوار ووظائف عبد القادر الشاوي في مسيرة حياته (طالب ماركسي لينيني. أستاذ التعليم الثانوي. معتقل سياسي. صحفي. دبلوماسي.عضو بالهيأة العليا للاتصال السمعي البصري..). شيء واحد ظل ثابتا لم يتغير في مختلف مراحل هذا المسار: الوفاء للكتابة. ما السر في ارتباطه الوثني بالكتابة؟ بل ما الكتابة بالنسبة إليه؟ يقول: “في عام 1974، وجدت نفسي وجها لوجه مع نفسي في زنزانة السجن. وبما أن كل شيء تغير، كان ينبغي علي البدء من جديد والبحث عن وسائل أخرى للاستمرار والمقاومة. ظروف الاعتقال كانت جد قاسية، مثلي في ذلك مثل بقية المعتقلين؛ لكن، كان عليّ أن أبذل ما في وسعي للعثور على وسيلة أبقى من خلالها متشبثا بالمستقبل. في تلك الظروف والمعاناة جاء قرار الاستمرار في الكتابة. الكتابة هي ما أعطاني مبررا للوجود”.
بهذه المعادلة الصعبة التي تجمع بين النضال والكتابة، تعددت أقنعة الكتابة عند الشاوي، قبل وخلال وبعد تجربة السجن؛ فمارس النقد الأدبي والبحث العلمي والرواية والتخييل الذاتي والرسم والعزف والصحافة بمختلف أجناسها ما جعله ينحت لنفسه اسما استثنائيا في حياتنا الثقافية (…).
5 ـ بنشره ديوانه الشعري الأول “بالنيابة عني أيها القناع”، يضيف الشاوي بعدا جديدا إلى مختلف أبعاد شخصيته المركبة. يسلط الضوء على قناع آخر من أقنعة كتاباته المتعددة والمتنوعة ظل محجوبا منذ البدايات الأولى لمغامرته في الكتابة. وكأني به قد اهتدى أخيرا بعد طول تردد إلى الحسم في الطريقة المثلى لتكثيف أقنعة الكتابة وصهرها في قناع واحد. وكأني به يهمس في آذاننا جميعا:
ـ اليوم أكشف لكم وجهي الأول الذي ظل محجوبا طيلة عقود،
قم تكلم بالنيابة عني
أيها الشاعر! (…).