محمد أمنصور يكتب: الألزهايمر الثقافي: عودة أستاذ الأجيال، الدكتور حسن المنيعي، في الذكرى الثانية لغيابه
اليوم، بميلاد مؤسسة حسن المنيعي للدراسات المسرحية والإبداع الأدبي والفني، يكون المغرب الثقافي قد ربح إطارا لمواصلة الدور المؤثر لهذا الرائد بيننا، فتحية لعائلته في شخص أخيه التوأم الدكتور الحسين المنيعي وكل الأوفياء من طلبته وأصدقائه الذين تصدوا من خلال هذه المؤسسة لآفة البلاد: الألزهايمر الثقافي!
1ـ من عايش الراحل الدكتور حسن المنيعي عن قرب، يعرف أن الرجل كان مؤسسة علمية قائمة الذات، وظاهرة إنسانية لافتة عنوانها التواضع وحب الناس والعزوف عن الأضواء والقدرة على التواصل مع أوسع شرائح البشر. وإذ تم الإعلان عن الميلاد الفعلي لمؤسسة حسن المنيعي للدراسات المسرحية والإبداع الأدبي والفني بمناسبة الذكرى الثانية لرحيله، فقد كانت المبادرة خير تعويض عن الصمت الفادح الذي طبع رحيله، إن لم تكن الأداة الأوفر حظا لحفظ إشعاع ذاكرته الثقافية ومواصلة دوره الرائد بيننا في غياب الدور المفروض للجهات الرسمية التي (…)
2ـ بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل أستاذ الأجيال، أصدرت المؤسسة الفتية بموازاة تنظيم ندوة وطنية كتاب “ليليات”، وهو عبارة عن نصوص ـ خواطر كتبها المرحوم خلال فترة شبابه ما بين (1962 و 1967) من خلال عمود نشر في جريدة العلم يحمل العنوان نفسه. تعكس هذه الخواطر طبيعة المرحلة التي كتبت فيها من حيث المزاج العام والشخصي المتحكم في صياغتها، كما تترجم جوانب إنسانية من شخصية المنيعي الشاب وهو مستغرق في تأملاته الوجودية النابعة من صميم الحياة الثقافية لمغرب الستينيات من القرن الماضي.
3ـ في “ليليات”، يدشن أستاذ الأجيال حياته الأدبية والعلمية بين أجواء باريس الستينيات ولبنان ما قبل الحرب الأهلية بنبرة لا تخلو من قلق شباب تلك المرحلة. بصمة واضحة لوجودية جان بول سارتر التي كانت في أوجها مصحوبة بهواجس الوعي القومي العربي قبل هزيمة 1967. هموم الوطن. مآزق القومية العربية. هواجس الخط الاشتراكي التحرري. أفق الكفاح الفلسطيني. احتفاء بالشعر والقصة الحديثة وسؤال الأدب الزنجي. شغف مبكر بالفنون التشكيلية والتيارات الطلائعية في الفنون والآداب الأجنبية، فضلا عن بذور الانشغالات الأولى بالمسرح. إنها مجمل الاهتمامات المعرفية والوجودية التي ستتحول على مدى الستة عقود اللاحقة إلى ثوابت في مشروعه المعرفي ـ النقدي.
4ـ عندما التحق المنيعي الشاب بداية الستينيات من القرن الماضي (1964) مدرسا بكلية آداب ظهر المهراز ـ فاس مع كوكبة من الرواد (أحمد اليبوري، محمد برادة، أحمد المجاطي، محمد السرغيني، محمد السولامي…) أتاح له صغر سنه (23 عام) أن يصاحب ثلاثة أجيال من الطلاب والباحثين في حياة حافلة بالعمل والسفر والإنتاج والتوجيه، فاستحق بجدارة لقب أستاذ الأجيال. هكذا استمر عطاؤه مؤثرا بقوة على مدى ستة عقود بين الجامعة ومدينة مكناس والحقل الثقافي ـ المسرحي الوطني والعربي. دروس جامعية. تأطير ومناقشة أطروحات أكاديمية. إلقاء محاضرات. مشاركة في ندوات وأيام دراسية. تأطير ورشات في مهرجانات مغربية وعربية. تأليف كتب. ترجمة ونشر دراسات ومقالات في الدوريات والجرائد (…)
5ـ عاش حسن المنيعي في الظل متواضعا ومات شامخا. لم يسع إلى شهرة أو يتخذ من مشروعه العلمي مطية لتحقيق مطامع دنيوية. مثقف ملتزم بقضايا وطنه حفلت حياته اليومية بتشجيع المواهب والطاقات من أبناء الجماهير الشعبية. أكاديمي مستقل أدرك في وقت مبكر أهمية التموقع الأكاديمي في قلب التوتر القائم بين الدولة والمجتمع، ما دفعه إلى جعل مشروعه المعرفي ـ النقدي أداة فعالة لخوض الصراع الدائر بين قوى الحداثة وقوى التقليد، منتصرا لقيم الحداثة والتغيير(…)
6ـ توفي المنيعي عن سن 79عاما، في عز جائحة كورونا، يوم الأحد 13 نوفمبر 2020، ودفن في أجواء الحجر دون أن يحظى حدث موته بما يستحق من اعتبار. اليوم، بميلاد مؤسسة حسن المنيعي للدراسات المسرحية والإبداع الأدبي والفني، يكون المغرب الثقافي قد ربح إطارا لمواصلة الدور المؤثر لهذا الرائد بيننا، فتحية لعائلته في شخص أخيه التوأم الدكتور الحسين المنيعي وكل الأوفياء من طلبته وأصدقائه الذين تصدوا من خلال هذه المؤسسة لآفة البلاد: الألزهايمر الثقافي!
نقطة عودة إلى السطر.