محمد أمنصور: هل نقول شكرا للسيد كوفيد؟
هل انتهى كابوس الكوفيد حتى نتكلم عنه في صيغة الماضي؟
1 ـ قبل الكوفيد، لم يكن الواحد منا يتخيل أهمية، بل حتمية القرب في العلاقات الإنسانية. بعد تفشي الفيروس وإدراج التباعد ضمن إجراءات الوقاية، اكتشف الإنسان فجأة فقدانه لواحدة من أخطر المكتسبات الإنسانية التي لازمت وجوده على الأرض: نعمة القرب. لم يخطر على بال أحد يوما أن تحرم الإنسانية جمعاء من العناقات اليومية أثناء السلام، ولا احتكاك الأجساد ببعضها البعض في ملاعب كرة القدم والحافلات والأسواق والأعراس والجنائز. ما كان بديهيا صار حرمانا وحلما متمنعا (…).
2 ـ أقام الكوفيد نظاما ديمقراطيا يرتكز على المساواة بين جميع ساكنة الكوكب الأرضي في العدوى والمرض والموت. لم ينفع أي أحد أن يكون أمريكيا أو شيوعيا أو رجل دين أو عارضة أزياء أو طبيبا أو عسكريا أو طفلا أو امرأة حامل. أصابت العدوى من أصابت ومات من مات دون تمييز أو اعتبار للسن أو الجنسية أو الشهرة أو الثروة أو الانتماء الجغرافي، فأمكن لأول مرة في تاريخ البشرية أن نرى أول نظام ديمقراطي في تاريخ الكون يساوي بين الأفراد والجماعات والشعوب والدول والجهات. نجح الكوفيد في تحقيق الهدف الذي عجزت عنه نضالات الإنسانية من أجل إلغاء الفوارق الطبقية والعرقية والاقتصادية والجغرافية والبيئية بين ناس الكوكب، فأمكن الحديث لأول مرة، بحق، عن المساواة بين الناس والشعوب والدول في وحدة المصير (…).
3 ـ الكوفيد هو النظام الأمني الوحيد في تاريخ البشرية الذي أعطى الأمر باعتقال سكان الكوكب في بيوتهم لأسابيع وأشهر متوالية، فتحولت القصور والبيوت والفيلات والعمارات والأكواخ في رمشة عين إلى زنازن اعتقل فيها أصحابها دون أحكام قضائية واضحة إلا ما كان من تهمة “الاستهتار بالوجود على الأرض” من طرف الإنسان نفسه. هكذا، نجح السيد كوفيد في تلقين البشرية درسا بليغا في معنى سلب حرية الحركة والدخول والخروج إلى الفضاءات العامة واللقاء المباشر بمكونات المجتمع. حدث كل هذا بعد أن ظن إنسان القرن الحادي والعشرين أن نمط عيشه القائم على الاستهلاك والترفيه وخوارق العولمة مكاسب محسومة، فإذا به يفاجأ بأن أي كلام عن سيطرة الإنسان على الطبيعة أو دخوله في مرحلة ما بعد التاريخ، ما هو إلا هراء وهذيان فارغ! (…).
4 ـ من كان يتخيل يوما إمكانية إغلاق المساجد في وجه المصلين ومنع الحج إلى بيت الله الحرام؟ أمر مثل هذا لم يخطر على بال أحد قبل الجائحة. لذلك، تنبه المتدينون لأول مرة في حياتهم الروحية إلى نسبية الأشياء على كوكب الأرض، بما في ذلك الشعائر والطقوس الملازمة للعبادات والبنيات الحاضنة لها. لم يخطر على بال المتدينين يوما أن تتحدى إجراءات التصدي للكوفيد المقدسات دون أي خوف من لعنة السماء. أما مفارقة المفارقات، فهي أن تتساوى في المنع المساجد والحانات على حد سواء(…).
5 ـ هل انتهى كابوس الكوفيد حتى نتكلم عنه في صيغة الماضي؟
ذهبت الجائحة وبقي المرض معنا بدون أنياب. على الأقل فقد عنصر الإثارة ودخل في طور الاعتياد. مات من مات وأفلت من أفلت، لكن الحياة تستمر. هل كان الكوفيد شرا كله؟ ألم نربح شيئا من هذه الرجة الكونية؟ بفضل الكوفيد تم تسليط الضوء على أوجه القصور في السياسات الصحية للدول بما في ذلك تلك التي كنا نعتقد حتى وقت قريب أنها متقدمة في كل شيء؛ ما نتج عنه إعادة الاعتبار للملف الصحي في السياسات العمومية لكل بلاد المعمور. بفضل الكوفيد اكتشفنا حدود التقدم البشري وأعطاب العولمة.
6ـ لو لم يكن من حسنات الجائحة إلا دفع الكوكب الأرضي إلى مراجعة حساباته وإعادة ترتيب أولوياته، لكان أحق بالثناء؛ فهل يصل بنا الأمر إلى حد توجيه كلمة شكر إلى السيد كوفيد؟
#نقطة_عودة_إلى_السطر!