كوثر بوبكار تكتب: ديكتاتورية الأتباع…. في عشق التفاهة!
أصبحت الشعبوية مرآة تعكس تكاسل الفكر وتراجع الابداع وتدهور مستواه العام ثقافيا، فنيا، اجتماعيا وسياسيا. ولماذا عناء التعب للارتقاء إن كان الجنوح الى استسهال الامور وتسفيهها يجني ثماره!. قلائل هم …
أصبحت الشعبوية مرآة تعكس تكاسل الفكر وتراجع الابداع وتدهور مستواه العام ثقافيا، فنيا، اجتماعيا وسياسيا.
ولماذا عناء التعب للارتقاء إن كان الجنوح الى استسهال الامور وتسفيهها يجني ثماره!.
قلائل هم ذوو الوعي الشاق الذين ما زالوا يحاولون الحفاظ على الذوق العام واحترام العقل النقدي.
يصل هذا التدهور ذروته في المجال السياسي، في حين يتم تغييب الايديولوجيات والبرامج من جوهر النقاشات السياسية، وتصبح المنجزات المُتباهى بها، تحيل على عقود ولت من الزمن، ويطفو على الساحة العامة، في صفحات الجرائد ووسائل التواصل… تفاهات عن الحياة الشخصية للأفراد بدل أفكار ورؤى. هنا الشعبوية، تهوي بِنَا وتعرقل مسار التقدم وتقف عقبة في وجه التطور.
التطور يبدأ بالوقوف مع الذات بصدق، ومحاسبتها وإرغامها على تحمل مسؤوليتها، ولو جزئيا، بالخروج من الرؤية السطحية الاختزالية للأشياء في نخبة فاسدة تمثل الشر، وشعب مظلوم يمثل الخير
العالم يتقدم بسرعة من حولنا، ونحن… عوض أن نستعمل عقولنا لإيجاد مخارج لنا وللوطن، أودعناها الشعبويين، يمارسون الوصاية والأستاذية عليها، لأننا منشغلون بمتابعة السخافة.
فلا غرابة إذن، أن نسمع أصواتا كثيرة ترتفع، مدعية الأحقية شبه الحصرية… للحديث باسم الشعب!
أصوات لا تتردد في إصدار أحكام قيمة مطلقة على خصومها، بدون حجة ولا وجه حق، لإزالة الأهلية عنها في تمثيل تيار فكري معاكس، كأن تدعي أن المعارضين لها خونة وعملاء، أو لصوص وفاسدون… أو أنهم عدم ولا شيء… فقط لأنهم لا ينتمون للفئة الاجتماعية أو الاقتصادية التي تحاول الانتساب إليها وتمثيلها، من فقراء وعمال، واختزال الشعب في هذه الفئة، ضد كيان فاسد تمثله نخبة مبهمة الهوية.
العاطفة هي مدخل الشعبوي الانتهازي، الذي لم يعد يحتاج لبذل جهد كبير للسيطرة على المتابعين. ولكلٍ مدخله، هناك من يعزف على وتر الدين، وهناك من يعزف على وتر اللغة، كأن هذه الاوتار حكر على فئة دون غيرها. كثرت الدكاكين، وقلت معها الحلول الواقعية. الشعبوية أصبحت أساس الخطاب عند اليمين والوسط واليسار… وصار من يدعو لتشغيل العقل ورفع الوصاية… مجرد نشاز!
مع اختلاط المفاهيم، أصبح مصطلح “ابن الشعب”، جوازا يضفي شرعية تفتح أبواب القبول عند الأتباع، وتمكن من تشكيل قطيع مغيب لعقله.
فيكتفي الشعبوي باستعمال خطاب دغمائي وهجومي على المخالف له، خطاب غضب تجاه الخصوم، مليء بالشخصنة، وبعيد عن الموضوعية والمنطق. وأصبح العامي، يستمتع بجدالات رديئة، ومبارزات منحطة بين رواد الشعبوية، كمن يتفرج في حلبة على نوع جديد من المصارعة، أزيحت عنه كل قوانين اللعبة وأسس الاحترام للاختلاف.
هنا يجب أن نتوقف لنتساءل… لماذا تلقى الرداءة والسخافة نجاحا وقبولا عند العامة؟
يقول نيتشه:
“الرداءة هي أمثل قناع يمكن أن يصنعه الذكي جداً، لأنها لا تدفع بالجماهير إلى التفكير في أن ذلك قناع فعلاً ! علماً أنه يصنعه بسببهم، ليس من أجل إثارتهم، ولكن رأفة بهم”.
الرداءة لا تعطي للمتلقي فقط انطباعا أنه أذكى وأرقى، وهذا ما يسعده لا محالة، لكنها أيضا، تبسط له المفاهيم، فيشعر أنه أحاط بكل شيء، وهذا ما يفسر جزئيا، حالة الجهل المركب المتفشية بمجتمعاتنا.
ويكفي أن يوجه ميكروفون إحدى الإذاعات لبعض المارة في الشارع، لنجد الأغلبية… ترتجل التحليل السياسي، الفكري، الكروي، بل وحتى الطبي أحيانًا، وغالبا ما تكون جملتان، كافيتين ليتضح الجهل بأبجديات التحليل أو التفكير، وليكون ذلك باديا على المتحدثين… ولكن الأدهى، هو القناعة الدفينة لديهم، أنهم ملمُّون بالموضوع، ومتمكنون منه.
العاطفة هي مدخل الشعبوي الانتهازي، الذي لم يعد يحتاج لبذل جهد كبير للسيطرة على المتابعين. ولكلٍ مدخله، هناك من يعزف على وتر الدين، وهناك من يعزف على وتر اللغة، كأن هذه الاوتار حكر على فئة دون غيرها. كثرت الدكاكين، وقلت معها الحلول الواقعية.
كل ما أعرفه عن يقين، أنني لا أعلم شيء…
حين سنصل إلى هذه القناعة، ونستخدم عقولنا لتكسير المسلمات، والبحث في دواخلنا، وفي الكون من حولنا،عن أجوبة لمشاكلنا، سنكون قد بدأنا الطريق نحو الارتقاء والتطور .
عقلك ملكك… لا تترك أحدا يتلاعب به، وكفانا لعب دور الضحية، والتواري خلف الآخرين، لتحميلهم مسؤولية واقعنا.
لا يستمد الآخر شرعيته إلا إذا تركته، وأجزت له التلاعب بعقلك ومشاعرك.
التطور يبدأ بالوقوف مع الذات بصدق، ومحاسبتها وإرغامها على تحمل مسؤوليتها، ولو جزئيا، بالخروج من الرؤية السطحية الاختزالية للأشياء في نخبة فاسدة تمثل الشر، وشعب مظلوم يمثل الخير، إلى تفكير عميق بمنهج نيتشاوي، يبحث عن جينيالوجيا الأشياء، لنفهم كيف وصلنا إلى هنا، وكيف نستطيع الخروج مما نحن عليه.
اقرأ أيضا: هشام روزاق يكتب: أخنوش ولشكر… إكشوانات زمن الكفاءة
تبسيط الأشياء الى أبيض وأسود، فيه كثير من الدوغمائية.
لن نتقدم ما لم نسترجع العقل النقدي، ونتصالح مع ذواتنا ونتقبل أخطاءنا كأفراد وكمجتمع.
“إنهم لا يفهموني، لست الفم المناسب لهذه الآذان…
أينبغي أن يُقرقِع المرء بمثلِ دوّي الطبول وخُطَب وعّاظ الكفارات، أم تراهم لا يُصدّقون سوى لجلجةِ المتلعثمين!”: – فريدريك نيتشه
ما يؤهل التفاهة حقا هو طغيان الجانب المادي الشهواني على الإنسان المعاصر ، و ليذهب غذاء الروح و العقل إلى الجحيم ..
ما يميز التفاهة و الشعبوية أنها تسعى وراء امتلاء البطون و الفروج … عندما تعرض فيلما إباحيا مقابل كتاب فالأكيد أن الأول يكتسح بدون منازع في هذا العصر ..
هذا يوضح بما لا يقبل الشك أن شماعة الدين و اللغة لا علاقة لها بالموضوع كسبب رئيس ، تلك الشماعة التي نعلق عليها دوما فشلنا و انحطاطنا تبدو سورا قصيرا لكل متفلسف مراهق برغم تقدم سنين عمره ..
ضرورة تحديد مفاهيم مثل التفاهة والرداءة والاتباع، ليتاتى منهجيا معرفة مساحة الحقل وقياسة المعايير والمؤشرات التي نلعب بها في التصور والافتراض.
لايمكن تغييب فعالية التعلم والتربية في منهجية التحليل والنقد والاستنتاج والمنطق و…..
ليس الدين واللغة دائما من العوايق امام التفاهة والرداءة.