هشام روزاق: دولة تجدد نــ(ــحــ)ــبها!!
… نعم، تموت الدولة. تموت الدولة، حين تبحث فيها عن طبيعتها… عن شكلها الهرمي المؤسِّس، فتجده قد تحول بفعل فاعل، إلى ما يشبه شبكة عنكبوت حيكت من نار وحديد وفولاذ، …
… نعم، تموت الدولة.
تموت الدولة، حين تبحث فيها عن طبيعتها… عن شكلها الهرمي المؤسِّس، فتجده قد تحول بفعل فاعل، إلى ما يشبه شبكة عنكبوت حيكت من نار وحديد وفولاذ، كي تلتف على معنى الدولة والمؤسسات والمجتمع، وكي تتحول كل حركات الفعل ورد الفعل التي كان يفترض فيها أن تسلك مسارا هرميا واضحا، شفافا ويسيرا، إلى مجموعة حركات منظمة فوضويا، حيث العلاقات الشخصية والولاءات وكل ما يتيحه معنى الفساد، تتحول إلى عقيدة، ثم تصبح العقيدة حمضا نوويا، لننتهي إلى ما يشبه المقبرة، لا حياة فيها إلا لجموع المعزين… والمنتحبين (ولا بأس هنا إن قلنا، جموع المنتخِبين بالمرة).
نعم…
تموت الدولة أحيانا، قبل أن تولد، قبل أن تراها كما حلمت بها يوما. كما انتظرتها…
تموت الدولة، حين تبحث في معناها عن المعنى، فلا تجد غير التيه. لا تجد غير العبث.
على امتداد سنوات، لم تفعل الدولة عندنا، أكثر من محاولة تأجيل إعلان الوفاة. مرة بلغات جديدة، ومرة بوجوه جديدة، لكنها ترفض إلى اليوم، أن تعترف على الأقل، أن كل لغاتها قد شاخت… وأن أحدث ما في وجوهها الجديدة… هو التجاعيد التي سكنتها رغم أنف كل عمليات التجميل… رغم أنف كل “البوطوكس”.
تموت الدولة… حين تبحث فيها عن بنيتها، عن ماهيتها، عن شكلها وطبيعتها، فتضيع (أنت) قبل أن تفهم معنى الضياع.
حين ينهار هرم المؤسسات، ليحل محله بيت عنكبوت لا مكان فيه لقاعدة أو قمة… لا مكان فيه لسلط محددة، ولا لحقوق ثابتة. لا مكان فيه لغير الحظوة والريع… تموت الدولة.
إقرأ للكاتب: بعض من كلام: هؤلاء… هم أعداء الملك
تماما كما مات مفهوم الدولة في العصر الوسيط… تموت الدولة، حين… تتحول خيراتها إلى ريع يمنح للنافذين والمحظوظين وغير المحتاجين، وحين… تصبح الحدود المفترضة بين القطاع العام والقطاع الخاص، أوهى من بيت العنكبوت نفسه.
تموت الدولة، حين تفوض معناها ودورها:
… حين تصبح مسؤولية الدولة في التعليم تفويضا معلنا وفضائحيا للقطاع الخاص،
حين تفوض الدولة قطاع الصحة للمال وأصحاب المال،
حين… تمنح الدولة كل المشترك المنتِج للثروة، لـ “خدامها” وساستها وأصحاب السلطة والنفوذ فيها…
حينها، تموت الدولة، لتقتل في طريقها كل معنى الوطن.
…على امتداد سنوات طويلة، مارست الدولة في بلدي، كل أنواع القتل الممنهج على نفسها. مارست كل أنواع الكذب على الذات، لكنها إلى اليوم، تغضب حين نقرأ على روحها السلام.
من نخب الدولة إلى نخب شريكها الأصيل في حالة الوفاة المعلنة، أي الأحزاب… لازالت كل وجوه الفشل، تتراقص في مأتم جماعي كما لو ألا أحد فينا يستطيع ترتيل بعض من ترانيم الوفاة … على الأقل احتراما للموت.
على امتداد سنوات، لم تفعل الدولة عندنا، أكثر من محاولة تأجيل إعلان الوفاة. مرة بلغات جديدة، ومرة بوجوه جديدة، لكنها ترفض إلى اليوم، أن تعترف على الأقل، أن كل لغاتها قد شاخت… وأن أحدث ما في وجوهها الجديدة… هو التجاعيد التي سكنتها رغم أنف كل عمليات التجميل… رغم أنف كل “البوطوكس”.
خرجت الدولة عندنا قبل زمن، فقالت إنها ستجدد خطابها، ففعلت دون أن تجدد الفعل؛
وقالت إنها ستجدد فهمها للسلطة، ففعلت… وتركت معنى السلطة كما هو؛
وقالت إنها ستباشر حل المشاكل والمطالب الاجتماعية في البلد، ففعلت… وتحولت الحلول إلى قفة للفقراء في رمضان، ومحافظ مدرسية للمهمشين عند كل دخول مدرسي يتسابق فيه فقراء البلد أصلا على المدارس الخصوصية عوض مدارس دولة اختفت، ويتحول فيه المحتجون إلى معتقلين ومسجونين… ويتحول فيه المرضى إلى بضاعة في يد مستشفيات خاصة تستنزف دراهمهم قبل الدم.
إقرأ أيضا: موقع الدين في نظام الحكم بالمغرب: إمارة المؤمنين، حكاية البدايات..
… ولأن تغيير الخطاب، لم يكن ليستقيم دون ألسنة جديدة، فقد جاءتنا الدولة بوجوه لازالت تتوهمها جديدة.
وجوه، صارت في النهاية، كما “الصنادل ديال الوضو ف حمام الجامع”… ليس مهما أن تكون في حالة جيدة، وليس مهما من يرتديها… المهم، أنها موجودة، وأنها تقوم بدورها: (تا يتغسلو فيهم الرجلين).
تماما كما مات مفهوم الدولة في العصر الوسيط… تموت الدولة، حين… تتحول خيراتها إلى ريع يمنح للنافذين والمحظوظين وغير المحتاجين، وحين… تصبح الحدود المفترضة بين القطاع العام والقطاع الخاص، أوهى من بيت العنكبوت نفسه.
تعالوا ننشط الذاكرة قليلا…
من المجلس الاجتماعي والاقتصادي إلى مجلس حقوق الإنسان إلى مجلس الهجرة إلى هيأة محاربة الرشوة … إلى السفراء… إلى لوائح العمال والولاة إلى الموظفين السامين …
من الذين صبغوا بألوان حزبية كي يصيروا وزراء،
إلى الذين صاروا وزراء ثم صبغوا.
من نخب الدولة إلى نخب شريكها الأصيل في حالة الوفاة المعلنة، أي الأحزاب… لازالت كل وجوه الفشل، تتراقص في مأتم جماعي كما لو ألا أحد فينا يستطيع ترتيل بعض من ترانيم الوفاة … على الأقل احتراما للموت.
… في العصور الوسطى، استطاعت الفيودالية، رغم كل شيء، أن تعوض غياب الدولة… أن تعوض ضعف الدولة بقوتها الناتجة عن هذا الضعف. استطاعت الفيودالية أن تنتج نظاما قائم الذات، عوّض ضعف الدولة حيث الدولة كانت غائبة. لكن الدولة هنا… كانت قد فهمت أنها لم تعد موجودة. فهمت… ففوضت، وانتهت… لكن…
إقرأ أيضا: حزن الظن: معركة وادي المخازن أو عندما يَصُمُّ رنين الذهب عقل التاريخ
الذي يحدث عندنا اليوم، هو في النهاية…
تفويض خارج الفهم،
تفويض دون فهم،
… تفويض مع الإمعان في تأبيد الاحتضار.
الذي يحدث عندنا اليوم، هو ببساطة، إصرار على تجديد نــ(حـ)ـب … بجثث نخبها.
… ذات زمن مضى، قال “آرثر ميلر” (Arthur Miller) في حديثه عن الموت:
“ربما… كل ما يمكن للمرء أن يفعله… هو الأمل في النهاية مع الندم الصحيح”.
ترى… هل سيصح ندمنا كما صحت كل أوهامنا؟
…وهذا بعض من كلام.
قال “عبد الجابري” : إننا نعيش ألام نزيف الولادة . أقول : لا يوجد حمل في الحقيقة ، بل حمل وهمي لذى المثقفين ذوي حسن النية . أقول في موضوع المقال : لا يوجد من يدافع عن الدولة . إننا نعيش في مساحة / رقعة تسمى دولة إفتراضيا . هذه الدولة لها شعب إفتراضي الذي يعاني من اللاهوية …..
ليس المهم هو الضياع…..المهم هو الطرق……وكان الصمت نتيجة المتاهة….شكرا لروزاق….