المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تصدر مذكرة ترافعية حول قانون المسطرة الجنائية الجديد - Marayana
×
×

المنظمة المغربية لحقوق الإنسان تصدر مذكرة ترافعية حول قانون المسطرة الجنائية الجديد

أصدرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة ترافعية حول مشروع قانون المسطرة الجنائية، مسلطة الضوء على ثغرات الإجراءات وحماية الضحايا.
المذكرة، أكدت على ضرورة ملاءمة النص مع المعايير الدولية وتعزيز آليات العدالة .

أصدرت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة ترافعية تحمل رؤية حقوقية لقانون المسطرة الجنائية رقم 03.23، المقرر دخوله حيّز التنفيذ في 8 دجنبر 2025، والذي جاء في سياق التحديات التي تواجهها السياسة الجنائية بالمغرب، والثغرات التي ظهرت مع الممارسة العملية بعد مرور أكتر من 20 سنة على صدور القانون الحالي.

المذكرة أشارت إلى ضرورة تقييم مدى استجابة المشروع لتحديات يواجهها الفاعلون في منظومة العدالة، أبرزها تحقيق توازن فعلي بين سلطة الادعاء وحقوق الدفاع، وتبسيط المساطر لرفع نجاعة الزمن القضائي. كما لفتت إلى أهمية ضمان الولوج المنصف للعدالة، وتعزيز العدالة التصالحية وآليات الوساطة والصلح، إضافة إلى توفير شروط المحاكمة العادلة وترسيخ مقومات عدالة أكثر إنسانية.

ورصدت المذكرة مدى تفاعل مشروع قانون المسطرة الجنائية مع التزامات المغرب الدولية، خاصة بعد مصادقة المملكة على اتفاقيات حقوقية تفرض إدماج مقتضيات نظام التقارير والبلاغات الفردية وتوصيات الاستعراض الدوري الشامل، والعمل على ترجمتها في السياسات والعدالة الجنائية.

أدخل مشروع القانون، حسب المذكرة الترافعية، آليات جديدة في العدالة التصالحية والتسوية البديلة، تشمل الصلح الزجري وإمكانية إيقاف الدعوى العمومية اعتماداً على الصلح، إلى جانب توسيع استعمال الأمر القضائي في بعض الجنح، مما يعكس توجهاً نحو بدائل حديثة للعقوبات السالبة للحرية وسعيًا إلى معالجة المنازعات البسيطة بفعالية أكبر.

حماية الضحايا في إطار  قانون المسطرة الجنائية الجديد

في إطار حماية الضحايا، ألزم المشروع بإحداث خلايا للتكفل بالنساء والأطفال داخل المحاكم، يُعهد إليها إدارة إجراءات الحماية في قضايا العنف والاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر ضدهما، وتعزيز دور مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة للاستماع إلى هؤلاء الضحايا، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي لهم، و تكفّل هذه الخلايا بمتابعة هذه القضايا طوال مراحل التقاضي.

بالإضافة إلى ذلك، تضمّن القانون إمكانية الإبلاغ عن جرائم العنف ضد المرأة أمام أي سلطة قضائية أو إدارية (وفقاً للمادة 43)، وليس فقط أمام النيابة العامة أو الشرطة، وهو ما يعتبر توسعاً مهماً في سبل حماية ضحايا العنف من النساء.

المذكرة أشارت إلى محدودية نطاق الآليات الجديدة، ففي حين تخصص خلايا ومكاتب لمساعدة النساء والأطفال، تم التغافل عن فئات أخرى من الضحايا، الذين قد يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي مماثل، كما لفتت إلى ضعف الموارد البشرية والمادية لهذه الآليات مقارنة بحجم المهام الموكولة إليها.

مذكرة المنظمة المغربية، اعتبرت أن المشروع لم يتضمن أي آلية عملية لتغطية نفقات العلاج أو التأهيل الطبي للضحايا أو تقديم دعم مالي يعوّض خسائرهم الناتجة عن الجريمة. هذا الفراغ التشريعين يترك الضحايا عاجزين أمام مصاريف العلاج والدعم النفسي، باستثناء إمكانية المطالبة بالتعويض عبر الدعوى المدنية فقط.

ورغم التطرق الإيجابي للتبليغ عن جرائم العنف ضد المرأة، نبهت المذكرة إلى أن هذا الإجراء يبقى معزولاً دون مقاربة نوعية شاملة، فالمنظمة لاحظت غياب أي نصوص خاصة بالنساء، سواء كضحايا أو شهود أو حتى متهمات، في مجالات أساسية مثل شروط الاستفادة من المساعدة القضائية أو إجراءات المحاكمة المغلقة أو آجال التقادم في الجرائم المرتبطة بالنوع الاجتماعي، واعتبرت أن المراجعة التشريعية لم تُوفّر فرصة لتعزيز مبدأ المساواة بين الجنسين (المذكور في الدستور) أو للانسجام مع معاهدات دولية، خاصة في ما يتعلق بحماية النساء والفتيات من العنف والتمييز.

ملاحظات المذكرة حول مشروع القانون الجديد

أوردت المذكرة الحقوقية عدة ملاحظات على المشروع فيما يخص الرقمنة والإجراءات التقنية، حيث اعتبرت أن المشروع نص في مقدمته على الرقمنة الشاملة للإجراءات القضائية، لكنه، في ذات الوقت، يظل يعتمد آليات ورقية تقليدية، وبحسب المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، يثير هذا التناقض استمرارية ازدواجية لا مبرر لها بين التسجيل اليدوي والرقمي، مما يحدّ من فعالية العدالة الجنائية ويضعف جودة التوثيق.

من جهة أخرى، ركّزت المذكرة على مآخذ منهجية وتنظيمية، فقد لفتت الانتباه إلى أن نسبة التعديلات المقترحة ضخمة جداً؛ إذ يشمل المشروع تعديل 421 مادة، وترى المنظمة أن هذا النطاق يجعل المراجعة أشبه بإصدار قانون جديد، وأشارت إلى مخاطر ثقل حجم التعديلات على تماسك النص القانوني وإمكانية تناقض الصياغات، وذلك ضمانًا للانسجام التشريعي وتفادي الارتباك على مستوى التطبيق.

في هذا السياق، اعتبرت أن اختيار أسلوب “التعديل والتتميم” بدلاً من سنّ قانون مستقل قد يؤدي إلى اضطراب تشريعي يصعب على القضاة والمحامين والمواطن فهمه وتطبيقه، ووصفت ذلك بأنّ التعديلات بهذا الحجم “لا يمكن اعتبارها إصلاحاً جزئياً أو تقنيا” بل مراجعة شاملة تستحق قانوناً كاملاً جديداً.

وأضافت المذكرة انتقادات شكلية، أبرزها اعتماد الكثير من الإحالات إلى نصوص تنظيمية دون توقيت واضح لإصدارها أو تطبيقها، فنصّ المشروع على ارتباط دخول العديد من المقتضيات حيز التنفيذ بنصوص تنظيمية لاحقة، لكنه لم يُلزم السلطات بإصدار هذه النصوص في آجال زمنية محددة.

المذكرة حذرت من أن غياب هذه الآجال الملزمة قد يعرقل تطبيق القانون ويجعل أحكاماً أساسية “معلقة” غير محسومة، كذلك نبهت إلى مشكلة خاصة في المادة 66-3، المتعلقة بالتسجيلات السمعية البصرية، التي ربط تفعيلها بصدور نص تنظيمي مع مهلة خمس سنوات إضافية، ما قد يُفضي في المحصلة إلى تعطيل تنفيذ مقتضيات حيوية من شأنها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق المشتبه فيهم، وصيانة كرامة الأشخاص الموقوفين.

وتطرقت المذكرة أيضاً إلى بعض الإشكالات الكبرى، فقد لاحظت وجود قصور في آليات مكافحة الفساد والجرائم المالية في مشروع القانون، واعتبرت أن القانون يضيّق هامش دور المجتمع المدني بتقليص إمكانيات المنظمات للانخراط كطرف مدني في القضايا الزجرية.

في مذكرتها، دعت المنظمة إلى ضرورة معالجة هذه الملاحظات قبل تعميم العمل بالقانون، بهدف إصدار نص قانوني جديد متكامل للمسطرة الجنائية، بدلاً من الاكتفاء بتعديل القانون القديم، لضمان تناسق المبادئ الكبرى للعدالة الجنائية مع آلياتها الإجرائية، كما شددت على ربط التعديلات بتقييمات موضوعية ومشاركة موسّعة لجميع الفاعلين، وملاءمة التشريع مع المعايير الدستورية والدولية، وبتوفير الوقت والإجراءات اللازمة لتفعيل جميع مضمونه.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *