تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مروان بن الحكم: الطريد وابن طريد المدينة (الجزء 10)
مروان بن الحكم، نموذج آخر لخلافة بدأت بالدم، وانتهت بالقتل.
خليفة، بدأ عهده بقتل خصومه ومعارضيه، وعين اثنين من أبنائه لولاية العهد بعده، كي لا يخرج الحكم من نسله… وانتهى قتيلا على يد زوجة تعمد إهانتها كي لا ينافسه ابنها على السلطة.

آخر شيوخ قريش، وعميد المكائد والفساد بكل ألوانه، منذ عهد عثمان. وخليفة المؤمنين في الزمن بدل الضائع.
من هو مروان
مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي بن أمية، وهو ابن الحكم بن أبي العاص، عم عثمان، الذي لقب بـ “الشجرة الملعونة”، والذي كيل له ركام رهيب من الأحاديث، عن تلصصه على النبي في لحظات حميمية، والتهكم على مشيته وحركاته، ونقل أحاديثه إلى قريش، مما أدى به إلى نفيه للطائف. قبل أن يعيده عثمان إلى المدينة بعد وفاة الرسول.
كان عمر مروان عند وفاة الرسول “ثمان سنين، ولم يحفظ عنه شيئاً”.
وقد قيل إنه كان “يتتبع قضاء عمر”.
حين تولى عثمان الخلافة، عينه كاتبا خاصا، وكان “إليه الخاتم، فخانه، وأجلبوا بسببه على عثمان، ثم نجا هو”. والمقصود بالخيانة، الكتاب الذي بعث عثمان إلى المصريين بأن يقتلوا محمدا بن أبي بكر، والذي ضبط مع أحد مواليه قبل وصوله.
والراوي هنا ينتقي الكرز. ففساد عثمان الذي مشت بذكره الركبان، لم يكن مروان إلا أحد مظاهره، عدا عن كون تسليم الخليفة خاتمه الخاص به، لكاتبه، يعتبر تسيبا لا يمكن أخذ غيره بجريرته.
ولما حوصر عثمان في بيته، قاتل مروان “قتالا شديدا”، لم يغن شيئا أمام كثرة وقوة الخارجين على عثمان.
بعدها طُرد مروان، مثل أبيه من المدينة، فانضم إلى جمهرة المطالبين برأس علي، مقابل دم عثمان، فكانت وقعة الجمل، حيث سار مع طلحة والزبير وعائشة، لكنه انقلب على طلحة لما أيقن بأن الأخير ندم على سعيه وقرر الانسحاب، “فقَتل طلحة يوم الجمل، ونجا، لا نجي”، يعلق الذهبي.
ثم توارى، “إلى أن أُخذ له الأمان من علي، فأتاه فبايعه ثم انصرف إلى المدينة، فلم يزل بها حتى ولي معاوية”، فولاه المدينة غير مرة، وأقطعه أرض فدك (التي سبق للخليفة أبي بكر أن أبى عليها فاطمة، أم البنين، بدعوى أن الأنبياء لا يورثون) “فوهبها مروان ابنيه عبد الملك وعبد العزيز”.
وحين تولى يزيد بن معاوية الخلافة بعد أبيه، وبعث مسلم بن عقبة، يوم الحرة، كان مروان بجواره “يحرضه على قتال أهل المدينة”، انتقاما منهم، لأنهم أخرجوه من المدينة، فعاد معه و“ظفر بأهل المدينة، فانتهبها ثلاثا، وقدم على يزيد فشكر له ذلك”.
كيف ولي الخلافة
بعد وفاة يزيد بن معاوية، كانت الفتنة ما زالت في أوجها. حيث كان الضحاك بن قيس أميرا على دمشق، وكان عبد الله بن الزبير أميرا على الحجاز والعراق واليمن وخراسان وأكثر الشام، فكان لا بد أن يبدأ من الأقل قوة، وهو الضحاك. حيث “أقبل مروان، وانضم إليه بنو أمية وغيرهم، وحارب الضحاك الفهري، فقتله، وأخذ دمشق، ثم مصر، ودعا بالخلافة”.
وبعد وفاة معاوية بن يزيد، تدعي الروايات أن مروان كان عازما على مبايعة ابن الزبير لكن ذويه من بني أمية نصحوه بالعدول عن ذلك “وحذروه من دخول سلطان ابن الزبير وملكه إلى الشام، وقالوا له: أنت شيخ قريش وسيدها، فأنت أحق بهذا الأمر. فرجع عن البيعة لابن الزبير” والتف الجميع في النهاية “مع قومه بني أمية ومع أهل اليمن على مروان” أضف إلى ذلك أن الكثير ممن كانوا مع الزبير انقلبوا عليه، خوفا على مصالحهم، أو اتقاء لأذية الأمويين، فسار “مروان بجيوشه إلى مصر” سنة خمسة وستين، وحاربهم هناك، “وضرب مروان عنق ثمانين رجلاً تخلفوا عن مبايعته”، وولى عليها ابنه عبد العزيز “واستقام الامر لمروان” في النهاية، وبعد أن تخلص من منافسين آخرين، مثل سليمان بن صرد في موقعة (عين وردة)، والذي “حُمل رأسه ورأس المسيب بن نجية إلى مروان بن الحكم بعد الوقعة”. وعلق مروان الرأسين بدمشق.
لاحظ أن الجميع مسلمون.
بالصدفة البحثة نعثر على خليفة سقط سهوا من قائمة الخلفاء المعتمدة لدى الجميع. يتعلق الأمر بالمسمى “حسان بن مالك (..) سليمان الكلبي، أمير العرب (..) وهو الذي شد من مروان بن الحكم، وبايعه. قال الكلبي: سلموا بالخلافة على حسان أربعين ليلة، ثم سلم الأمر إلى مروان”.
إنجازاته
غير جمل إنشائية يمكن للقارئ الاطلاع عليها في المواقع المتخصصة في تجميل صور الخلفاء، يورد الزركلي أن مروان “أول من ضرب الدنانير الشامية وكتب عليها (قل هو الله أحد)”. لكن كل المراجع الأخرى تؤكد أن هذا الإنجاز كان لابنه عبد الملك.
تولية بالجملة
في نفس السنة التي “عض” فيها مروان، أمر “أهل الشام بعقد البيعة لابنيه عبد الملك وعبد العزيز وجعلهما وليي عهده”. فإن كان معاوية وابنه يزيد قد وليا ابنيهما البكر على التوالي، فقد بادر مروان إلى تولية ولديه عبد الملك وعبد العزيز دفعة واحدة، حتى يضمن بقاء السلطة في نسله أطول مدة ممكنة.
ورغم أن أمر تولية الأبناء لم يعد الآن محتاجا إلى تبرير، فقد حاول ابن الأثير أن يسوغ أمر تولية مروان لابنيه، إذ يعزو ذلك إلى أن عمرو بن سعيد ابن العاص، كان يقول: “إن الأمر لي بعد مروان، فدعا مروان حسان بن مالك بن بحدل فأخبره أنه يريد أن يبايع لابنيه (..) فلما اجتمع الناس عند مروان عشيا، قام حسان فقال: إنه قد بلغنا أن رجالا يتمنون أماني، قوموا فبايعوا لعبد الملك وعبد العزيز من بعده، فبايعوا عن آخرهم”.
لا حاجة طبعا، لأن يوضح لنا الراوي، كيف بايعوه.. عن آخرهم.
وفاته
كان المفروض، حسب منطق مروان نفسه، أن يتولى الخلافة بعد معاوية بن يزيد، أخوه خالد، لكن يبدو أن الأخير أبى الزج بنفسه في أتون الفتنة المدمرة تلك، وانصرف إلى دراسة العلوم والأدب. لكنه، ودون قصد منه، كان السبب المباشر في هلاك مروان.
تقول الرواية إن مروان تزوج أم خالد “حتى يصغر شأنه فلا يطلب الخلافة”. ثم إن خالدا دخل “يوما على مروان، وعنده جماعة، وهو يمشي بين صفين، فقال مروان: والله إنك لأحمق! تعال يا ابن الرطبة الإست (المؤخرة)! يقصر به ليسقطه من أعين أهل الشام”. أخبر خالد أمه بالواقعة “فقالت له: لا يعلمن ذلك منك إلا أنا، أنا أكفيكه”. بعدها بات مروان إحدى الليالي ببيتها، ولما غط في النوم “غطته بوسادة حتى قتلته”.
وفي رواية أخرى “حانت القائلة، فنام عندها، فوثبت هي وجواريها فغلقن الأبواب على مروان، ثم عمدت إلى وسادة فوضعتها على وجهه، فلم تزل هي وجواريها يغممنه حتى مات. ثم قامت فشقت جيبها وأمرت جواريها وخدمها فشققن وصحن وقلن: مات أمير المؤمنين فجأة”.
ويقال “بل سقته شربة لبن مسموم فقتلته”.
وطبعا، “أراد عبد الملك قتل أم خالد، فقيل له: يظهر عند الخلق أن امرأة قتلت أباك، فتركها”.
هكذا كانت نهاية مروان الخليفة، “وكانت ولايته على الشام ومصر لم يعد ذلك ثمانية أشهر. وقيل: ستة أشهر”. وقيل “تسعة أشهر وعشرة أيام”.
هذا الحديث
– قال مروان: “قرأت كتاب الله من أربعين سنة، ثم أصبحت فيما أنا فيه من هرق الدماء وهذا الشأن” والعجيب أن لا أحد ممن أوردوا هذه العبارة، اعترض على مضمونها أو حاول حتى تفسيرها بغير المعنى المباشر الذي تحيل عليه، وهو أن من تفقه جيدا في كتاب الله يصير دمويا!؟
المراجع: الأعلام للزركلي. البداية والنهاية لابن كثير. الكامل في التاريخ لابن الأثير. المنتظم لابن الجوزي. أنساب الأشراف للبلاذري. تاريخ الإسلام للذهبي. تاريخ الطبري. سبل الهدى للشامي. سير أعلام النبلاء للذهبي
لقراءة الجزء الأول: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مقدمة لابد منها
لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية أبي بكر الصديق
لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب
لقراءة الجزء الرابع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عمر بن الخطاب، من توسع الخلافة إلى الاغتيال
لقراءة الجزء الخامس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عثمان بن عفان: الولاية والنهاية
لقراءة الجزء السادس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: علي بن أبي طالب… الإمامة وبداية الفتنة
لقراءة الجزء السابع:تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الحسن بن علي… صفقة الحكم
لقراءة الجزء الثامن: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: معاوية بن أبي سفيان… الملك العاض
لقراءة الجزء التاسع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة… معاوية بن يزيد: خليفة ضد الخلافة
لقراءة الجزء العاشر: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: يزيد بن معاوية… الخليفة الذي أحرق الكعبة



