جواد الشفدي لمرايانا: للشباب دور حاسم في دعم التنمية، ولا يمكن إعادة بناء الثقة في الشباب إلا بتشابك كل الأطراف المعنية.
تشكل فئة الشباب أساس التطور الحضاري منذ القدم، كونها السواعد القوية التي تنهض بها الأمم، والطاقة القادرة على الانتاج والوصول إلى الرقي المجتمعي من أجل تحقيق التنمية الشاملة.
لذلك، راهنت مجموعة من الدول على الاستمثار في هذا العنصر البشري، تكوينا وتأطيرا وتأهيلا ومشاركة في العملية التنموية.
لم يخرج المغرب عن هذا الإطار، إذ عَمل على محاولة تسطير برامج سياسية ومُجتمعية تنهضُ بهذه الفئة وتجعلها في صلب الاهتمام، غير أن هناك مجموعة من التحديات والاشكالات التي تعاني منها هذه الفئة خاصة في ما يتعلق  بالبطالة وبرامج التكوين والتأهيل…
تشكل فئة الشباب في أية دولة رافعة أساسية والعمود الفقري للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة لحاضر الدولة ومستقبلها، لما لهذه الفئة من وزن مؤثر على المستوى الديمغرافي، ما يجعلها في قلب العملية التنموية.
رافعة أساسية، حث الدستور المغربي سنة 2011 على تأهيليها وتكوينها وتأطيرها، وفتح أبواب مشاركتها في الحياة العامة في شتى مجالاتها وميادينها.
توجيهات يبدو أنها لم تجد بعد طريقها إلى التنزيل العملي على أرض الواقع، باعتبار أن الكثير من المعطيات تحيل على أن الأغلبية الساحقة من الشباب غير راضية عن شروط حياتها، وعن ظروف تكوينها وتأهيليها، وهو الشيء الذي تؤكده مجموعة من الاحصائيات الوطنية والدولية حول وضعية هذه الفئة في المغرب.
وضعية تجعلنا نسائل جواد الشفدي، رئيس المرصد المغربي للمشاركة السياسية، حول مدى اهتمام السياسات العمومية بفئة الشباب، إضافة إلى الآليات والاجراءت التي يمكن من خلال إعادة الثقة في هذه الفئة.
- كيف ترون العلاقة بين الشباب والتنمية بشكل عام؟
 
يمكن للشباب المغربي أن يضطلع بدور حاسم في دعم التنمية والإقتصاد، لكونهم يمتلكون روح الابتكار والريادة التي يمكن أن تسهم في تحفيز النمو الاقتصادي والاجتماعي، بالرغم من معاناتهم من تحديات البطالة والفساد والتهميش.
لتحفيز دور الشباب في التنمية، على الفاعل السياسي التركيز على تطوير التعليم والتكوين، ودعم الابتكار والريادة، وتحسين فرص العمل، وتعزيز الاندماج الاجتماعي، وذلك للإسهام في تقليل معدل البطالة بين الشباب، وتحفيز النمو الاقتصادي وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المغرب.
- تقرير النموذج التنموي أكد وخرج بتوصيات هامة حول أولوية تكوين وتأطير وتأهيل الشباب. في نظركم، هل أخذت السياسات العمومية هذه التوصيات على محمل الجد؟
 
احترمت السياسات العمومية بالمغرب، إلى حد معقول، بعض توصيات تقرير النموذج التنموي والمتعلقة بتكوين وتأطير وتأهيل الشباب. حيث تم تعزيز التعليم والتدريب المهني من خلال إنشاء برامج تدريب وتأهيل الشباب في مختلف المجالات. كما تم دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير التمويل والتدريب اللازمين.
مع ذلك، هناك بعض التحديات والصعوبات التي لا تزال تعيق تطبيق هذه التوصيات بشكل كامل، حيث أن البطالة بين الشباب لا تزال معضلة حادة في بلادنا، إذ يفوق معدل البطالة بين الشباب الـ 30%. كما أن الفجوة بين التعليم والتكوين ومتطلبات سوق العمل لا تزال شاسعة، مما يؤدي إلى صعوبة إيجاد فرص شغل مناسبة للشباب.
ويبدو أن هناك حاجة إلى مزيد من الجهود والاستثمارات في مجالات تكوين وتأطير وتأهيل الشباب، لضمان تطبيق توصيات تقرير النموذج التنموي بشكل كامل وكافي. كما أن الحكومة المغربية والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين عليهم العمل معًا لتحقيق هذا الهدف، من خلال توفير التمويل والتدريب اللازمين، وتعزيز التعليم والتدريب المهني، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم.
- “الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها”، أبرزت في تقرير لها أن الشباب هم الفئة الأقل ثقة في المؤسسات… معدل البطالة في صفوف الشباب وصل إلى 39.5٪ حسب المندوبية السامية للتخطيط… إحصائيات تُظهر تفاوتا كبيرا بين الواقع والمُنتظر من هذه الفئة. كيف يمكن إعادة بناء الثقة في هذه الفئة وإشراكها في عجلة التنمية؟
 
إعادة بناء الثقة في الشباب وإشراكهم في عجلة التنمية يتطلب جهودًا متعددة ومستدامة، ولن نتمكن من الوصول إلى مستوى تعزيز فرص العمل للشباب إلاّ من خلال برامج التدريب والتكوين، وتوفير فرص عمل مناسبة لمهاراتهم وتأهيلهم، مما يمكن أن يسهم في إعادة بناء الثقة.
كما أن تعزيز المشاركة السياسية للشباب وتوفير الفرص لهم للمشاركة في الانتخابات والأنشطة السياسية الأخرى، يمكن أن يسهم في إشراكهم في عجلة التنمية. وهنا، أحمل المسؤولية كاملة للأحزاب السياسية وأُسَائِلُها عن مدى احترامها للديمقراطية الداخلية وتمكينها لشباب ونساء هذه الأحزاب من مناصب المسؤولية!
بالإضافة إلى أن تحسين الخدمات العامة التي يستفيد منها الشباب، كالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية، يمكن أن يسهم في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
كما أن دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يملكها الشباب، وتوفير فرص للتمويل والتكوين، يمكن أن يسهم في إشراكهم في عجلة التنمية، وتشجيعهم على المشاركة المجتمعية، وتوفير فرص لهم للانخراط في الأنشطة المجتمعية والخيرية، مما سيمكنهم من الإسهام في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
يمكن القول أن إعادة بناء الثقة في الشباب وإشراكهم في عجلة التنمية يتطلب تعاونًا وتشبيكًا بين مختلف الأطراف المعنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني والشباب أنفسهم.
- ربما من بين الحلول، كما ذكرتم، من أجل إعادة الثقة في هذه الفئة إشراك الشباب في العملية السياسية، أو بمعنى آخر تشبيب العمل السياسي. ألن نخشَ على الشباب من سطوة الزعامات التاريخية؟
 
إشراك الشباب في العمل السياسي يعتبر خطوة جوهرية لتعزيز الديمقراطية وتطوير السياسات العامة، لأن تواجدهم في عملية اتخاذ القرار يمكن أن يضمن تمثيل مصالح الأجيال القادمة، مما يحقق استدامة أكبر في السياسة. مع ذلك، يواجه الشباب تحديات كبيرة، حيث يمكن أن يجدوا أنفسهم تحت تأثير الزعامات التاريخية التي التصقت بالكراسي! هذا التأثير قد يعيق قدرتهم على اتخاذ قرارات مستقلة والمساهمة بفعالية في العمليات السياسية.
لحماية الشباب سياسيًا من سطوة الزعامات التاريخية، يتعين على الأحزاب السياسية توفير برامج تكوين تهدف إلى تعزيز مهارات القيادة والوعي السياسي لدى الشباب، كما أن إنشاء منصات تمثيلية لهم، يمكن أن يسهل مناقشة أفكارهم واهتماماتهم بشكل مباشر. كما يجب تحفيز وتشجيع الشباب على التفاعل مع القضايا الاجتماعية التي تؤثر على حياتهم، كقضايا التعليم والبيئة والبطالة، لأن فهمهم لأهمية حقوقهم ومصالحهم يمكن أن يعزز من قدرتهم على المشاركة بفاعلية في العملية السياسية.
يمكن اعتبار تشبيب العمل السياسي ببلادنا ضرورة ملحة، ويحتاج إلى تخطيط ورؤية واضحة لضمان عدم تهميش الشباب أمام الزعامات التقليدية، وبالتالي بناء مستقبل سياسي أكثر استدامة وشمولية.
			
											



