بعد احتجاجات جيل ” Z “: التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2026 وأولويات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.
في عُمق التفاعل مع نبض الشارع عقب احتاجات “جيل Z”، خصص المجلس الوزاري يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية برسم سنة 2026، في أفق تجسيد رؤية “المغرب الصاعد”، التي تقوم أساسا على العدالة الاجتماعية وتحقيق التنمية المجالية.
المجلس حدد التوجهات العامة التي عبَّر عنها المواطنون، والتي تهم أساسا تخليق الحياة السياسية، والتشديد على إصلاحات جذرية وملموسة في قطاعي الصحة والتعليم، وكذا الانتقال نحو تحول اقتصادي مؤسسي وهيلكي.
بَعد الاحتجاجات التي عَرفها الشارع المغربي فيما سُمي بـ “احتجاجات جيل Z“، كان مِن المُنتظر أن يَشهد مشروع قانون المالية لسنة 2026 مُحاولة للاستجابة للمطالب الاجتماعية الكبرى التي عبر عنها المواطنون، والتي تشملُ خصوصا؛ الصحة والتعليم ومحاربة الفساد.
نبضُ الشارع هذا، تفاعل معهُ الديوان الملكي عَقب اجتماع وزاري ترأسه الملك محمد السادس يوم الأحد 19 أكتوبر 2025، خٌصص للتداول في التوجهات الكُبرى والعامة لمشروع قانون المالية برسم سنة 2026، علاوة على المصادقة على مشاريع قوانين تنظيمية.
تَوجهات كُبرى شملت، أساسا، رسَم خريطة طريق الحكومة الحالية والحُكومات المُقبلة، من خلال التركيز على البُعد الاجتماعي والسياسي والأخلاقي (تخليق الحياة السياسية) والاقتصادي.
مشروع قانون المالية 2026، حسب ما جاء في بلاغ الديوان الملكي، يقوم على أربع أولويات كبرى:
- توطيد المكتسبات الاقتصادية لتعزيز مكانة بلادنا ضمن الدول الصاعدة: من خلال تحفيز الاستثمارات الخاصة، سواء منها الوطنية أو الأجنبية، والإسراع بالتنزيل الفعال لميثاق الاستثمار، وتفعيل عرض المغرب للهيدروجين الأخضر والتحسين المستمر لجاذبية مناخ الأعمال، وتقوية الشراكة المبتكرة بين القطاعين العام والخاص، وتنويع مصادر تمويل الاقتصاد.
وسيتم، كذلك، إيلاء عناية خاصة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، مع تكثيف الجهود لإدماج الشباب والنساء في عالم الشغل، وكذا تقليص آثار الجفاف على التشغيل بالمجال القروي، بالإضافة إلى برنامج دعم مربي الماشية وإعادة تشكيل القطيع الوطني.
- إطلاق جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة: من خلال التركيز على ترصيد الخصوصيات المحلية، وتعزيز الجهوية المتقدمة، وعلى مبدأ التضامن بين المجالات الترابية. وسيتم إعدادها بناء على تشاور موسع مع مختلف الفاعلين المعنيين على المستوى الترابي، مع إعطاء الأولوية لإحداث مناصب الشغل للشباب، والدعم الفعلي لقطاعات التربية والتعليم والصحة، إضافة إلى التأهيل المجالي.
بذلك، سيتم التركيز خلال سنة 2026، على تعزيز المجهود الميزانياتي المخصص لقطاعي الصحة والتربية الوطنية، ليصل إلى غلاف مالي يقدر بـ 140 مليار درهم، إضافة إلى إحداث أزيد من 27.000 منصب مالي لفائدة القطاعين.
- مواصلة توطيد أسس الدولة الاجتماعية: من خلال مواصلة تنزيل الورش الملكي لتعميم الحماية الاجتماعية، ومواصلة تفعيل برنامج الدعم الاجتماعي المباشر لفائدة 4 ملايين أسرة، مع الرفع من القيمية الشهرية لإعانات الأطفال بمبالغ تتراوح بين 50 و100 درهم لكل طفل من الأطفال الثلاثة الأوائل، مع تفعيل الإعانة الخاصة بالأطفال اليتامى والأطفال المهملين نزلاء مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
- مواصلة الإصلاحات الهيكلية الكبرى والحفاظ على توازنات المالية العمومية، كما سيتم الحرص على التسريع بإصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، من خلال إعادة هيكلة المحفظة العمومية، وتحسين مردوديتها، علاوة على مواصلة إصلاح المنظومة القضائية وتحديثها، بهدف تقريب العدالة من المواطنين، وتعزيز جاذبية مناخ الأعمال.
المجلس الوزاري شمل المصادقة على مشاريع قوانين تنظيمية تخص مجلس النواب والأحزاب السياسية، من أجل إصلاح سياسي يروم تجديد النخب وتوطيد ثقافة مؤسساتية نزيهة، حيث يهدفُ القانون المتعلق بمجلس النواب إلى تخليق الحياة السياسية، وضمان سلامة الاستحقاقات المقبلة، وإفراز نخب تحظى بالشرعية والثقة، عبر تحصين الولوج إلى المؤسسة النيابية في وجه كل من صدرت في حقه أحكام يترتب عليها فقدان الأهلية الانتخابية.
مع اعتماد الحزم اللازم لاستبعاد كل من تم ضبطه في حالة التلبس بارتكاب أي جريمة تمس بسلامة العمليات الانتخابية، علاوة على تشديد العقوبات المقررة لردع كل المحاولات التي تستهدفُ سلامة العمليات الانتخابية في جميع أطوارها.
في ما يخص مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، فيهدفُ بالأساس إلى تطوير إطار القانون المنظم لها، ووضع القواعد المساعدة لتعزيز مشاركة النساء والشباب في عملية تأسيس الأحزاب، وتحسين حكامتها، وضبط ماليتها وحساباتها، في أفق تأهيل العمل الحزبي.
نحو ترسيخ العدالة الاجتماعية ودولة المؤسسات
عبد الإله طلوع، باحث في العلوم السياسية، اعتبر أن مُخرجات المجلس الوزاري، جاءت لتؤكد مرة أخرى على الطابع الاستراتيجي للتخطيط المالي والسياسي في المغرب.
يضيف المتحدث في تصريح خص به مرايانا: “المجلس لم يقتصر على عرض مشروع قانون المالية لسنة 2026، بل تضمن أيضا إصلاحات مؤسساتية وتنظيمية كبرى تهم البنية السياسية، والقانونية، والعسكرية، والاجتماعية“.
هذه المخرجات، وفق الباحث في العلوم السياسية، تُبرز توازنا بين الاستمرارية في النهج الإصلاحي، والابتكار في المقاربة التنموية من خلال رؤية “المغرب الصاعد”، كما تعكس الإرادة الملكية في ترسيخ العدالة المجالية والاجتماعية، وتعزيز دولة المؤسسات عبر تحديث القوانين التنظيمية، ومأسسة الحكامة الجيدة.
وشدد المُتدخل على أن هذه المخرجات تشكل نقلة نوعية متعددة الأبعاد؛ فعلى المستوى الاقتصادي، يشير المجلس إلى توجه واضح نحو تثبيت مكانة المغرب ضمن الدول الصاعدة من خلال تحفيز الاستثمار الخاص، وتفعيل ميثاق الاستثمار، وتطوير الهيدروجين الأخضر، وهو ما يترجم انتقالا نحو اقتصاد تنافسي ومتنوع.
على المستوى الاجتماعي، حسب عبد الإله طلوع، فإن مضاعفة الجهود في قطاعات الصحة والتعليم، وتوسيع الحماية الاجتماعية لفائدة أربعة ملايين أسرة، تمثل خطوة حاسمة نحو تكريس الدولة الاجتماعية. وعلى المستوى السياسي، فإن مراجعة القوانين التنظيمية لمجلس النواب والأحزاب تفتح آفاقا جديدة لتخليق الحياة السياسية، وتمكين الشباب والنساء، بما يعزز الديمقراطية التشاركية. إنها مقاربة شمولية تعكس إرادة ملكية لإعادة هيكلة الدولة المغربية في اتجاه العدالة، والمواطنة الفاعلة، والتنمية المتوازنة.
من جانبه، حدد عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية، مهام المجلس الوزاري في وظيفتين؛ تشملُ الأولى تحديد التوجهات الكبرى خصوصا السياسات العامة. ووظيفة ثانية تدخلية وتصحيحية وهو ما ظهر في مخرجات هذا المجلس المعبر عنها في بلاغ الديوان الملكي.
يظهر جليا، حسب المتحدث، ظهور هاتين الوظيفتين والتي تعكسُ تفاعلا مع مطالب الشارع المعبر عنها أساسا من خلال احتاجات “جيل Z”.
 
			 
											 
 
 
 
   
   
  
