“قضية المهدي بن بركة: نهاية الأسرار”… كتاب فرنسي يقدم رواية جديدة في اغتيال يستعصي على الموت - Marayana
×
×

“قضية المهدي بن بركة: نهاية الأسرار”… كتاب فرنسي يقدم رواية جديدة في اغتيال يستعصي على الموت

بعد ستة عُقود من الضبابية والألغاز التي عرفها ملف اختطاف واغتيال المُناضل المغربي المهدي بن بركة، في باريس سنة 1965، يعود هذا الملف إلى الظهور بقوة، عبر كتاب يصدر يوم 29 أكتوبر 2025، يحملُ عنوان “قضية بن بركة: نهاية الأسرار” للصحفيين “ستيفن سميث”، و”رونين بيرغمان” عن دار غراسي الفرنسية.
الكتاب الذي يقعُ في 576 صفحة، ربما سيُنتظر منهُ أن يُجيب عن سؤالين بارزين: كيف تم الاغتيال؟ وما هي الأطراف المسؤولة؟
فهل يكون الكتاب حقا نهاية للأسرار وكشفا لها؟ أم ان الأمر في النهاية، مجرد رواية جديدة… في انتظار كل الحقيقة.

في الـ29 من أكتوبر 2025، تحلُّ الذكرى الستون لاغتيال المهدي بن بركة.

هذه الذكرى لن تَمُّر كسابقاتها، لن تكُون مُجرد تخليد لذكرى رَجل ارتبط اغتيالهُ بالصمت والألغاز. هذه المرة، ستحملُ معها مُستجدات نوعية وجديدة معَ ترقب صدور كتاب في نفس اليوم بعـنوان “قضية بن بركة: نهاية الأسرار”، من تأليف الصحفيين الاستقصائيين ستيفن سميث ورونين بيرغمان، الصادر عن دار غراسي.

مُنذ اختطاف المهدي بن بركة أمام مقهى ليب في 29 أكتوبر 1965، ظل ملف الرجل لغزا يربطُ بين أجهزة الأمن المغربية والتواطئ الفرنسي. غير أن الكتابَ يحملُ مُستجدات جديدة استنادا إلى أرشيفات سرية… أرشيفات تكشفُ عن تفاصيل تورط ودور الموساد الإسرائيلي. دور ظل، في الكثير من الأحيان، قرين فرضيات وأقاويل وروايات استبعدته أحيانا وأشارت إليه بكثير من تحفظ في أحيان أخرى.

دار النشر غراسي أوردت في تقديمها للكتاب: “بينما لم نعد نجرؤ على الأمل في فك أسرار جريمة الدولة هذه، تسمحُ وثائق غير منشورة بالكشف عن تفاصيل وخفايا قضية بن بركة… قصة إثارة جيوسياسية، وتاريخ لأجهزة مخابرات في خضم الحرب الباردة، وعملاء سريين ومجرمين فرنسيين، وبيوت دعارة وخزائن كان من المقرر أن يبقى فيها ما لا يمكن البوحُ به مغلقا”.

من جانبها، اعتبرت جريدة “لوموند” في مقال لها، أن الكتاب الذي يقعُ في 576 صفحة، يعد على الأرجح الأكثر شمولا من بين جميع الكتب التي تناولت الموضوع.

هي إذن جريمة مُركبة، ويُمكن القول إنها جريمة دول: جهاز المخابرات المغربي الذي نفذّ العملية، والموساد الذي سهلها وشارك فيها عبر عملية سرية، ثم السلطة الفرنسية التي تواطأت بالصمت والتغطية.

الاغتيال… بين إسرائيل والمغرب؟

الكتاب يشير، من جانب آخر، إلى الأسباب التي دعت إسرائيل، عبر الموساد، للدخول في هذه العملية.

في سبتمبر 1965، عُقدت قمة جامعة الدول العربية في الدار البيضاء وناقشت، في شق منها، استراتيجية العمل المسلح ضد إسرائيل، وفصّل القادة العرب قدراتهم العسكرية. في تلك اللحظة، حسب هذه الرواية، كانت هُناك ميكروفونات سجلت محادثاتهم. لكن، لحصول إسرائيل على هذه التسجيلات، كان هناك ثمن يجب ان يدفع كمقابل، وهو المشاركة في القضاء على بن بركة.

علما أن الملك الراحل الحسن الثاني كان قد نفى بشكل قاطع أية علاقة لهُ في اغتيال المهدي بن بركة، مشيرا إلى أنه، رغم الاختلافات السياسية، يظلُ بن بركة شخصا مقربا منه ومرتبطا به.

الدليمي في الواجهة…

مُقتطفات مقتبسة من  الكتاب، تشيرُ إلى أنّهُ… بعد أربعة أيام على اختطاف المهدي بن بركة، وتحديدا يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 1965، قام عميل للموساد، يُعرفُ بالاسم المستعار “أتار“، باقتناء أدوات ومواد كيميائية في باريس، عبر متاجر لبيع الأدوات الصغيرة في الأحياء، مع حرصه على عدم لفت الانتباه، قبل أن يتوجه إلى متجر (Inno-B.J)، وهو الأول حينها في بيع الأغذية والملابس والأدوات.

أدوات شَملت مجارف قصيرة، ومصباح، ومفك براغي، وخمسة عشر عبوة من هيدروكسيد الصوديوم، المعروف بقوته الهائلة على حرق الجلد، تم وضعُها في مخبأ مستأجر في سان كلو، غرب باريس، الذي كان يستأجره الموساد منذ 5 أكتوبر لرجال الكاب 1، وهي وحدة خاصة من الأمن الوطني المغربي.

ينزلُ بعدها عميلا الموساد “أتار” و”راحيم“، لينتظرا تحت مدخل قريب. بعد ربع ساعة، تصلُ سيارة أجرة ينزلُ منها مغربيان ويتجهان نحو المبنى رقم 26. بعد دقائق، يخرجُ الرجلان حاملين معهما الحقيبة ويضعانها في صندوق السيارة التي انطلقت مجددا، وبذلك تم تسلم الأدوات.

أين الدليمي من كُل هذا؟

على ساحة الأحداث، سيظهرُ عميل آخر للموساد: “ميفوراش“.

بعد الساعة 10 مساء بقليل، يدخل “ميفوراش” إلى مقهى بالقرب من الشانزليزيه. هُناك كان الدليمي ومعهُ اثنان من رجاله بانتظار عُملاء الموساد.

يتعرفُ “أتار” على الشرطيين المغربيين الملازمين للدليمي اللذين تسلما الحقيبة في سان كلو. يُخبر  الدليمي العملاء أن اثنين من عملائه لم يصلا بعد إلى باريس، وهما قادمان من المغرب مرورا بجنيف حتى لا يتركا أثرا لدخولهما فرنسا.

على الطاولة، يضعُ ألبير (الاسم الرمزي الممنوح للدليمي) خريطة مرسوم عليها دائرة سوداء تشير إلى مكان وجود بريجيت (الاسم الرمزي المعطى لبن بركة)، على بعد 30 كيلموترا جنوب باريس، وتحديدا خلف مطار أورلي.

بعد حديث مستفيض حول أفضل الطرق للوصول إلى هناك دون لفت الأنظار، تم الاتفاق على أن يأخذ أحد المغاربة سيارة أجرة على أن يتبعهُ الآخرون في سياراتهم.

فجأة، يدخل العميل الإسرائيلي رافي إيتان ليُبلغهم أن الشرطة نصبت حواجز عند مدخل باريس في إطار التحقيق في اختطاف بن بركة.

الساعة تشير إلى 11:15 مساء، يشرحُ “ميفوراش” للدليمي أنه في هذه الظروف، يُستحسنُ الاعتماد على عملاء الموساد من خلال القيام بدوريات على الطريق المؤدي إلى أورلي، ويمكن لأحد عملاء الكاب 1 أن يستقل سيارة أجرة ليرشدهم إلى مكان الاحتجاز، وهو ما وافق عليه الدليمي.

يبدأ الدليمي في شرح خطته لعملاء الموساد، والتي كانت تقتضي أن يوهم الفرنسيين بأنه سيقوم فقط بترحيله إلى المغرب، علما أن بن بركة كان محتجزا لدى فرنسيين لا يعلمون أن مصيره سيكون الموت، وبعد مغادرة الفرنسيين يبدأ الدليمي في تنفيذ خطة الاغتيال.

كان الدليمي ينوي تنفيذ العملية ليلا، ثم يعود رجاله على الفور إلى المغرب، بينما يبقى هو وأحد معاونيه غير المتورطين في العملية (عبد الحق العشعاشي)، لبضعة أيام أخرى للتحضير لزيارة الحسن الثاني في 11 من نوفمبر.

بعد ذلك، يطلبُ الدليمي من الإسرائيليين نصائح حول كيفية دفن الجثة، ليجيب “ميفوراش” أنه يجب الاحتفاظ بالطبقة النباتية التي أزيلت أولا، سليمة قدر الإمكان، لإعادة وضعها كما هي في النهاية. ويُفضّل أن يحفر شخصان بشكل متقاطع لتسريع العمل. مستطيل بطول 60 سم، وعرض 1,20 متر، بعمق 1.5 متر تقريباً.

تم الاتفاق على ضرورة ركن السيارة أثناء الحفر على بعد بضعة كيلموترات لتسهيل العودة، كما حُدد مكان لقاء احتياطي في حال حدوث طارئ، عند مفترق طرق على بعد سبعة كيلومترات من موقع التنفيذ.

ثم جاءت ليلة الاغتيال

ستنتهي القضية اليوم“، كانت هذه رسالة أرسلتها وحدة الموساد في باريس في الساعة الواحدة صباحا إلى تل أبيب. لكن، طوال صباح الأربعاء 3 نوفمبر لم تصل أي أخبار. وعند الساعة 13:15 زوالا، وصل اتصال مقتضب إلى تل أبيب: “كل شيء سار على ما يرام”.

حوالي الساعة 5:30 مساء، التقى الدليمي بـ “ميفوراش” عن طريق الصدفة في المقهى القريب من الشانزليزيه، وهُنا بدأ الدليمي سرد ما وقع تلك الليلة.

يشير الدليمي إلى أنهم وصلوا إلى المنزل الذي احتجزَ فيه بن بركة حوالي الساعة 1:30 مساء، وأنه طلب مغادرة الحراس الثلاثة بدعوى أنه سيتم نقل بن بركة إلى المغرب. لقد فعل ذلك حتى يُبعد فكرة التخلص من بن بركة عن أذهانهم. وهنا بدأ الدليمي في استجواب بن بركة.

لم تُعجب الدليمي إجابات بن بركة أثناء استجوابه، أخذوه إلى الحمام وكأنهم سيعذبونه، “لكن هذا لم يكن صحيحا”.

يضيف الدليمي:” بعد ملء حوض الاستحمام بالماء، بدلاً من مجرد غمر رأس بن بركة، أمسكوا به “لمدة ثلاث دقائق هكذا” تحت الماء – يمد الدليمي ذراعه للأسفل، وراحته متجهة للأمام. لقد أغرقوا بن بركة في حوض الاستحمام. بعد ذلك، التقط الدليمي صورة له، ليصدقوا في البلاد أنها انتهت حقًا، على حد قوله مازحا.

وصل حينها العميل الإسرائيلي “رافي إيتان”، وهنا بدأ الدليمي يحدثه عن الفروق بين طريقة الحمام وطريقة السم، ليخبره الدليمي أنه اختار الطريقة الأبسط.

أثناءها، أجابه إيتان أن السم الفعال وصل لتوه إلى باريس على متن الرحلة الجوية 44120 لخطوط العال الإسرائيلية. فقال له الدليمي إنه يرغبُ في تجربة النوعين في مناسبة أخرى للمقارنة، فضحك إيتان ووعده بإرسال العينات إلى المغرب.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *