إيمان تازة التي تعرضت لتشويه وجهها… ممارسات وقوانين لا تحمي النساء من العنف - Marayana
×
×

إيمان تازة التي تعرضت لتشويه وجهها… ممارسات وقوانين لا تحمي النساء من العنف

الاعتداء الذي تعرضت له إيمان يتجاوز كونه جرحًا على الوجه أو اعتداءً جسديًا، فهو يعكس وضعًا اجتماعيًا معقدًا، حيث تجد المرأة نفسها عالقة بين نصوص قانونية تسعى لحمايتها وواقع يحدّ من تفعيلها.
تباين يجعل مثل هذه القضايا تكشف حدود القوانين في مواجهة أنماط عنف متجذرة في الممارسات اليومية والعلاقات الأسرية، وتسلط الضوء على الحاجة إلى ربط التشريع بآليات تنفيذ فعّالة تضمن للنساء حماية

تعرضت شابة تُدعى إيمان، يوم الأربعاء 24 شتنبر 2025، لاعتداء خطير من طرف طليقها بمدينة تازة، حيث أقدم المعتدي على مهاجمتها بالسلاح الأبيض في الشارع العام، ما تسبب في إصابتها بجروح بليغة على مستوى الوجه تطلبت عشرات الغرز، بالإضافة إلى إصابة خطيرة في العين .

حسب بلاغ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع تازة، فقد تمكنت مصالح الشرطة القضائية بمدينة صفرو، من توقيف الجاني، وأوضحت الجمعية أنها ستنصب نفسها طرفًا مدنيًا في الملف لمؤازرة الضحية، مطالبة بتوفير العلاج الطبي والنفسي لها.

فعاليات حقوقية ونسائية وجهت، بالموازاة مع ذلك، نداءً عاجلًا إلى السلطات والمؤسسات الرسمية والمدنية، للتدخل الفوري لمساندة الشابة إيمان.

حسب النداء، تعرضت الضحية في وقت سابق لاعتداء جنسي نتج عنه حمل، ليتم عقد قرانها على المعتدي بغرض تسجيل المولود في الحالة المدنية، غير أن الخلافات بين الطرفين انتهت بالطلاق.

الموقعون على النداء طالبوا بتكفل طبي عاجل بحالتها، وتقديم دعم نفسي متخصص لها، وتعيين محامٍ لمؤازرتها، مع متابعة المساطر القضائية لضمان محاكمة المتهم، كما دعوا إلى مراجعة الثغرات القانونية التي  لازالت تستعمل قصد السماح بزواج المعتدي من الضحية، والعمل على توفير الحماية اللازمة للمعنية بالأمر لتفادي أي تهديدات مستقبلية. القضية أعادت إلى الواجهة النقاش حول حماية النساء من العنف الأسري والجنسي، وأبرزت الحاجة الملحّة لتطوير القوانين وتفعيلها بشكل فعّال.

مدونة الأسرة والعنف ضد النساء: فجوة بين القانون والواقع

بعد مرور أكثر من عقدين على دخول مدونة الأسرة حيّز التنفيذ، ومع انتظار التعديلات المرتقبة حولها، ورغم صدور القانون 103.13 لمحاربة العنف ضد النساء سنة 2018، لا تزال الحماية القانونية للنساء في المغرب تصطدم بواقع صعب، خاصة داخل الفضاء الأسري.

المدونة أحدثت نقلة نوعية على مستوى تنظيم الزواج والطلاق وتحديد حقوق الزوجين وواجباتهما، لكنها لم تضع آليات واضحة وسريعة للتعامل مع حالات العنف.

القانون 103.13 جاء ليجرّم العنف بمختلف أشكاله ويقر تدابير وقائية، مثل إبعاد المعتدي أو إيواء الضحية، غير أن هذه التدابير تواجه صعوبات كبيرة في التنفيذ، خصوصًا في المناطق القروية التي تفتقر للبنيات الأساسية والموارد البشرية.

العنف الأسري يظل الأكثر شيوعًا والأصعب كشفًا، إذ يحدث غالبًا داخل المنازل بعيدًا عن أعين المجتمع، ما يجعل التبليغ محدودًا، وتشير المعطيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط إلى أن الزوج أو الأب غالبًا ما يكون المعتدي، وهو ما يكشف عن جذور عميقة لهذه الظاهرة في البنية الاجتماعية.

ورغم أن القانون يمنح النساء حق التبليغ، إلا أن طول المساطر وبطء الإجراءات يتركان الضحايا دون حماية فورية، ما يدفع العديد منهن إلى التراجع عن الشكوى أو اختيار الصمت خوفًا من فقدان الحضانة أو بسبب الضغوط العائلية.

من القضايا المثيرة للجدل استمرار تزويج القاصرات، إذ حددت مدونة الأسرة سن الزواج في 18 سنة لكنها فتحت الباب أمام الاستثناءات بقرار قضائي، ما سمح باستمرار هذه الممارسة خاصة في القرى. هذا الوضع يعرّض الفتيات للعنف والحرمان من التعليم، ويجعل مصيرهن رهينًا بقرار القاضي. ومع أن القانون 103.13 يجرّم الإكراه على الزواج، فإنه لم يعالج هذه الثغرة، ما يترك حماية الفتيات ناقصة.

الاغتصاب الزوجي يبرز أيضا كأحد الملفات المسكوت عنها تشريعيًا، فالقانون الجنائي يجرّم الاغتصاب بشكل عام، لكنه لا ينص صراحة على هذا النوع من العنف، بينما تكتفي مدونة الأسرة بالتأكيد على وجوب المودة والرحمة بين الزوجين. هذا الصمت يترك النساء في وضع هش، إذ لا يجدن نصًا قانونيًا يحميهن من الإكراه الجنسي داخل مؤسسة الزواج، ويجعل التعامل مع هذه القضايا محدودًا وغامضًا.

مواجهة هذه الظاهرة تتطلب إصلاحًا شاملًا لمدونة الأسرة لتشمل القضايا المستجدة، وفي مقدمتها تزويج القاصرات والاغتصاب الزوجي، مع تعزيز التنسيق مع القانون 103.13. فالنصوص تظل بلا قيمة إذا لم تُترجم إلى إجراءات عملية لحماية النساء، من خلال مؤسسات استقبال مؤهلة، ودعم نفسي وقانوني، وتبسيط سبل الوصول إلى العدالة، حتى لا تبقى المرأة بين قوانين متقدمة وواقع لا يضمن لها الأمان والكرامة.

العنف ضد النساء بالأرقام

أصدرت المندوبية السامية للتخطيط تقريراً يعرض نتائج مسح أُجري في 2019، ويكشف أن حوالي 825 ألف فتاة في الفئة العمرية بين 15 و19 سنة تعرضن لكافة أشكال العنف، وتشير المعطيات إلى أن 56٪ من النساء والفتيات بين 20 و74 سنة أيضاً تعرضن لجميع أنواع العنف.

وسجّل التقرير أن العنف أكثر انتشاراً في الحواضر، حيث سجلت 518 ألف فتاة ضحايا للعنف مقارنة بـ 307 آلاف في الوسط القروي (نشير هنا أن حالات التبليغ في الحالتين هي نسبة متدنية، وفي العالم القروي هي أكبر بالتأكيد)، كما أن العنف الأسري يظهر بشكل بارز، إذ تعرضت 59.4٪ من الفتيات للعنف داخل الأسرة، أي ما يقارب 693 ألف فتاة، بدرجات متفاوتة بين الحضر 60.8٪ والقرى 57.4٪.

علاقة بالعنف الجنسي، ذكر التقرير أن 69.5٪ من الفتيات تعرّضن للصفع أو استهداف بجسم مؤذي، و47.4٪ للدفع أو الشد أو سحب الشعر، و54.7٪ للضرب بيد أو بجسم. كما أُجبِرت نسبة 89.9٪ على ممارسات جنسية ضد إرادتهن، بينما استُخدمت الضغوط أو التهديد ليوافق 65٪ منهن، وتعرضت 18.7٪ لأفعال مهينة جنسيًا.

فيما يخص الفضاء التعليمي، أفاد التقرير أن 25.3٪ من الطالبات تعرضن لعنف خلال الدراسة أو التكوين، مع تسجيل 22.8٪ في المدن و34.9٪ في القرى، أما أكثر أشكال العنف انتشاراً فكان العنف النفسي بنسبة 61.6٪ تعاني منه نحو 719 ألف فتاة، يليه العنف الجنسي بنسبة 23.3٪، والجسدي بنسبة 17.1٪، ثم العنف الاقتصادي بنسبة 9.1٪، كما أُشير إلى أن 29.4٪ من الفتيات تعرضن للعنف الإلكتروني.

ربط التقرير بين انتشار العنف وعدد من العوامل الاجتماعية والديموغرافية، حيث تبين أن عمر رب الأسرة يُعد عنصرًا مؤثرًا. إذ بلغت نسبة تعرض الفتيات للعنف 57٪ في الأسر التي يزيد عمر ربها عن 60 سنة، بينما نزلت إلى 28.3٪ حين يكون عمر رب الأسرة بين 15 و24 سنة، كما أشار التقرير إلى أن مرتكبي العنف النفسي والجسدي يكونون في الغالب من داخل الأسرة، مثل الأب أو الأخ، ما يعكس الطبيعة البنيوية لهذه الظاهرة.

يسلط التقرير الضوء على أن الأرقام المعلنة قد لا تعكس الواقع الكامل، بسبب عزوف أغلب الضحايا عن الإبلاغ، ويُدعو إلى تفعيل آليات الوقاية، وتعزيز الدعم النفسي والقانوني، وتوسيع فضاء الإبلاغ لحماية الفتيات والنساء من مختلف أشكال العنف.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *