تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: معاوية بن أبي سفيان… الملك العاض (الجزء 8) - Marayana
×
×

تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: معاوية بن أبي سفيان… الملك العاض (الجزء 8)

معاوية بن أبي سفيان، كان بداية تحول الخلافة نحو ملك بالوراثة، وقطع واضح مع المنطقة الرمادية لما سمي بالشوري.
حكم، أسسه معاوية بن أبي سفيان بكثير من الدهاء والحزم في التعامل مع معارضيه ومنافسيه، ليكون أول “خليفة” يموت على فراشه بفعل التقدم في السن والمرض، وليس ضحية سم أو عملية اغتيال.

محمد امحاسني
محمد امحاسني

حين تسأل عن مدلول لفظة “خلافة راشدة”، يأتيك الجواب بأنها تعني الخلافة التي كانت منبنية على الشورى والاختيار، وليس على أساس الوراثة.

والواقع أن لا أحد من الخلفاء الأربعة الأوائل ولي على أساس الشورى المفترى عليها، فدائما ما كان الخليفة الجديد محددا سلفا، والمشاورات التي تمهد لتوليته، غالبا ما كانت شكلية فقط، لإضفاء نوع من الشرعية على العملية. لا أدل على هذا من ركام الأحاديث التي تتنبأ، على لسان الرسول وغيره، بتولية الخلفاء الأربعة الذين ولوا، بنفس الترتيب الذي تم به ذلك تاريخيا.

كما أن الادعاء بأن الخلفاء الأربعة الأوائل، كانوا يحكمون على أساس الاقتداء بنهج النبي، فيه نظر. ولن يسع المجال للتفصيل في الأمر هنا.

لكن المحير حقا، هو موقع الحسن بن علي من الموضوع، فهناك شبه إجماع على أنه لا ينتمي للعينة الأولى من الخلفاء، ولا للعينة الموالية. وقد حاول بعضهم تدارك الموضوع باحتسابه من الخلفاء الراشدين “المكملين”. وقد كان الأحرى نعته بالخليفة “الشارد”.

مع معاوية، انتهى زمن الخلافة الراشدة، واستهل عهد الملك العاض أو العضوض، حسب الحديث النبوي الشهير.

هو مُلك، لأن الحكم يؤول للخليفة الموالي بالوراثة. وهو ملك عاض (كما يعض السبع) لأنه ينبني على قهر الرعية وقمع المعارضين والمنافسين.

أي أن مفهوم الخلافة، كما جهدوا في التقعيد له سابقا، قد ولى إلى غير رجعة، وأن ما سيلي من نظم للحكم لاحقا، لن تكون لها علاقة بالخلافة، على منهاج النبوة، إلا بما ستضفيه شرعية منفرطة على هذا النظام أو ذاك. بل غالبا، عليهما معا.

الحكم العاض، هو ما جسدته تماما فترة حكم معاوية، مع فارق بسيط، هو أن الأخير، بدهائه الفائق، كان يراوح بذكاء شديد، بين العصا والجزرة.

من هو معاوية

معاوية “بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بْن عبد مناف القرشي الأموي، وهو معاوية بن أبي سفيان”. وأمه هند بنت عتبة، “آكلة الأكباد” كما لقبها علي بن أبي طالب، لكونها، كما أشيع، أكلت من كبد حمزة، عم الرسول.

رغم صغر سنه وقتها، فقد عُد هو وأبوه وأخوه يزيد، من المؤلفة قلوبهم، حيث أعطاهم الرسول مائة ناقة، لكل منهم، إضافة لأربعين أوقية من ذهب، كما عُدوا من مسلمة الفتح، لأن أبا سفيان أسلم، ظاهريا، يوم الفتح. وقد ادُّعي أيضا بأن معاوية أسلم في السنة السابعة، وكتم ذلك عن والديه.

ولكونه أخا لأم حبيبة، زوجة الرسول، فقد أَطلق عليه بعضهم لقب “خال المؤمنين”. وهو “الرسم التجاري” الذي لم يحض به أي من إخوة أمهات المؤمنين الآخرين. كما أنه كان “كاتب وحي رب العالمين”. بتوصية من جبريل رأسا: عن ابن عباس، قال: “أتى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أقرئ معاوية السلام واستوص به خيرا، فإنه أمين الله على كتابه ووحيه ونعم الأمين”.

كما ادُّعي بأنه شهد “مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حنينا والطائف”، واليمامة، بعد وفاة الرسول، بل زعم ابن عساكر أنه هو من قتل مسيلمة.

 كيف استخلف

لمعاوية خبرة معتبرة في الحكم، إذ بعد وفاة أخيه يزيد، الذي كان عُمَر ولاه على دمشق، ولاه أبو بكر على عمل أخيه، ثم جمع له عثمان بعد ذلك “الشام كلها”.

فلما قتل عثمان، كانت الفتنة، وصار علي ومعاوية وجها لوجه!

وقد سبقت الإشارة إلى أن معاوية حين استنجد عثمان به، تماطل وتلكأ في بعث الغوث له، وقد حاول الطبري أن يختلق له عذرا بادعاء أن معاوية، تأخر لأنه “كره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله (ص)”، والواقع يشير إلى نية معاوية في التخلص من عثمان ومن علي، دفعة واحدة، بترك عثمان يلاقي مصيره مع الخوارج، ثم التحريض على علي لأنه لم يقتص من هؤلاء.

هكذا، بادر معاوية بعد مقتل عثمان إلى تعليق قميص عثمان المدرج بالدم وأصابع زوجته نائلة التي قطعت في محاولة للذود عنه “على المنبر ليراه الناس (..) وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة، والناس يتباكون حوله سنة (..) وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان، ممن قتله من أولئك الخوارج”. ولولا يقين معاوية باستحالة اقتصاص علي من قتلة عثمان، لما لجأ إلى هذه المكيدة.

وحين وُلي علي ابن أبي طالب الخلافة، اتجه رأسا نحو عزل معاوية، لكن هذا الأخير علم بالأمر “قبل وصول البريد، فنادى بثأر عثمان واتهم عليا بدمه. ونشبت الحروب الطاحنة بينه وبين على. فكانت معركة صفين. وانتهى الأمر بإمامة معاوية في الشام وإمامة علي في العراق”.

وبعد مبايعة أهل الشام لمعاوية على القصاص من قتلة عثمان، بايعوه “بالخلافة في سنة سبع وثلاثين (..) حين تفرق الحكمان”، ثم بايعه “الحسن بن علي (..) سنة إحدى وأربعين”، ضمن السياق المتحدث عنه آنفا.

وبمجرد استتباب أمر الخلافة لمعاوية، عاد إلى المدينة، ودخل المسجد، واعتلى المنبر وقال: “أما بعد! فإني والله ما وليت أمركم حين وليته وأنا أعلم أنكم لا تسرون بولايتي ولا تحبونها، (..) ولكني خالستكم بسيفي هذا مخالسة، ولقد رمت نفسي على عمل ابن أبي قحافة فلم أجدها تقوم بذلك ولا تقدر عليه، وأردتها على عمل ابن الخطاب فكانت أشد نفورا وأعظم هربا من ذلك، وحاولتها على مثل سنيات عثمان فأبت علي، وأين مثل هؤلاء؟ ومن يقدر على أعمالهم؟ غير أني سلكت بها طريقا لي فيه منفعة، ولكم فيه مثل ذلك. (..) وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فارضوا مني ببعضه، (..) وإياكم والفتنة فلا تهموا بها، فإنها تفسد المعيشة، وتكدر النعمة”.

ثم بادر بعد ذلك إلى التخلص من كل من كان يتمتع بالشرعية أو بالقوة، بما يجعله ندا له أو مهددا لسلطانه. وعلى رأس هؤلاء:

عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، “وكان قد عظم ببلاد الشام (..) حتى خاف منه معاوية. ومات وهو مسموم (..) وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك، ولا يصح”! طبعا لا يشرح لنا الراوي كيف لا يصح ذلك.

محمد بن أبي بكر، الذي كان واليا لمصر، وقد برر ذلك بمشاركته في قتل عثمان.

الحسن بن علي، الذي ظل معاوية متوجسا منه، حتى بعد أن تنازل له عن الخلافة. فكان لا بد إذن، أن يسم. لم يعترض الراوي هذه المرة.

كما هدد عبد الله بن عمر بن الخطاب بضرب عنقه إلم يقلع عن رواية أحاديث منسوبة للرسول، تسيء إليه. من قبيل:

“اللهم العن القائد، والسائق، والراكب”. والمقصود، معاوية، أبوه وأخوه.

“يطلع عليكم تمن هذا الفج رجل يموت حين يموت، وهو على غير سنّتي، فطلع معاوية”.

“تابوت معاوية في النار فوق تابوت فرعون”.

دون الحديث عن حالات أخرى، أهمها حجر بن عدي.

إنجازاته

علاوة عن كونه أول من “ركب بحر الروم للغزو”، فقد بلغت فتوحاته “المحيط الأتلانطيقى، وافتتح عامله بمصر بلاد السودان، سنة 43″، وفى أيامه “فتح كثير من جزائر يونان والدردنيل. وحاصر القسطنطينية برا وبحرا، سنة 48”.

كما “ضربت في أيامه دنانير، عليها صورة أعرابي متقلد سيفا”. للإشارة فالعملات التي سك معاوية، كانت تحمل نقوشا وكتابات باللغات الأجنبية، مثل الرومانية، والفارسية، مع صور للأباطرة الرومان، فضلا عن أن بعضها كان يحمل صورة للصليب. ويقال إن عبد الملك بن مروان هو من عرب الكتابات لاحقا وأعطاها صبغة إسلامية.

وفاته

يمكن الجزم على الأقل، بأن معاوية أول خليفة توفي غير مقتول ولا مسموم، بل بفعل عاملي السن والمرض، بعد أن حكم تسعة عشر سنة، أي أطول فترة ممكنة إلى حد تلك اللحظة. وطبعا لم ينس بأن يوصي لابنه يزيد بالخلافة من بعده، درءا لكل منافسة محتملة، من ابن الزبير أو من غيره.

 

المراجع

الأعلام للزركلي – البداية والنهاية لا بن كثير – الصحيح للعاملي – الطبقات الكبير لابن سعد- أسد الغابة لابن الأثير – تاريخ الطبري – تاريخ دمشق لابن عساكر

 

لقراءة الجزء الأول: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مقدمة لابد منها

لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية أبي بكر الصديق

لقراءة الجزء الثالث: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب

لقراءة الجزء الرابع: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عمر بن الخطاب، من توسع الخلافة إلى الاغتيال

لقراءة الجزء الخامس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. عثمان بن عفان: الولاية والنهاية

لقراءة الجزء السادس: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: علي بن أبي طالب… الإمامة وبداية الفتنة 

لقراءة الجزء السابع:تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة: الحسن بن علي… صفقة الحكم 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *