مغرب السرعتين… بين مغرب يعيش في الضوء وآخر في الظلام - Marayana
×
×

مغرب السرعتين… بين مغرب يعيش في الضوء وآخر في الظلام

“مغرب السرعتين”… هي ليست مُجرد عبارة أطلقها ملك البلاد لنجعلها في أرشيف الخُطب الملكية… هي رسالة واضحة لوقف عبثٍ سياسي جعل المغرب ينقسم بين الضوء والظلام.
لا بد أن تُبعثر الأوراق ويُعاد تنظيمها، على أساس أن تُصبح الشعارات والخطابات: “التنمية”، “العدالة الاجتماعية”… بوصلة نحو احتواء مواطن الهامش، فلا مجال اليوم لتقارير تُحدثنا عن الاستثمار في الرأسمال البشري، في حين لا يزال هذا الرأسمال يئن تحت وطأة المطالبة بحقوقه المشروعة.

تعاقبت الحُكومات، وتعاقب معها خطاب “التنمية”، “العدالة الاجتماعية”، “التنمية المجالية”، “الجهوية الموسعة”، “الدولة الاجتماعية”…

في كُل برنامج حُكومي، وفي كُل خطاب تلفزي، تتردد نفس الشعارات. لكن، الواقع شيءٌ آخر… تنمية المركز ليست هي تنمية الهامش، ورُبما هؤلاء الذين يتفننون في ترديد خطابات التنمية لا يعرفون شيئا عن الهامش.

“لا مكان اليوم ولا غدا لمغرب يسير بسرعتين”… جاءت العبارة في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش، لتَكشف زَيف أي خطاب يُحاول أن “يُمكيج” الواقع، فحين تأتي العبارة من أعلى سلطة، معناه أنه لم يعُد هناك مجال للزيف.

قد لا يشكك الكثير من المراقبين الموضوعيين في حقيقة الطفرة والتطور الذي حققه المغرب على عدد من المستويات،   خصوصا على مستوى البنيات التحتية والنمو الاقصتادي، وتوقعه الدولي كدولة فاعلة، لا مُجرد جُغرافيا على خريطة. غير أن الواقع لا يرتفع… مكاسب لا تَنفي وجود اختلالات، خاصة في ظل استمرار الفوارق المجالية والاجتماعية.

فقط، لنتأمل الأرقام…

في مؤشر التنمية المجالية، احتل المغرب المرتبة 120 من أصل 193 دولة، وفقا لتقرير 2025 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

المندوبية السامية للتخطيط، كشفت في تقرير لها أن نسبة البطالة خلال الربع الثاني من عام 2025، وصل إلى 12.8%، ليصل إجمالي العاطلين بالمغرب إلى 1.595 مليون شخص على المستوى الوطني، علما أن فئة الشباب تشكل النسبة الأكبر بمعدل 35.8%.

التقرير السنوي لمدركات الفساد 2024، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، كشف عن احتلال المغرب للرتبة 99 عالميا، ـ 37 نقطة، مسجلا تراجعا بدرجة واحدة عن 2023، و4 درجات عن سنة 2022.

أضف إلى ذلك حجم التفاوتات المجالية والاجتماعية غير المتكافئة بين مغرب “المركز” ومغرب “الهامش”… تفاوتات عبرت عنها ساكنة “آيت بوكماز” والكثير من مناطق الحوز وغيرها، في مطالب، هي في الأصل حقوق مشروعة، تبين حجم هذا التفاوت الكبير.

هي مسألة إرادة سياسية… إرادة سياسية تجعلُ من “الهامش”، صانع قرار، لا مجرد ضيف على مائدة البرامج الانتخابية والسياسية، ولا مجرد كتلة ناخبة، لا أن يُختزل أبناء الهامش، ويُكرس التمثيل السياسي في أيدي نخب بالمركز تغفلُ وجود مغرب عميق يئن.

لا بُد أن يعودَ المغرب، بجدية، نَحو نظام الجهوية الموسعة… الجهوية الموسعة مدخل أساسي واستراتيجي لتدعيم الديمقراطية والتنمية والمجالية، وإرساء نموذج سياسي يقوم على حتمية إشراك الساكنة في تسيير شؤونها، والحد من التناقضات الصارخة والحد من الفجوة المجالية العميقة، عبر تطبيق قواعد الحكامة الرشيدة.

هي مسألة تمثيلية سياسية… لا بد أن تُجفف الأحزاب من فلسفة “الأعيان”، و”الميز الانتخابوي”… ميزٌ يجعل السياسي في جُبة المصالح فقط، وهو ما يُضعف ثقة المغاربة في السياسة. ورسالة الملك لوزير الداخلية أكدت ذلك، حين ركزت على أن المحطة القادمة لا بد أن تُترجم المسؤولية السياسية وإرادة التنمية.

المشاكل بنيوية، والحُلول تحتاج لإرادة سياسية قوية… فلا يمكن أن يظل المغرب يسير بمبدأ دائرة الإقصاء، بين مغرب يتقدم ومغرب “هامشي” يكدحُ من أجل لا شيء. مغرب يسير بسرعة الضوء، وآخر لا يجدُ الضوء.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *