الجسد الأنثوي في الكتابات الأدبية: حضور محتشم، تسليع وصور نمطية - Marayana
×
×

الجسد الأنثوي في الكتابات الأدبية: حضور محتشم، تسليع وصور نمطية

كيف يكون حضور الجسد الأنثوي في الكتابات الأدبية باللغة العربية؟ هل هدفه التسليع والبيع والإثارة، أم أنه ضرورة أدبية يحتاجها الكاتب والكاتبة لتصوير الشخصيات ومسارات الأحداث؟ كيف يتمثل الأدب المكتوب بالعربية جسد النساء في الحب وفي الدفاع عن القضايا الإنسانية؟

يتأرجح حضور الجسد في الأعمال الأدبية، سواء الشعرية أو النثرية، بين غايات التسليع والتوظيفات الأيديولوجية، وأحيانا بين الغايات الجمالية التي تجعل من حضور الجسد الأنثوي ضرورة ملحة في العمل الأدبي.

كيف يحضر الجسد في الأعمال الأدبية باللغة العربية؟ وهل حقا هذا الحضور يرتبط بدواعي النشر والرغبة في جعل الجسد الأنثوي سلعة تُعرض في الأغلفة وداخل مضامين هاته الأعمال لغايات الربح وبيع نسخ كثيرة؟

تفيد دراسة للباحثة “منال بنت عبد العزيز العيسى”، في موضوع “تمثيلات الجسد في الرواية العربية”، منشورة على مجلة سرديات، أن الجسد شكَّل تيمة هامة في الرواية العربية، كونه يحيل إلى مرجعيات ثقافية واجتماعية تختلف باختلاف المجتمع الصادر عنه الجنس الروائي.

تواطؤ وتنميط

سلمى الغزاوي، روائية ومترجمة، يبدو لها، في حديث لمرايانا، أن الأعمال الروائية الراهنة، بما فيها أعمال حازت على تنويهات وتتويجات، غالبا ما يكون الحضور الجسدي الأنثوي فيها باهتا، ويتجلى ذلك عبر تصوير الأنثى، في الأغلب، على أنها الخاضعة للوصاية وللسلطة الأبيسية.

تخلص الغزاوي إلى أن حضور الجسد الأنثوي حضور مجاني ورخيص، إذ كثيرا ما يتم من خلاله تشييء جسد المرأة وتدنيس خصوصيته، مقابل تقديم تصوير ووصف دقيق للمجتمع العربي الذي يبدو مهووسا بالجنس.

“إننا بصدد شخصيات لا تتوقف عن الحديث في كل مكان عن الجنس وعن جسد المرأة، المِلك المشاع، ووصفه بمزيج من البذاءة والإهانة والإباحية؛ بينما نجد البطل أو الراوي، في معظم الأحيان، رجلا يتحدث عن مغامراته وبطولاته السريرية بطريقة استعراضية ملؤها الفخر”؛ هكذا تخلص الغزاوي إلى هذا التوظيف السلبي في الأعمال الروائية.

تشير الكاتبة إلى أن البطل كثيرا ما يتم تصويره على أنه الوسيم الذي تحيط به شريكات؛ بينما البطلة، كثيرا ما تكون بلا صوت في الرواية، تعيش كظل على هامش الحياة الحافلة للبطل. لذا، تقول سلمى الغزاوي: “أرى أن حضور الجسد الأنثوي في الرواية نادرا ما يكون له توظيف جيد أو يحقق غاياته السردية، لأنه يقدم في أغلب الأحيان بطريقة شبيهة بالمواد الإباحية الفجة”.

تسليع وأيديولوجيا

سفيان البالي، شاعر وكاتب، يرى في حديث لمرايانا أنه من المهم أن نسطر على أن الأدب العربي، تاريخياً، مازال يعيش مرحلة طفولته. والقصد هنا، الأدب المعاصر، بعيداً عن الأنساق القديمة للكتابات الشعرية والسرد الذي كان يأخذ غالباً شكلاً حكائياً في الرسائل والمرويات الشفهية.

حسب سفيان البالي، فالرواية لم تدخل العالم العربي حتى نهاية القرن 19، في حين يؤرخ النقاد منشأها إلى القرن 17. وفي نظري، يقول سفيان البالي :”نضوج كتابة إيروتيكية عربية، أو كتابة تأخذ الجسد موضوعا محوريا لها، ما يزال محدوداً، لا من حيث الجودة ولا من حيث الكم. وهنا لا آخذ بعين الاعتبار سوى الكتابات الجادة، ولا أقصد تلك الرثة التي تتهافت عليها دور النشر المغمورة”.

حسب البالي، فقد أخذ جسد المرأة أشكالاً متعددة داخل المنتج الأدبي العربي. لكنه ظل في أكثر الأحيان رهينة التجاذبات الاجتماعية والأيديولوجية داخل المجتمعات التي نشأ فيها هذا الأدب.

يقول المتحدث: “إذا ما أردنا تقديم مثال، فإننا نجد المرأة في روايات نجيب محفوظ متأرجحة بين الخضوع لشخصية الزوج المتسلط “السي السيد”، أو راقصة منحلّة خاضعة لأهواء ونزوات زبنائها، أو شابة عصرية طالبة أو عاملة، وحتى هي خاضعة لتقاليد المجتمع ولا تتحرر منها. في مثال آخر، في الأدب الفلسطيني، نجد جسد المرأة غالبا ما يُجَسّد في دور الفدائية أو الأسيرة، أو في دور الأم أو الحبيبة أو الأخت التي ترعى فدائياً يحارب من أجل وطنه”.

حسب البالي، فإن الجسد يحضر بمنظور شهواني ضيق جداً وحذر أخلاقياً، لدرجة أنه يصير طفوليا وساذجا في بعض الأعمال التي قُدمت على أنها فتح كبير في هذا المجال. كما يحضر كوسيلة لإيصال “رسالة سامية”، كالترافع عن حقوق النساء (مثل رواية برهان العسل لسلوى النعيمي أو اكتشاف الشهوة للجزائرية فضيلة فاروق) أو انتقاد الحركات الدينية (مثل رواية حرمة للكاتب علي المقري).

تسليع النص و… بؤس التسليع

بالعودة للكاتبة سلمى الغزاوي، فإنها تلاحظ أن الكاتب العربي يشترط توفر المرء على مقومات ومميزات معينة، كالسلطة أو الثروة أو الشباب، ليحظى بالجسد الذي يرغب في الحصول عليه. لذا، علاوة على التسليع، بوسعنا القول إنه ثمة حضور لـ: “رأسملة الجنس”.

حسب الغزاوي، يتم توظيف الشخصيات الروائية كإسقاط على المجتمع السطحي الذي يعتبر كل شيء سلعة، يدفع مقابل المتعة الجسدية أو يخضع الشركاء عبر امتيازات وأدوات ضغط أخرى. لهذا، فإن أولئك الذين ليس لديهم “رأسمال”، لن يحصلوا بالتأكيد على لحظات منفلتة من النشوة. لكن هذا التفكير والطرح الفج يُحول النص إلى سلعة، بغية إثارة القارئ كاستراتيجية تجارية ربحية.

حسبَ سلمى الغزاوي، هناك سلوكيات يمارسها البعض استغلالا منهم لحالة البؤس الجنسي، رغم أن الجسد والجنس صارا متاحين في كل مكان وبشتى الوسائل “ولو افتراضيا”. إنه ببساطة “أدب رخيص” استعارة من تشارلز بوكوفسكي.

تقول الغزاوي: “إن الكتابات المماثلة هي آيلة للإنمحاء والنسيان، لأنها لا تقدم معالجات سردية ولا تتعمق في تحليل القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية أو تتبنى نقدا مجتمعيا أو سلوكيا لظاهرة ما، بقدر ما تصور رؤية نمطية للحياة الجنسية المعاصرة، عبر لغة عارية وتعابير مبتذلة وتشبيهات رديئة، ومن خلال مشاهد جنسية أو صور مستفزة ومجانية”.

فهل نحن إزاء مجتمع استهلاكي، كل شيء فيه أصبح سلعة قابلة للبيع؟ ربما هذا ما قد يبدو الآن مع بعض تمثلات الجسد في الرواية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *