أحمد البيضاوي… صاحب الصولة والصولجان الموسيقية - Marayana
×
×

أحمد البيضاوي… صاحب الصولة والصولجان الموسيقية

أحمد البيضاوي واحد من أهم رواد الأغنية المغربية الذين تميزوا بشكل أساس، بأداء القصائد الغنائية، سواء العربية منها أو المغربية. عرف برائعته: “يا صاحب الصولة والصولجان”.
لم يلج أحمد البيضاوي معهدا موسيقيا، إلا أنه كان رجلا شغوفا بالموسيقى والعزف منذ طفولته، فكان حاضرا في حلقات الذكر والسماع مع والده، مهتما برواد الأغنية المشرقية إلى أن تفتقت موهبة أغنت المكتبة الموسيقية المغربية بآيات من الابداع.

قليلا، وربما نادرا، ما تجتمع في شخصية فنية صفات المثقف والنبيه والمتفقه في اللغة والدين. صفات كان أن اجتمعت في أحمد بنشهبون، المعروف في الساحة الفنية بـ”أحمد البيضاوي”.

أسلوبه الغنائي الفريد النابع من ميوله إلى الأغنية الشرقية، جعله من ندماء الملك الراحل الحسن الثاني إلى أن وافته المنية سنة 1989.

ينحدر أحمد البيضاوي من عائلة سوسية، قدمت إلى الدار البيضاء من أكادير، حيث كان والده يشتغل بالمدرسة البحرية في صناعة الشباك، هناك، بزنقة امبارك الكنداوي في حي بوطويل، ولد أحمد بن شهبون سنة 1918.

في ربيعه الرابع، التحق البيضاوي بكتاب بلخير لحفظ القرآن، ليلج بعدها دروس الأستاذ عبد الرحمن النتيفي بـ “فرينة أولاد هابو”. عُرف الطفل حينها، بذاكرته القوية، حيث كان يحفظ كل ما يتفوه به فاهُ المدرس.

لم يكُن أحمد البيضاوي حبيس حلقات الفقه ومجالسها، بل كان منجرفا وراء الموسيقى والغناء، يتردد بشكل مستمر على محلات الآلات الموسيقية بزنقة جامع الشلوح بالمدينة القديمة في الدار البيضاء، علاوة على أنه كان يحضر مع والده حلقات الذكر والسماع. هناك بدأت تتفتق موهبة البيضاوي وتشرب معها أولويات العزف.

حينها، كانت الدار البيضاء محجَّ العازفين والملحنين والعاشقين للفن، ما جعل مناطق في المدينة معروفة بتأجير الآلات وبيعها (درب الأسبان، كارتيي كوبا…)، علاوة على الفرق الغنائية الفولكلورية التي كانت تغشى الساحات لتقدم أنماطا من التراث المغربي.

هناك وجد بن شهبون ضالته، علما أن الرجل كان ميالا إلى العزف على آلة العود، وهو ما مكنه من اقتناء إحداها، بيد أن والده عمد إلى تكسيرها، قبل أن يؤجر أخرى بمساعدة أحد أقربائه، وبدأ الرجل في صقل موهبته على الآلة.

بشكل عصامي، أتقن الرجل عزف العود، بل كان أول مغربي يعزف عليه بأصابع يده الكاملة، باعتبار أن المألوف آنذاك أن يتم العزف بالخنصر والبنصر فقط.

اللحظة الفارقة في حياة أحمد البيضاوي، ستكون في بداية ثلاثينيات القرن الماضي، إذ شكل مع فنانين مغاربة يهودا، جوقا يُقدم أغان شرقية وموشحات. فأصبحوا يحيون الحفلات سواء التي ينظمها مسلمون أو يهود.

إلى جانب ذلك، تأثر بتقاسيم المشارقة، وتلقى قواعدها، وتمرس على إيقاعاتها وطرق أدائها عزفا وإنشادا، كما حفظ الموشحات القديمة، ما جعله يلج ميدان التلحين والغناء… حينها، تناهت إلى أذن الملك الراحل محمد الخامس نتفٌ من فن أحمد البيضاوي.

حول ذلك، يقول أحمد البيضاوي في أحد حواراته: “نظرا لما حصلت عليه من ذخيرة فنية، استدعيت سنة 1938 من قبل جلالة المغفور له محمد الخامس لألتحق بالجوق الملكي، وكانت فرصة ثمينة جلعتني أطمئن إلى أن الميدان الذي جذبني منذ صباي يفتح لي بابه العريض”.

جوق كان يترأسه العازف المصري “مرسي بركات” الذي ولج المغرب في عهد السلطان مولاي عبد العزيز، والذي ساهم في تكوين العديد من الموسيقيين المغاربة، ومنهم البيضاوي.

حينها، ألف البيضاوي جملة من القصائد والأغاني، من بينها تألفيه، مع رفيقه عباس الخياطي، أغنيتين مشتركتين هما: “يا حياة الروح”، و”ياحبيب الروح” سنة 1946، ثم ألف أول إنجاز فني “يا حبيبي أفق” للشاعر السوري ماهر العطار. ليدخل بعدها البيضاوي عالم التلحين مطلع الأربعينيات، حين دعته شركة “سني فون” للقيام بدور غنائي بعنوان “الصب العليل”.

البيضاوي كان ميالا حينها إلى تلحين قصائد الشعر العربي والأندلسي. حول ذلك، يقول البيضاوي: “كنت أميل إلى تلحين القصائد والشعر العربي، لأني أومن أن هذا هو الأدب الذي يعتمد، كما أنه لم تكن في تلك الأيام أزجال في الموسيقى باستثناء الملحون وهو زجل رفيع، ولم أكن أريد أن أغامر في أغان ملحنة، بل كان دأبي أن أخلق شيئا جديدا، وكان ابن زيدون شاعري المفضل الذي لحنت من روائعه الكثير”.

بعد وفاة مرسي بركات نهاية الأربعينيات، تولى البيضاوي قيادة الجوق الوطني، ثم كلفه الملك محمد الخامس بتأسيس الجوق العصري التابع لردايو ماروك مطلع الخمسينيات، والذي استقطب إليه خيرة العازفين أمثال عمر الطنطاوي وعبد النبي الجيراري والمكي الرايسي وآخرون.

سيغيب الرجل عن الساحة الفنية، بعد أحداث 20 غشت 1953، والتي نُفي خلالها الملك محمد الخامس وأسرته، قبل أن يعود إلى المجال من بوابة الجوق العصري الذي تأسس سنة 1956، ثم رئيسا للجوق الوطني سنة 1959، الذي بُني على صرح الأغنية العصرية المغربية فترة ازدهارها آنذاك.

تولى البيضاوي بعدها مسؤولية قسم الموسيقى بالإذاعة المغربية سنة 1959. حينها، فرض شروطا صارمة لاعتماد الأغاني المقبولة بالإذاعة من أجل ما اعتبره، السمو بالذوق العام.

في رصيد البيضاوي أكثر من مائة أغنية ملحنة، استمد أغلبها من التراث العربي، على غرار تلحينه لأشعار ابن زيدون (أضحى الثنائي، يا غزالا…). إلى جانب تلحينه لشعراء مغاربة من عيار ثقيل (أنشودة الحب) للزعيم علال الفاسي، (رائعة من صد وخان) للشاعر الغنائي محمد بلحسين وآخرون.

أسلوبا، التزم أحمد البيضاوي بالنسيج الكلاسيكي، مستمدا ذلك من المقامات الشرقية، علاوة على تقديمه لألحان مغربية تحتوي في بنيتها العميقة على امتدادات في التراث المغربي.

توفي البيضاوي سنة 1989. توفي الجسد، إلا أن أغانيه لا زالت تردد داخل المغرب وخارجه. أغنى الخزانة الوطنية والعربية وساهم في ظهور العديد من الموسيقيين والفنانين المغاربة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *