تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب (الجزء 3) - Marayana
×
×

تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية عمر بن الخطاب (الجزء 3)

في البدء، كان الجميع موافقا على تولي عمر بن الخطاب، ثم ظهر في المعادلة صوت معارض، سرعان ما صار يقود مجموعة من الصحابيين، امتنع الرواة عن إخبارنا بعددهم وهوياتهم. هكذا ولي ثاني خليفة للرسول.
بمجرد توليه، أحدث جملة من التغييرات السياسية والعسكرية، نعرض لأهمها، دون إغفال الجانب السلوكي في علاقته بالمجتمع وبالفاعلين السياسيين الذين احتكوا به خلال مسيرة حكمه.

محمد امحاسني
محمد امحاسني

الفاروق. وقد سمي كذلك لأن الرسول قال إنه يفرق بين الحق والباطل.

أسلم عمر بن الخطاب في “السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة”. ولإسلامه قصص عجيبة.

تقول إحداها إن أبا جهل نذر “مائة ناقة حمراء وسوداء وألف أوقية من فضة” لمن يقتل محمدا، فلبى عمر، وخرج بسيفه، فمر “على عجل يذبحونه (..) وإذا صائح يصيح من جوف العجل: يا آل ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح بلسان فصيح، يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله”. ثم مر على غنم فإذا بهاتف ينشد شعرا يحرض ضد عبادة الأوثان. ثم مر بصنم يسمى الضمار، يتحدث عن نبوة محمد، فأيقن عمر بأنه هو المقصود بكل هذا الغمز.

في رواية أخرى، لمزه أحدهم بكون أخته وزوجها أسلما، فاستشاط غضبا واقتحم عليهما البيت الذي كانا يختبئان فيه فضرب زوج أخته وجرح وجهها. وبعد أن اطلع على صحيفة كانت معها، تعجب لما فيها ثم أسلم وحسن إسلامه.

وقد قيل بأن المسلمين كانوا “لا يقدرون يصلون عند الكعبة حتى أسلم عمر، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عندها، وصلى معه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم”.

لكن بعض ألسنة السوء ادعوا أن القرشيين، حين علموا بأمر إسلامه، هموا بالفتك به لو يمنعه منهم أحد الكفرة: “خرج العاص (بن وائل)، فلقي الناس قد سال بهم الوادي، فقال: أين تريدون؟ فقالوا: نريد هذا ابن الخطاب الذي صبأ. قال: لا سبيل إليه. فكر الناس”.

وحين سأل عبد الله بن عمر أباه عن الرجل، قال: “يا بني، ذاك العاص بن وائل، لا جزاه الله خيرا”. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟

في نفس السنة التي أسلم فيها عمر، كان الرسول قد وقع فيها على صلح الحذيبية. فقال له عمر: “ألست نبي الله حقا؟” “ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟” “فلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذن”. ثم أسر لأبي بكر بعدها: “والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ”.

وقد حاول عمر في أكثر من مناسبة، إثارة انتباه الرسول إلى أن بعض تعاليم اليهود توافق ما جاء به، فقد اقترح عليه مرة، أن يقرأ له بعضا مما جاء في “جوامع التوراة” فغضب الرسول واكتفى بتجاهله.

ومرة أخرى، جاء بكتاب “أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم (..) فغضب وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب (..) والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني”.

خلافا لأبي بكر، الذي كان طيعا ومصدقا لكل كلام وأفعال الرسول، كان عمر مشاكسا، لا يدع أي حدث يمر دون أن يسأل فيه ويناقشه. كما أنه كان دوما متحفزا للبطش بأعداء ومخالفي الرسول، رغم أنه لم يثبت أنه كان بتلك الشجاعة في المعارك الكبرى التي خاضها المسلمون.

تجاوزات عمر بلغت حد ادعاءه الشراكة في نبوة الرسول. قال عمر: “وافقت ربي في ثلاث: في المقام والحجاب وأسارى بدر”. فقد كان اقترح على الرسول أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، وأن يحجب نساءه، وأن يكففن عن الغيرة لأن الله قد يبدل رسوله بأفضل منهن. فنزلت في ذلك آيات قرآنية.

وفي رواية أخرى، وافق عمر ربه في أربع، إن احتسبنا تعجبه من بلاغة القرآن، ونزول آية “تبارك الله أحسن الخالقين”، رغم أن “ملكية” هذه الآية تعود في الأصل لعبد الله بن أبي السرح، ولذلك سياق آخر.

يمكن أن نضيف موافقة أخرى لعمر وربه، ربما غفل عنها الروائيون. فحين توفي الأنصاري عبد الله بن سلول، طلب ابنه من الرسول أن يصلي عليه، ففعل. ولأن المتوفي كان في عداد المنافقين، احتج عمر “فأخذ بثوبه فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك الله عنه؟ (..) إنه منافق أتصلي عليه؟”. “فأنزل الله عز وجل: ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره”.

أخيرا، فخلافات عمر المذهبية والطقوسية مع الرسول كثيرة جدا. اعترض على بعضها قيد حياة الرسول، واستنكر أخرى بعد وفاته. ومن هذه الأخيرة:

أتى الحجر الاسود فقال: “إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك”.

وقال للركن: “لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتك، فاستلمه. ثم قال وما لنا والرمل إنما كنا راءينا به المشركين ولقد أهلكهم الله”.

كيف ولي عمر

تتفق السردية في العموم على أن أبا بكر، وهو على فراش الموت، استشار الصحابة، أنصارا ومهاجرين، في أمر تولية عمر، فاحتج الجميع بكونه أعلم منهم به، ثم أعلنوا جميعا موافقتهم على شخص عمر. أي أن الأمر لم يعدُ أن يكون استشارة شكلية، بهدف إضفاء الشرعية على اختيار محسوم فيه قبلا، سيما وأن أبا بكر كان قد استكتب عهدة لعمر بذلك.

نفس الرواة يعودون لتأكيد أن طلحة بن عبيد الله دخل على بكر في جمع من الصحابة فقال: “يا أبا بكر، أذكرك الله واليوم الآخر، فإنك قد استخلفت على الناس رجلا فظا غليظا يزع الناس، ولا سلطان لهم، وإن الله سائلك، فقال: أجلسوني، فأجلسناه، فقال: أبالله تخوفوني، إني أقول: اللهم إني استخلفت عليهم خيرهم”.

وفي حديث آخر لعائشة: “دخل عليه فلان وفلان فقالوا: يا خليفة رسول الله ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب؟ فقال: أبالله ترهبوني؟ أقول: استخلفت عليهم خيرهم”.

في البدء، كان الجميع موافقا على تولي عمر، ثم ظهر في المعادلة صوت معارض، سرعان ما صار يقود مجموعة من الصحابيين، امتنع الرواة عن إخبارنا بعددهم وهوياتهم.

هكذا ولي ثاني خليفة للرسول.

على أي، فإن عمر، بمجرد توليه، أحدث جملة من التغييرات السياسية والعسكرية، نعرض لأهمها، دون إغفال الجانب السلوكي في علاقته بالمجتمع وبالفاعلين السياسيين الذين احتكوا به خلال مسيرة حكمه.

إنجازات عمر داخليا

. التأريخ

اقتُرح على عمر أن يبادر إلى تأريخ المراسلات والوثائق الرسمية، انطلاقا من حدث مرجعي له دلالة في وعي ووجدان المسلمين. فاختلفت الآراء بين منطلقات عدة: مبعث الرسول، وفاته، هجرته، وبعدما رجح عمر الهجرة كمنطلق، اعتمادا على مشورة علي، اختلفوا حول الشهر الذي ينبغي أن يكون منطلقا للسنة: رمضان أم المحرم. فأمر عمر بأن يكون شهر المحرم هو المستهل.

. الديوان

وهو “دفتر يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء”. والمقصود بالعطاء، أسماء الأشخاص الذين كان الرسول يعطيهم قيد حياته. سيما وأن المستفيدين من هذا الريع قد كثروا، وكان لا بد من إعادة النظر في أحقية كل منهم في هذه الأعطية. لذلك، فإن عمر “رتب الناس على سابقتهم في العطاء، وفي الإذن، والإكرام. فكان أهل بدر أول الناس دخولا عليه”. فكان أولهم علي، ثم “بنو هاشم وبنو المطلب “ثم الأقرب، فالأقرب”. إضافة إلى الوافدين الجدد: المؤلفة قلوبهم، (أبو سفيان بن حرب، صفوان بن أمية، الأقرع بن حابس) والذين كان عددهم يناهز السبعين.

من دواعي تأسيس الديوان أيضا أنه بعد وفاة أبي بكر، “دعا عمر الأمناء (..) ففتحوا بيت المال، فلم يجدوا فيه شيئا، لا دينارا، ولا درهما” وكيف لهم العكس وأبو بكر “اتخذ بيت المال من غير إحصاء ولا تدوين”، إذ كان كما رأينا، يقسم كل ما يرد عليه فورا، بين المحاربين المستفيدين من الريع.

من الأسباب أيضا، أن أبا هريرة، بعدما ولاه عمر البحرين، اغتنى في فترة قياسية “خمسمائة ألف درهم” فسلبها منه، “فقال رجل: يا أمير المؤمنين، قد رأيت الأعاجم يدونون لهم ديوانا”.

. تعطيل نصوص قرآنية

سهم المؤلفة قلوبهم

يشاع أن عمر عطل سهم المؤلفة لأنه كان يرى بأن الإسلام قد عز، ولم يعد هناك داع لإعطاء المؤلفة قلوبهم، غير أن أغلب الفقهاء أنكروا التعطيل، لأنهم انتبهوا إلى أن آية الصدقات (سورة براءة) تعين ثمان فئات تقسم عليها بالتساوي كل صدقات المسلمين، ومنها المؤلفة قلوبهم. لا بل إن تلك الآية تفيد في آخرها، بأن هذا التقسيم شريعة من الله.

والواقع أن ما قيل عن تعطيل عمر لهذه الآية، استنبط تعسفا من حدثين اثنين:

الأول، وكما رأينا سابقا، يتعلق بعيينة بن حصن والأقرع بن حابس، اللذين رفض عمر إقطاعهما أرضا، رغم موافقة أبي بكر.

والثاني، حين وفد المهاجرون والأنصار والمؤلفة على عمر لتسلم الريع المعتاد. ومن بين هؤلاء “الحارث بن هشام وسهيل بن عمرو” القرشيان. حيث جعل عمر يؤخرهما، إلى أن انصرف الجميع، وحين احتجا على عمر، قرر أن يقطع عنهما الريع “وأشار لهما إلى ثغر الروم، فخرجا إلى الشام، فماتا بها”.

غير هذا، لا توجد دلائل أخرى على تعطيل عمر لسهم المؤلفة قلوبهم. مما يقوي فرضية أن عمر امسك عن إكرام أشخاص بعينهم، لحسابات شخصية أكثر من أي اعتبار آخر.

قطع يد السارق

عطل عمر حد قطع يد السارق، بسبب مجاعة مفترضة ضربت المدينة في السنة الثامنة عشر، وسميت بعام الرمادة.

العول

عمر بن الخطاب أول من عدل في قواعد الميراث، باستحداث مفهوم العول. ذلك أنه وجد نفسه أمام معضلة تقسيم الإرث بين زوج وأختي امرأة توفت، إذ فاق نصيب كل منهم قيمة الإرث نفسه.

زواج المتعة

وهي عادة كان عمر أول من وضع لها حدا رغم رفض أغلب الصحابة وعلى رأسهم علي بن أبي طالب الذي قال: “لا أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس”.

عبد الله بن عمر نفسه أجاب حين سئل عن المتعة: “قد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أفسنة رسول الله تتبع أم سنة عمر بن الخطاب؟”.

اقتصاد الريع

ماليا، وبرغم ما قيل عن تنظيم المداخيل والنفقات، استمر اقتصاد الريع كما كان معمولا به زمن الرسول وخليفته الأول. وهذه بضع أمثلة على ذلك:

“قسم عمر بن الخطاب في خلافته لنساء رسول الله (ص) اثني عشر ألف درهم لكل امرأة وقسم لجويرية وصفية ستة آلاف لأنهما كانتا سبيا”.

“كَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه يعطي الخنساء أرزاق أولادها الأربعة لكل واحد مائتي درهم حتى قبض رضى الله عنه”

فرض للحسن والحسين “لكل واحد منهما خمسة آلاف درهم”.

بعد أن ولى زيد بن ثابت، كان “إذا سافر فقلما رجع من سفر إلا أقطع زيدا حديقة من نخل”

أقرض هند بنت عتبة (من بيت مال المسلمين) “أربعة آلاف درهم تتجر فيها وتضمنها (..) فخرجت فيها إلى بلاد كلب، فاشترت وباعت” ثم ادعت الخسارة. فسجَن عمرُ أبا سفيان حتى استوفت المبلغ.

أقطع عبد الرحمن بن عوف أرضا.

قسم فيء الرسول من أموال بني النضير بين علي والعباس.

والأمثلة أكثر من أن تحصى.

 

لقراءة الجزء الأول: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. مقدمة لابد منها

لقراءة الجزء الثاني: تاريخ الخلافة بين الواقع والخرافة. ولاية أبي بكر الصديق

 

المراجع:

الاستيعاب لابن عبد البر – الدراية في تخريج أحاديث الهداية – الطبقات الكبير لابن سعد _ العقد الفريد لابن عبد ربه

الكامل في التاريخ لابن الأثير –  إمتاع الأسماع للمقريزي – بحار الأنوار للمجلسي – تاريخ الإسلام للذهبي

تاريخ الطبري – تاريخ دمشق لابن عساكر – سنن البيهقي الكبرى – سير أعلام النبلاء للذهبي – سيرة ابن هشام

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد – صحيح البخاري – صحيح مسلم – فتح الباري لابن حجر

فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل – كنز العمال للمتقي الهندي – مصنف عبد الرزاق – منهاج السنة النبوية لابن تيمية

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *