لا يشترط رضى المرأة… ماذا نعرف عن الطلاق الرجعي؟ - Marayana
×
×

لا يشترط رضى المرأة… ماذا نعرف عن الطلاق الرجعي؟

بعد الطلاق الرجعي، وحده الرجل يقرر إرجاع زوجته أم لا، إذ لا يشترِط الفقه موافقة الزوجة لعودتها لحياة الزوجية. بل أن معاشرتها خلال فترة العدة تعتبر إرجاعا ضمنيا… حسب الفقه.
ومعظم قوانين الأسرة العربية ظلت متشبتة بما جاء به الفقه.

أثارت قضية الإعلامية المصرية بوسي شلبي وأسرة الفنان الرحل محمود عبد العزيز جدلا واسعا، بعد الخلاف بين الطرفين، ما بين مزاعم طلاقها أو استمرار زواجها من الراحل محمود عبد العزيز، وحقها في الميرات، بعد أن رفضت المحكمة الدعوى التي تقدمت بها شلبي، وأسقطت حقها في تقديم التماس لإعادة النظر.

الإعلامية صرحت بأنها عادت  لزوجها الراحل، إلا أن الإشكال وقع في ظل عدم وجود أوراق رسمية. إشكال تقع فيه مجموعة من النساء والمتعلق بالطلاق الرجعي، حيث تُهان كرامة المرأة وتضيع حقوقها المالية والاجتماعية.

الطلاق الرجعي… لا حق للمرأة في الرفض !

في إحدى المواقع الإلكترونية المتخصصة في “الأسئلة الشرعية”، سألت إحدى المتدخلات، بعد تفصيل في ظروف زواجها وطلاقها (دون أوراق رسمية)، وطلب إرجاعها، على أساس مصالح شخصية من الزوج، كما تساءلت المتدخلة، إن كان يترتب عن رفضها الرجوع إثم أم لا؟

الإجابة كانت كالآتي: “إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، فهي طلقة رجعية، أي له ارتجاعها رضيت أو لم ترض… وعليه، فقد كان يمكنه أن يُرجعك دون رضاك، فيقول أرجعتك، ونحوه من الألفاظ. ولعله أراد أن يكون ذلك برضاك، أو كان يجهل أن الرجعة لا يشترط لها رضى الزوجة“.

إذن… عند وقوع الطلاق الرجعي، يحق للرجل أن يُرجع زوجته دون رضاها ودُون تدخل من أحد؛ إذ لا يكون للمرأة رأي إذا قرر الرجل إرجاعها.

الطلاق الرجعي هو ما يجوز معهُ للزوج رد زوجته في عدتها من غير استئناف عقد ولا مهر، وهو ما كان دون الطلقة الثالثة، وتظل المرأة في هذه الحالة في عصمة الرجل، وله الحق أن “يعيدها” سواء بالقول أو بالفعل خلال مدة العدة دون إجراءات جديدة. خلال هذه الفترة، لا يحق للمرأة الخروج من البيت أو إخراجها؛ حيث تظل في عصمة الرجل وخروجها من المسكن منافٍ “للشرع”، كما جاء في الموسوعة الفقهية.

يضع الفقهاء شروطا لحدود العلاقة بين الزوجين في عدة الطلاق الرجعي… شروط تجعلُ من المرأة خاضعة لهوى الرجل، تظل خلالها سلطة القرار للرجل وما على المرأة إلا التنفيذ والخضوع.

من بين هذه الشروط، أن عدة الزوجة ثلاث حيضات أو شهر، يُعطى للرجل هذه الفترة حتى يُفكر أيمسك زوجته أو يطلقها، ولا يحتاج خلال هذه المدة لمراجعة زوجته وإنما يخبرها بقراره فقط، وإذا أراد أن يراجعها يقول فقط: فلانة أرجعتك، بل إن البعض ذهب إلى أن طلبه لها بإحضار شيء ما مثلا، يدخل في الإرجاع.

هناك اختلاف بين الفقهاء حول إشهاد الرجعة، إذ يؤكد “ابن باز” ضرورة أن يشهد اثنين أنه راجع زوجته، ما دامت في العدة قبل أن تروح عليها الحيضات الثلاث إن كانت تحيض، أو قبل شهور ثلاث إذا كانت لا تحيض، أو قبل الوضع إن كانت حاملًا؛ له أن يراجعها، سواء كانت طلقة، أو طلقتين. في حين يرى “الألباني”، حسب ما جاء في كتاب “أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء”، لمحمد حسن بن الغفار، أن الرجعة لا تصح بحال من الأحوال إلا بالشهود.

خلال هذه الفترة، لا تحتجب المرأة عن الرجل، وإنما تبقى في بيتها خلال العدة ولا تخرج منه. إضافة إلى أن المرأة خلال العدة تظل في عصمة الرجل لها حق النفقة إلى أن يمسها أو يجامعها فإن حصل ذلك، فهو بمثابة إرجاع لها… وغير ذلك من الشروط السّلطوية التي تقرر مصير المرأة دون إذن منها.

حسب الفقه الحنفي، فإن المراجعة تكون بالقول: “راجعتك أو لا زالت زوجتي..”، أو بالفعل، أي “المعاشرة”. بل إن كل المذاهب الفقهية تتفق في شروط الرجعة في الطلاق الرجعي، وتؤكد على عدم الأخذ برأي الزوجة أو رضاها من عدمه.

نقطة أخرى تشير إليها الموسوعة الفقهية الكويتية، الصادرة عن وزارة الأوقاف، حيث أشارت إلى أن المرأة مُلزمة أن تتعرض لمطلقها وتتزين له باعتبار أن ذلك يمكن أن يجعل الزوج يُفكر في إرجاعها، بل إن الشيعة يضيفون أن الرجل إن أتى بفعل يقصد به الرجوع، فقد تم ذلك مثل التقبيل بـ”شهوة” وغيرها مما لا يحل إلا للزوج… والصورة دائما أنه لا قرار للمرأة في ذلك.

ويختلف الطلاق الرجعي عن الطلاق البائن بينونة صغرى، في أن الأول لا يحتاج عقدا ولا مهرا جديدا، بينما الثاني يُلزمُ ذلك، ويدخل ضمن ذلك أن يكون الزوج طلق زوجته طلقة أولى أو ثانية، وأنهت عدتها دون أن يراجعها، فعندها، تصبح بائنة منه بينونة صغرى، ويلزمُ لإرجاعها عقد ومهر جديدين. أما الطلاق البائن بينونة كُبرى، فهو المعروف بـ“طلاق الثلاث”، في هذه  الحالة لا يحق للرجل أن يعيد زوجته إلى عصمته، إلا بشرط أن تتزوج رجلا آخر، ثم تنفصل عنه، حينها يحق للزوج الأول الزواج منها لكن بعقد ومهر جديدين.

يختلف الفقهاء حول القصد بـ”طلاق الثلاث”؛ حيث يذهب البعض إلا أن التلفظ بالطلاق ثلاث مرات أو أكثر يدخل في طلاق البينونة الكبرى، بينما جعلها بعضهم طلقة واحدة. في حين يرى أغلب الفقهاء أن المقصود به أن تُطلق الزوجة ثلاث مرات، باعتبار أن الأولى والثانية يدخلان في إطار الطلاق الرجعي أو البائن بينونة صغرى.

القوانين العربية المنظمة للأسرة… تمسك بالفقه

لا تزال أغلب القوانين المتعلقة بتنظيم الأسرة في الدول العربية تستمد أحكامها من الفقه الإسلامي، إذ بقيت أغلبها متشبة بالفقه دون تعديل إلا في توثيق الطلاق والرجعة عند القضاء.

قانون الأحوال الشخصية بالمملكة العربية السعودية ظل متمسكا بالنص الفقهي، معتبرا في المادة 87 من القانون، أن الزوج في حال طلق زوجته طلاقا رجعيا، يحق له مراجعتها طالما لم تنهي العدة. ولا يسقط هذا الحق الممنوح له بالتنازل عنه.

على أن القانون لم يذكر رضى الزوجة من عدمه عند تطرقه لحقوق المطلقة طلاقا رجعيا، إلا أنه أدخل شرطا جديدا، حسب المادة 92، حيث أوجب على الزوج في حالة الطلاق الرجعي أن يوثق المراجعة حسب إجراءات، وخلال فترة حدها الأقصى 15 يوم من التاريخ الذي تمت فيه المراجعة. كما حدد شرط الرجعة في الخلو بالزوجة أو الدخول بها.

وفق مدونة الأسرة المغربية لسنة 2004، نصت المادة 124 أنه “إذا رغب الزوج في إرجاع زوجته المطلقة طلاقا رجعيا، أشهد على ذلك عدلين، ويقومان بإخبار القاضي فورا. يجب على القاضي قبل التوقيع على وثيقة الرجعة، استدعاء الزوجة لإخبارها بذلك، فإذا امتنعت ورفضت الرجوع، يمكنها اللجوء إلى مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المادة 94”.

يمكن للزوجة طلب طلاق الشقاق في حالة وجود نزاع بين الزوجين، أو استحالة استمرار العلاقة الزوجية، ثم اللجوء إلى المحكمة، وفي هذه الحالة، يعتبر القضاء الجهة الوحيدة المخول لها البث في طلبات طلاق الشقاق.

لم يتفرع قانون الأسرة الجزائري كثيرا في قضية الطلاق الرجعي، إذ لم يتطرق إلى صيغها وانعقادها، حيث جاء في المادة 50 من قانون الأسرة: “من راجع زوجته أثناء محاولة الصلح لا يحتاج إلى عقد جديد”. إذ لم يحدد هذا النص شروط الرجعة أو رأي الزوجة في ذلك.

أما قانون الأسرة الكويتي، فقد اعتبر الطلاق الرجعي طلاقا لفظيا شفهيا، لا يحتاج إلا توثيق قضائي، ولا يسجل عند الكاتب الشرعي، ناصا على أنه لا حاجة لموافقة الزوجة في الرجعة، وإنما يظل الأمر محصورا لدى الزوج.

أغلب المواد المتمضنة في قوانين الأسرة العربية تشبتت بحق الرجعة دون رضى الزوجة، ما عدا ما تطرقنا إليه في مدونة الأسرة المغربية، الذي منح للزوجة هذا الحق وحدد شرط اللجوء للشقاق لرفض الرجعة… إلا أن مسطرة الشقاق نفسها تطرح إشكالات باعتبار أنها تخضع لشروط وإجراءات تُلزم الزوجة بإثبات عدم أهلية الزوج وانتفاء اسمرارية العلاقة الزوجية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *