فلسطين في شعر الأمازيغ: تضامن إنساني خارج الأيديولوجيات - Marayana
×
×

فلسطين في شعر الأمازيغ: تضامن إنساني خارج الأيديولوجيات

منذ أن برزت القضية الفلسطينة، عبر الشعب المغربي بمختلف أطيافه عن مساندة القضية وحمل آلامها. لم يخرج الأمازيغ عن هذه القاعدة… تغنوا بالقضية ونظموا من أجلها.
اهتمام الأمازيغ في المغرب بالقضية الفلسطينية، ومواكبة مستجداتها، والتفاعل مع أحداثها ومآسي الشعب الفلسطيني وآلامه، لم يكن وليد اليوم، بل يمكن القول إن الوعي الأمازيغي بالقضية الفلسطينية، تشكل منذ خمسينيات القرن الماضي، لنتتقل عبر الأجيال المعاصرة.

صهيون يوسين توزالت ؤكان ءأوا أري قرسي
ءيغ ءيلا ؤوقريان لهينت ؤوركن تسلكم إياتي

ترجمة

يا صهيون ويا ذباح الخلق

إن كنت تتبجح بقوة السلاح فلست ببالغ شيء

بهذه الكلمات، عبرت مجموعة إزنزارن الأمازيغية عن دعمها التام والمطلق للقضية الفلسطينية… كلمات كانت أن صادفت حينها، مجزرة “صبرا وشاتيلا”.

لم تكُن مجموعة إزنزارن الوحيدة في الأدب الأمازيغي التي جعلت من القضية الفلسطينية، قضية من أهم قضاياها، بل إن الأدب الأمازيغي حافلٌ بذلك.

لا يصنف الشعر الأمازيغي ضمن إنتاجات اليسار ولا الوسط ولا اليمين، ولا يخضعُ للأيديولوجيا… شعر يرتفع فوق كل ذلك، شعر لا يؤمن إلا بالقضايا الإنسانية العادية، كالقضية الفلسطينية.

إزنزارن… الصهيوني لا يعرف إلا الذبح

أن يولد الفن في سنوات الجمر والرصاص، فحري أن يحمل على أكتافه القضايا الإنسانية العادية.

لم تخرج مجموعة إزنزارن عن هذا النمط، وهي التي ظهرت في سبعينيات القرن الماضي ضمن سياق عالمي يشتعل قمعا.

تحت قيادة عبد الهادي إيكوت، إلى جانب عبد الله أوبلعيد، مولاي إبراهيم الطالبي، محمد حنفي، حسن بيري ثم مصطفى الشاطر. ولدت المجموعة، وكانت بداياتها مشوارها بالأغنية العاطفية المشهورة “إمي حنا” (أمي الحنونة). لتنحو بعد ذلك نحو الأغنية الملتزمة والاهتمام بالقضايا المجتمعية والإنسانية عموما.

صارت إزنزارن، تؤلف مئات القصائد عن العدالة والإنسانية، فطالت قصائدها: الهوية، والأرض، والفقر، والديكتاتورية.. فكان لا بد أن تصطدم المجموعة مع ما يعانيه الفلسطينيون من طغيان الصهيونية.

توجه نحو القضية، سيظهر لحظة ظهور أغنيتهم  “توزالت”؛ أي الخنجر، التي صدرت سنة 1981 بـ” صهيون يُوسِين تُوزّالْتْ ءُوكَان ءارْ ءيقْرْس”، وتعني “الصهيون حمل الخنجر.. وفينا أوغل نحرا”، في إشارة واضحة إلا أن الصهيوني هناك لا يعرف لغة غير لغة الدم والذبح.

تقول الأغنية في بعض أبياتها:

ترولا ترولا ؤوركن تجنجم ؤلا سول تكركاسنكي
وا غواد يوسين توزالت ؤكان ءاوا ءاري قرسي
واصهيون يوسين توزالت ؤكان ءاوا أري قرسي

ترجمة

فلا الهروب ولا الخذعة تقيك
ويا قابض السكين وياذباح
يا صهيوني وياماسك السكين ويذبح
الحرية تصنع بدماء الشهداء

لم توظف المجموعة كلمة “صهيون” إلا أثناء التسجيل داخل الأستوديو، لتفادي الملاحقات، في ظل واقع سياسي حساس. لكن المجموعة تجاوزت هذا الواقع لتعبر عن كل ما يختلج صدور المغاربة بكافة أطيافهم، بل إن القصيدة لم تكن موجهة فقط للقضية الفلسطينية، وإنما لكل الطغاة والمستبدين.

قصائد أخرى تناولت أحداث الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1987 التي بدأت في جباليا بقطاع غزة، قبل أن تنتقل إلى قرى ومخيمات ومدن فلسطين. قصائد عبر خلالها شعراء أمازيغ عن آلامهم وانكساراتهم، ونعت الصمت الدولي، وصورت تفاصيل مجازر الاحتلال وعنصريته.

مظاهر صورتها مجموعة “إنشادن” للشاعر والمنشد الشيخ البوغلي، قائلا:

تابعنا على القنوات كلها المجازر في فلسطين
قتلوا الشيوخ، وكم من الصبيان رحلوا إلى القبور
وكم من الثكالى جُنّن من شدة البكاء.

من جانب آخر، لا تُذكر الأغنية الأمازيغية إلا ملازمة للشاعر الأمازيغي الحاج بلعيد. عميد الشعر الأمازيغي الذي وضع أبرز قواعد الأغنية الأمازيغية، إلى جانب أنه يعد من الشعراء الأوائل الذين تغنوا بالقضية الفلسطينية، وتصدى بحنجرته لغطرسة الكيان الصهيوني وظلمه بحق الشعب الفلسطيني منذ بداية خمسينيات القرن الماضي. وكان له في تبني جيل أمازيغي قادم للقضية الفلسطينية.

إلى جانب بلعيد، ظهر الشاعر الأمازيغي محمد الدمسيري، الذي توفي سنة 1989، كأول من ناصر القضية الفلسطينية منذ النكبة، فدافع عن استقلال القدس ودان الإجرام الإسرائيلي.

رسالة الرواد هاته حملها عدد كبير من الشعراء الأمازيغ المعاصرين. هذا ما نجده لدى الفنان الأمازيغي الراحل محمد رويشة في أغنيته المشهور “ماتا الزمان يتساكان”، حيث يتأسف الزجال؟؟ على استمرار الآلام الفلسطينية، في ظل صمت عالمي رهيب.

بإيقاع محلي ووطني، يتألم الرجل في مقطع لفلسطين يقول فيه: “فلسطين إخُوباس…أتّويناس إكودار، وياكّ لولْ إزْريايش… أيا عداو أمازير”.

على نفس الخطى اتجه قائد فرقة أحيدوس الامازيغية سعيد البدوي. على خشبة المسرح بمدينة أزرو الجبلية، توشح الرجل الكوفية الفلسطينية، قبل أن تبدأ الفرقة الرقص، أنشد قصيدة عن المقاومة والتحرر.

تقول الأغنية

أوامش دا تدّوداوي اوال غر أينا يور ييويض

أوا ثودرم ئيـ والن ألييْ ئيعول ووادي غيفون

أوا أد أس ئينيخ ئيـ لمقاومة شم أكان لخيار

أوا أوداي بلا ثغريت ؤور نِّيين أدْ ئيـ يِّين سـ رَّاي

الترجمة

ألا أيها المسافر بلّغ رسائلي لكل غافل مُسْتهتر

رأيت الأقارب قد غضّوا الطرف فتغوّل الصهيوني

ألا أيتها المقاومة صرت الخيار الوحيد والأوحد

فالقوة وحدها تُرْغِم الصهيوني على الإذعان لحقنا المشروع

في معظم تعبيرات الشعراء الأمازيغيين وحواراتهم، تحضر القضية الفلسطينية بشكل واضح، متجاوزة العرقي لتحضن الإنسان في انكساراته وآلامه… حضور يسجد بالفعل أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية بالمقام الأول.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *