في دورته الـ 26… مهرجان كناوة يؤبد الفرح - Marayana
×
×

في دورته الـ 26… مهرجان كناوة يؤبد الفرح

في الصويرة فقط، يصبح الجنون حكمة الأرواح، ويصير للزمن معنى المكان.
في مهرجان كناوة، ككل مرة، تتسيد الدهشة، ويلبس العشاق جبة الوله القادم نحو مدينة صارت تسكن الناس.
في دورته الــ 26، يطلق مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، صرخة ولادات متجددة، عقيدتها الفرح.

… في كل سنة، تستعد الصويرة، ويستعد عشاقها معها، لحدث صار مع الوقت، موعدا محددا مع وللفرح.

وفي كل سنة، تستسلم الصويرة، ومعها عشاقها، لمرادفات المفاجأة.

ذلك الموعد السنوي، الذي يسميه “الكناويون” بـ “موسم كناوة”، ويسميه عشاق المدينة ومهرجانها بـ “مهرجان كناوة وموسيقى العالم”، يصير كل مرة، مفاجأة. يكون كل سنة، دهشة.

هي في النهاية، روح مدينة تستعصي على كل مفردات التفسير والشرح. هي لغة عتيقة تتجدد كل سنة، كي تمنح الفرح بعضا من معناه، وكي تتلبس جسد أرواح كثيرة، تبحث في المدينة، عن لحظة حرية تغادر جغرافيات الأجساد، وتقيم عرشها على ممالك “المعلمين” وحدود “الكمبري” و”القراقب” والطبول. هي ببساطة استسلام الصخب للجمال.

في ثلاثة أيام فقط، تصر الصويرة كل سنة على إعادة تشكيل معنى الزمن… تصير اللحظة فيها عمرا، تتحول الليلة فيها إلى مكان. في الصويرة فقط، اترك فهمك القديم للزمن والمكان، كي تستطيع تأبيد الفرح.

فنانون أحيوا مهرجان كناوة وموسيقى العالم 2025
فنانون أحيوا مهرجان كناوة وموسيقى العالم 2025

في الصويرة فقط، تستطيع أن تهيم، في ذات اللحظة، مع عوالم المعلم “حسن بوصو”، وأن تستسلم، روحا وجسدا، لملائكيات موسيقى “نيشتيمان” الحاملة لشجن الكرد من إيران إلى العراق وتركيا. في الصويرة وحدها يرتل الكناوي موسيقاه، كي تتلقفها أنماط موسيقية أخرى كغيث، وكي تمطر الموسيقى كخمرة روح.

لم يكن الأمر قط، ولن يكون، مجرد مهرجان بمعناه المعتاد والقديم، هو ببساطة، اختبار روحي وإنساني يفكك كل المسلمات القديمة القائمة، ليعلن عن ميلاد عقيدة كتبها الفرح.

وككل فرح… تتحول الصرخة الأولى/ لحظة الولادة… إلى ما يشبه اكتشاف أصل المادة الخام للعشق. يتحول الموكب الافتتاحي، إلى ما يشبه ملاحم قدوم الفرسان المحررين، يجوبون أزقة المدينة كي يعلنوا موعد الخلاص… موعد تحرر العبيد الذين قرروا أن يكون الشدو نشيدا للعالم، وأن يكون الكمبري راية العاشقين.

… في ليلته الأولى، أهدى مهرجان الصويرة لعشاقه ومريديه، رعشة الرحيل نحو معاني رهبة الجمال المسكون بالشجن. المعلم القصري وفرقة باكالاما السنغالية، الممسكة بعصب إيقاعات ورقصات غرب إفريقيا التقليدية، قرروا ليلتها، أن يسكنوا الفرح في بيت الروح، وأن يجعلوا الرقص مرادفا للخشوع.

مهرجان كناوة 2025
مهرجان كناوة 2025

ولأن الحكايات في الصويرة تبدأ كي لا تنتهي، كان لزاما على مريدي سحر وسحرة كناوة، أن لا يسترجعوا أنفاسهم بسهولة… كان عليهم أن يروضوا الروح على الركض، كي تتسابق ومواطن الدهشة والجمال، وكي يقبلوا على متتاليات فرح باذخة، يتحول فيها الجنون إلى حكمة، ويصير الاستسلام فيها لتمرد الأجساد، إلى مرادف للوقار.

جنون كتب حكمته، المعلم حسام كينيا، وهو يعانق ارتعاشات عازف الطبول/ الدرامز، الأمريكي ماركوس جيلمور من نيويورك، في أداء مشترك على آلة الكمبري، ليرسخه فيما بعد، مراد المرجان في حوار روحي مع ظافر يوسف، رائد الجاز الصوفي، ولتضع عليه أسماء حمزاوي وفرقة بنات تمبكتو، مع الفنانة المالية رقية كوني، قبلة العشق في أغان تجمع بين المقاومة والأخوة النسائية، المشبعة بالتقاليد والالتزام الاجتماعي.

ثم… تستمر الدهشة لتفاجئ الصويرة وعشاقها…

المعلم محمد بومزوغ، قدم خلال هذه النسخة، مشروعه الإبداعي الجديد، إلى جانب كل من أنس شليح وألي كيتا وتاو إيرليش ومارتن غيربان وكوينتين غوماري وحجار العلوي. مشروع، غزل على جلد قديم، حكاية مغامرة صوتية تربط بين المغرب ومالي وفرنسا، تماهت فيها آلات البالافون والكمبري والنفخيات في تركيبة موسيقية أعلنت قواميس جديدة للموسيقى، وفرضت لغات… غير قابلة للترجمة.

في يوم كناوة ولياليها، السيد في الحكاية قارة. كل إفريقيا تصير سيدة للزمن والمكان.

موسيقى القارة ومبدعوها، تسيدوا ليالي الفرح في الصويرة، حيث احتضن أسطورة الريغي الملتزم، تيكن جاه فاكولي، النجم الصاعد سيمافانك، من الساحة الأفرو-كوبية، إلى جانب الظاهرة النيجيرية في موسيقى البوب سي كاي، في لقاء استثنائي كسر كل الحدود الممكنة بين مختلف الأجيال من عشاق كل نمط وكل مبدع.

عرس كناوة الأجمل هذه السنة، كان في لحظة ما، على منصة الشاطئ، حيث أبهر جيل جديد من الفنانين الكناوين، عشاق المدينة والمهرجان، بعروض مميزة إلى جانب “المعلمين” الكبار، ليعلنوا ملء الصوت والنغم، أن تواصل الأجيال قائم، وأن الحفاظ على التراث الموسيقي الأصيل، أمر قيد الحرص والانتباه.

كعادته، اقترح المهرجان هذه السنة، مساحة للجرأة والابتكار، حيث قدم فنانون مبدعون، أند ذا لالاز، ديوعود، فهد بنشمسي، مشروع نشطيمان، ذا ليلى ورباب فيزيونن مقترحاتهم الفريدة التي تجمع بين الجذور المحلية والتأثيرات المعاصرة.

برنامج “بيركلي”، عاد هذه السنة، في نسخته الثانية بالمهرجان، بالشراكة مع كلية بيركلي للموسيقى الأمريكية المرموقة، خلال الفترة من 16 إلى 21 يونيو، ليوفر فرص تدريب متقدمة لموسيقيين شباب من 23 دولة، إلى جانب فنانين معترف بهم دوليا.

البرنامج، كما أوضح المنظمون، صمم كمختبر حي للتعلم والتعاون الموسيقي، يجسد القيم الأساسية للمهرجان المتمثلة في التوارث والتحدي والجرأة في التجريب الفني.

البرنامج الثقافي للمهرجان، تضمن أيضا، مجموعة متنوعة من الأنشطة، منها لقاءات “شجرة الكلام”، وهو فضاء للحوار مستوحى من التقاليد الإفريقية العريقة. كما أقيم معرض “بين اللعب والذاكرة” في برج باب مراكش، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية في الشوارع والورشات المفتوحة للجمهور.

ثم…

قد يكفي في النهاية، أن تذكر كل هذا الجنون، وأنت تتذكر ليلة الكبير…

ليلة المعلم مرشان الذي جعل للمدينة مفتاحا واحدا. مفتاح معلم أمسك بكل خيوط الحكاية، كي يغزل منها جبة للعاشقين

معلم… كصهيل جياد أصيلة، رتلت آيات العشق.

هي كل هذا الصويرة؟

أبدا…

هي كثير غير هذا، ننتظره كل سنة، ونظن أننا ألفناه.

ثم تفاجئنا فيه الأرواح والأجساد… وتفاجئ المدينة معنا.

هو كل الدهشة المنقوشة على حجر الفرح.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *