صداقات انتهت وأخرى متواصلة: عن علاقاتنا بالأصدقاء بعد الزواج
لماذا يختار البعض قطع أواصر الصداقة مجرد ولوجه مؤسسة الزواج؟
انشغالات؟ مسؤوليات جديدة؟ قطع مع الماضي؟ رغبة في التحلل من عادات قديمة؟
في جانب مقابل، آخرون يتشبتون بصداقاتهم، معتبرين ذلك جزءا من تكوين شخصايتهم عبر الزمن، لا يجب أن تتبدل أو تنقطع رغم المسؤوليات الجديدة، لأنه لا مبرر في نظرهم يجعلهم يقطعون علاقات الصداقة.
كثيرا هي العادات التي تتغير بعد الزواج. مسؤوليات تفرض، أحيانا، تغييرات كثيرة في العادات اليومية.
تغييرات، قد يكون ضحيتها الماضي، بكل ما يحمله من علاقات وصداقات قديمة.
من جانب آخر، أخرون تشبتوا بعلاقاتهم وصداقتهم، ربما تغير فيها شيء ما، بفعل طبيعة البيئة الجديدة، لكن الاتصال باق والمحبة متواصلة.
صداقات منتهية
قبل أن تحكي أمينة، من مدينة تنغير، قصتها لمرايانا، تساءلت: “ما الذي يحملُ إنسانا على أن يدير ظهره لأصدقائه، ويحظرهم بمجرد أن يتزوج؟ لماذا يتناسى البعض الأيام الخوالي؟”.
تسترسل أمينة: “كانت لي صديقة مقربة جدا، بل هي صديقتي الوحيدة، باعتبار مفهوم الصداقة عندي، نتواصل دائما، نلتقي في أحايين كثيرة، بحكم أننا نسكن في نفس المدينة، تزورني في منزلنا، وأزورها في منزلها…علاقة قوية لم تنقطع أواصرها يوما”.
تضيف أمينة في تصريحها لمرايانا: “فرحْت كثيرا حين أعلنت لي عن خطوبتها، لكن الأمور ستتغير بعد ذلك…أصبح تواصلها قليلا. لم آخذ موقفا من ذلك، نظرا لأن مسؤوليات جديدة ظهرت في حياتها، إلا أن قطع حبل الوصال حدث لما دخلت عُش الزوجية. لم أسمع خبر زواجها إلا من صديقة أخرى، حين أردت أن أستفسرها عن الأمر، وجدت أنها حظرتني من كل مواقع التواصل الاجتماعي”.
سألنا أمينة حول محاولتها الاتصال لمعرفة السبب، فأجابت بالنفي، إذ أنها لم تستسغ أن تتصرف صديقتها بهذا الشكل، بعد أن تشاركا جميع تفاصيل حياتهما، معتبرة حظرها من مواقع التواصل، قطعا للعلاقة إلى الأبد.
بالنسبة لسهام، فحكايتها مع صديقتها المقربة مختلفة بعض الشيء.
تحكي سهام، من مدينة فاس، لمرايانا: “بحكم أننا كنا نشتغل في نفس المؤسسة التعليمية، كانت علاقتي بها قوية جدا، كانت دائما تشتكي لي من رفضها لبعض الخاطبين، تجد فيهم أشياء لا تروقها، وكنت دائما سندها وعضُدها في ذلك…”.
تضيف سهام: “فجأة، ودون سابق إنذار، سمعتُ من مصدر آخر أنها تزوجت صيفا، دون أن تُخبرني حتى بخطوبتها، أرسلت لها مباركة زواجها، فأجابتني ببرود، لم أسألها نهائيا عن سبب إخفائها الخبر”.
تتابع سهام: “انقطعت العلاقة مدة طويلة جدا، بحكم أنها انتقلت من المؤسسة التي نشتغل بها. يوما ما، أرسلت لي رسالة. تفاجأت لذلك، لكنها لم ترسل سوى لتشتكي لي من حياتها الزوجية… هنا، أدركت أن علاقتها بي مبنية على مصلحة غير متبادلة، مصلحة أنني صديقة وقت الأحزان لا الأفراح…”.
وأخرى متواصلة…
بين علاقات منتهية، تظل أخرى متواصلة، برغم الظروف الجديدة الذي يعيشها المتزوج.
عبد الصمد، من مدينة الراشيدية، يعتبر أن علاقته بصديقه، أصبحت أقوى بعد زواجه.
يحكي عبد الصمد في تصريح لمرايانا: “صديقي هو ابن عمي، لكني أعتبر صداقتي به أقوى من رابطة الدم التي تجمعنا، حتى أفراد العائلة يعتبروننا إخوة لا أبناء عمومة… كبُرنا معا، وكنا معا في سراء الأمور وضرائها”.
يسترسل عبد الصمد: “كنت أول من يَعلم بخطبته، علمت بها قبل أن يُخبر أفراد عائلته، أخبرني بجميع تفاصيلها... بعد زواجه، لم تنقطع علاقتنا نهائيا، بل أصبحت أقوى، رغم ظروفه الجديدة، فإن التواصل بيننا يومي… بحكم أنه يشتغل شمال المغرب، إلا أنه مجرد أن يأتي للراشيدية يتصل بي من أجل اللقاء، بل يلح على اللقاء. لم تغيره الظروف ولا المسؤوليات الجديدة”.
يضيف المتحدث: “أحيانا، وبسبب ظروف العمل، أغيب بعض الوقت، لكن مجرد أن أغيب ليوم أو يومين، يتصل بي سائلا عن أحوالي وسبب غيابي”.
نفس الحكاية تؤكدها لمرايانا أسماء من مدينة الرباط.
أسماء ما زالت علاقتها مع صديقتها كما كانت في السابق، رغم أن صديقتها أضحت لها مسؤوليات جديدة مع الأبناء، لكن رفيقتها تتحدث معها دائما عن طريق الرسائل أو مكالمات هاتفية.
تضيف أسماء في حديثها لمرايانا: “حتى في المناسبات الخاصة بعائلة زوجها، تتصل بي في كل مناسبة من أجل الحضور. لم تنقطع المحبة بيننا، رغم أنه أحيانا يغيب التواصل، وذلك راجع إلى المسؤوليات الجديدة، لكنها لم تضحِ نهائيا بعلاقتنا رغم هذه المسؤوليات”.
القطع مع زمن اللاعقل؟
تعتير مرية الشاطبي، الباحثة في علم الاجتماع، أن انتهاء علاقات الصداقة بعد الزواج، مرتبط بعقليات تؤمن بثقافة أن ما ارتبط بالماضي قد يعيق مستقبل الحاضر.
تضيف المتحدثة في تصريحها لمرايانا: “يعتقد كثيرون أن مرحلة ما قبل الزواج، هي مرحلة طيش وترف فكري، ويعتقدون أن مرحلة الزواج هي مرحلة مفصلية، وجب خلالها القطع مع زمن اللاعقل…يتوهمون أن تلك العقلية التي يجب أن يتبنوها، لن تتحقق إلا بالقطع مع ما ارتبط بالماضي”.