زواج المتعة… بين تحريم السنة وإباحة الشيعة؟
زواج المتعة… ذلك العنوان الذي كثيرا ما يُطرح في الخلاف بين السنة والشيعة.
ما زال الإمامية الإثنا عشرية من الشيعة يبيحونه، فيما يذهب أهل السنة إلى التحريم…
يتفق الفريقان على أنه مورس في صدر الإسلام، فيما اختلفا حول تحريمه…
تأويلات مختلفة للنص القرآني، إلى جانب صحة الأحاديث المعتمدة، جعل الخلاف في هذه المسألة يظل حاضرا إلى اليوم…
شأن كل المجتمعات، عرفت الجزيرة العربية قرونا من الأعراف والتقاليد والأنظمة الاجتماعية.
تقاليد ظلت سمة البدايات الأولى من الإسلام، إلى أن تم تحريمها مرة واحدة، أو بشكل تدريجي، خطوة بعد أخرى.
كان الزواج المألوف والمتعارف عليه عند السواد الأعظم من العرب قبل الإسلام؛ “نكاح الصداق“؛ أي القائم على الخطبة والمهر والقبول.
على أنه، عُرفت كذلك أنواع أخرى من الزواج، من أشهرها زواج المتعة.
تختلف تسميات زواج المتعة هذا، بين نكاح المتعة أو النكاح المؤقت أو المُنقطع… وهو أحد “الأنكحة” التي يعقد الرجل على المرأة لمدة معينة، ثم بعد ذلك يزول التعاقد.
لا تطبق عليه الأحكام المتعارف عليها في الزواج؛ كالطلاق، أو العدة، أو الميراث والنفقة، إنما تكون الغاية منه المنفعة والمتعة إلى الأجل المتفق عليه.
من الإباحة إلى التحريم…
يُجمع الفقهاء على أن زواج المتعة كان مُباحا في البدايات المُبكرة للإسلام، شأنه في ذلك شأن عادات كثيرة لم يتم تحريمها بداية.
في ما يخص سبب الاباحة، يورد البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود: “كنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معنا نساء، فقُلنا: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، فرخَّص لنا بعد ذلك أن نتزوج المرأة بالثوب“؛ أي بما يتراضون به مهرا إلى أجل محدد.
يقعُ الاختلاف فيما إذا كانت الاباحة ثم النسخ بالتحريم قد أتت في القرآن أو السنة.
في الآية 24 من سورة النساء، نجد: “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا”.
تباينت آراء المفسرين في معنى: “فما اسمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة”؛ حيث ذهب بعضهم إلى أن الآية جاءت في سياق نكاح المتعة ثم نُسخت، في حين يرى آخرون أنها ليست في نكاح المتعة.
يرى الكساني في كتابه “بدائع الصنائع”، أنه لا يجوز أن تحُمل الآية على زواج المتعة، وقوله تعالى “فما اسمتعتم به منهن”، فالمقصود به “النكاح”؛ لأن المذكور في أول الآية وآخرها: هو النكاح الشرعي، والمقصود بالأجر “الصداق”.
في حين قال ابن الجوزي في “زاد المسير” أن قوما من مفسري القرآن ذهبوا إلى أن المراد بهذه الآية “نكاح المتعة”، ثم نُسخت بما رُوي عن النبي.
مما نسخت به هذه الآية، حسب الرأي الثاني، ما ورد في سورة المؤمنين: “والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين”. فهذا يدل على أن أي امرأة غير الزوجة والأمة يجب حفظ الفرج عنها.
بالنسبة للسنة النبوية، تختلف الروايات حول سنة التحريم، إذ يشير البعض إلى كون التحريم حدث يوم خيبر، بينما يذهب آخرون إلى أنها حرمت عام الفتح، في حين أشارت راويات أخرى إلى أن التحريم كان في حجة الوداع.
على أن زواج المتعة، حسب روايات أخرى، لم ينته في عهد الرسول؛ أي أنه لم يحرم آنذاك، بل امتد إلى خلافة عمر بن الخطاب، بمعنى أنه كان مباحا في خلافة أبي بكر.
في حديث ذكره مسلم في صحيحه: “قدم جابر بن عبد الله معتمرا، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم، استمتعنا على عهد رسول الله، وأبي بكر، وعمر”. وفي رواية أخرى: “وصدرا من خلافة عمر، حتى نهانا عنها”.
هل نكاح المتعة زنى تستوجب الحد؟
إذا كان زواج المتعة مُحرما، فهل يعتبر زنى توجب قيام حد الزنى؟
يذهب القائلون بأن زواج المتعة لا يستوجب الحد، إلى أن النكاح يفسخ بغير طلاق قبل الدخول وبعده، ويعاقب الزوجان بالتعزيز، لا بالحد؛ لأن اتباعها لقول من أباحه،[1] يكون شبهة والشبهة تدرأ بالشبهات. كما أن زواج المتعة إذا نتج عنه حمل، يُلحق الابن بأبيه على عكس الزنى.
من ذلك قول الخرشي المالكي في شرحه الصغير على مختصر خليل: “نِكَاحُ الْمُتْعَةِ يُفْسَخُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، كَمَا يُفْسَخُ قَبْلَهُ، وَيُعَاقَبُ فِيهِ الزَّوْجَانِ، وَلَا يَبْلُغُ بِهِمَا مَبْلَغَ الْحَدِّ، وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ، وَفَسْخُهُ بِغَيْرِ طَلَاقٍ”.
في حين يرى رأي آخر أن زواج المتعة يوجب حد الزنى، في حالة إذا كان من فعل ذلك يعلم أن نكاح المتعة حرام، فهذا يوجب الحد، وإن جاءه أولاد من هذا النكاح فلا يلحقونه.
ماذا عن إباحة الشيعة لزواج المتعة؟
يتفق السنة والشيعة على أن زواج المتعة كان معمولا به في البدايات الأولى للإسلام، إنما يقع الاختلاف في التحريم.
جمهور الإمامية الإثنا عشرية من الشيعة حكموا بحله، باعتبار أنها كانت مباحة في صدر الإسلام أيام النبي وأبي بكر وصدر من إمارة عمر، وإن هذه الإباحة غير محددة بعدد، بذلك يكون دليلهم على إباحتها الكتاب والسنة.
في القرآن، يستشهد الإثنا عشرية بالآية 24 من سورة النساء – التي ذكرناها سابقا – كما قسموا الزواج الشرعي الوارد في القرآن إلى أربعة أقسام: زواج الحرة الدائم، وزواج الأمة الدائم، وزواج ملك اليمين، وزاج المتعة.
في ما يخص السنة النبوية، يشدد الشعية الإمامية على أن الأحاديث التي وردت في إباحتها كثيرة، من ذلك ما رواه أحمد في مسنده من حديث عمران بن حصين قال: “نزلت آية المتعة في كتاب الله، وعملنا بها مع رسول الله، فلم تنزل آية تنسخها ولم ينه عنها النبي حتى مات”.
ماذا عن الأحاديث التي جاءت بالتحريم؟
يعتبر الإمامية الاثنا عشرية أن الروايات المنقولة الناسخة للإباحة مضطربة اضطرابا كبيرا، باعتبار أنها لم تحدد بشكل دقيق زمن التحريم، إضافة إلى أن زواج المتعة استمر حتى عهد عمر بن الخطاب. لذلك، لا يمكن لعمر أن ينسخ نصا قرآنيا؛ لأنه لا يحق لأحد إلا النبي أن ينسخ الأحكام بأمر من الله.
[1] – ثبت عن ابن عباس القول بإباحة المتعة كما في صحيح البخاري عن أبي حمزة قال: سمعت ابن عباس يسأل عن متعة النساء فرخص، فقال له مولى له: إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة؟ فقال ابن العباس: نعم.