ديمقراطية المارينز… تاريخ الانقلابات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية
منذ 1898، بدأت واشنطن التدخل في شؤون دول أمريكا اللاتينية، التي اعتبرتها حديقتها الخلفية. تدخلات توسعت لتشمل دولا في آسيا وبلدان الشرق الأوسط.
تاريخ الانقلابات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة مكتوب بأرواح عشرات الآلاف من الأبرياء، سقطوا خلال أحداث دامية اصطفت فيها واشنطن، بجانب ممارسات الحكام المستبدين الذين تدعمهم.أمريكا التي تعتبر نفسها الدولة الأم للديمقراطية، في كثير من الأحيان، انقلبت على الديمقراطية وساندت الديكتاتوريات خارج حدودها.
خلال مقابلة تلفزيونية، أقر مستشار الأمن القومي الأمريكي في الولاية الأولى لرئاسة دونالد ترامب خلال ولايته الأولى، جون بولتون، بأنه شخصيا شارك في “التخطيط لانقلابات” خارج الولايات المتحدة الأمريكية. كما لمح إلى دوره في محاولة الانقلاب الفاشلة التي نظمها زعيم المعارضة الفنزويلية، خوان غوايدو، للإطاحة بالرئيس نيكولاس مادورو.
الانقلابات، فعلا، سمة رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية.
دعم الولايات المتحدة الأمريكية للانقلابات جاء خلال فترة الحرب الباردة، حيث توجهت أغلب الدول النامية إلى المعسكر السوفياتي.
في هذا المقال، نحاول كشف خيوط بعض الانقلابات حول العالم، والتي كانت الولايات المتحدة الأمريكية صانعتها وممولتها.
يوم سقط سلفادور أليندي
في 11 من سبتمبر 1973، أطاح الجيش التشيلي بحكومة الرئيس المنتخب ديمقراطيا سلفادور أليندي. انقلاب تم خلاله تصيفة أو (انتحار) الرئيس ذي الخلفية الماركسية، ودخلت معها تشيلي مرحلة من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان على يد الجنرال أوغستو بيونشيه.
ما دخل الولايات المتحدة الأمريكية؟
كانت إمكانية فوز سلفادور أليندي بانتخابات 1970 تعد كارثة للولايات المتحدة الأمريكية.
خلال فترة الانتخابات، خصص الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسيون 10 ملايين دولار لمنع وصول أليندي إلى السلطة، من خلال خطته مع وزير الخارجية السابق، هنري كيسنجر، التي عملت على منع وصول أليندي إلى السلطة عن طريق الاحتيال البرلماني، أو اتخاذ المسار الثاني المتمثل في الانقلاب العسكري.
انتُخب سلفادور أليندي رئيسا لتشيلي في الفترة ما بين 1970 وحتى الانقلاب العسكري 1973.
فور فوزه بالرئاسة، أطلق أليندي “مخطط الإنقاذ” الذي تضمن رفع الأجور بأكثر من 40%، وتأميم القطاعات الإنتاجية الرئيسية.
استاءت الولايات المتحدة من قرار التأميم، فضغطت اقتصاديا على تشيلي من خلال تحريض هيئات التعاون الإقليمي ضدها، وأوقفت دعمها الاقتصادي، بل ذهب الجهد الأمريكي إلى حد تمويل إضرابات اجتماعية لسائقي الشاحنات في مسعى لشل النشاط التجاري المحلي.
تضييقات أمريكية، رفعت نسبة التضخم في البلاد، مع توالي المظاهرات الاحتجاجية على الغلاء وقلة السلع.
مع تعاظم إضراب شل قطاع النقل، أصدر البرلمان توصية تطالب الجيش بالتدخل لضمان إنفاذ القانون وتفادي انهيار الدولة، ليتفق بعد ذلك الجيش مع الجنرال أوغيستو بينوشيه على الإطاحة بأليندي.
في شهر غشت 2023، كشفت مجموعة من الوثائق التي رُفعت عنها السرية بعد 50 عام على الانقلاب.
الولايات المتحدة الأمريكية أصدرت بيانا اعترفت فيه صراحة، ولأول مرة، بتورطها في الانقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الديموقراطي في تشيلي.
الوثائق الأمريكية كشفت أنه تم إطلاع الرئيس الأمريكي آنذاك، ريتشارد نيكسيون، على خطة الانقلاب العسكري على الحكم في تشيلي، كما احتوت معلومات تؤكد أن تشجيع نيكسون وكبير مستشاريه حينها، هنري كيسنجر، لاستيلاء الجيش على السلطة في تشيلي، قد أتى ثماره.
أمريكا ووأد الديمقراطية في غواتيمالا
عملية PBSUCCESS واحدة من “أنجح” وأبشع العمليات الاستخباراتية التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، لوأد تجربة ديمقراطية في مهدها.
عملية كلفت خزانة الدولة الأمريكية 2.7 مليون دولار، على صعيد التسليح العسكري أو الدعاية السلبية.
فما تفاصيل العملية؟
سنة 1944، أطاحت انتفاضة شعبية انطلقت في غواتيمالا بالديكتاتور جورج يوبيكو.
حينها… تم التصويت، في انتخابات ديموقراطية، على خوان خوسيه أريفالو، ليصبح أول رئيس منتخب ديمقراطيا للبلاد، قدم خلالها أريفالو، نموذجا نزيها في الحكم.
بعدها، انتخب الجنرال جاكوبو أربينز، رئيسا للبلاد في عام 1950، واصل خلالها الرئيس عملية الإصلاح، محاولا رسم خريطة لدولة جديدة، يقف فيها الفقراء إلى جانب الأغنياء سواسية أمام الحقوق والقانون.
في العام 1952، أصدر الرئيس أربينز مرسوما وزع فيه كل الأراضي الزراعية في الدولة على الفلاحين.
أغلب تلك الأراضي كانت مملوكة لشركة الفواكه المتحدة، والتي كان ملاكها على علاقة قوية بحكومة آيزنهاور في أمريكا.
دبرت الولايات المتحدة الأمريكية لعملية انقلاب للإطاحة بأريبنز.
كان Operation PBSUCCESS هو الاسم الرمزي للحركة الاستخبارية التي أفضت إلى الانقلاب على الرئيس المنتخب في غواتيمالا.
في 18 يونيو 1954، دخلت قوة عسكرية تتكون من 480 جنديا، أغلبهم من الجنود المرتزقة.
الاستخبارات الأمريكية وضعت مذكرة تشمل أسماء الموالين لأربينز، حتى يتم تحييدهم، سواء بالقتل أو الاعتقال.
تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بأسطولها البحري والجوي، وقصفت المدن، وحاصرتها بحريا.
أعلن أربينز استقالته من الرئاسة في 27 من يونيو، بعدما تقطعت به السبل لحشد أنصاره للقتال، ليصبح كاستليو أرماس رئيسا للبلاد، قضى خلالها على الخطوات الأولى التي كانت تخطوها البلاد تجاه الديمقراطية.
ما الذي حدث في إندونيسيا ليُقتل مليون مدني؟
خلال الحرب الباردة، بلغ عدد أعضاء الحزب الشيوعي في إندونيسيا 3.5 مليون إندونيسي تقريبا.
كان الحزب ثالثَ حزب شيوعي في العالم، بعد الصين والاتحاد السوفياتي. وبحلول منتصف السيتينيات، خشيت الولايات المتحدة الامريكية من أن تتحول إندونيسيا إلى دولة شيوعية.
في الأول من أكتوبر 1965، قَتلَ مجموعة من الضباط في الجيش الإندونيسي ستة جنرالات.
قادة الجيش، بقيادة اللواء محمد سوهارتو، أعلنوا أن أعمال القتل كانت جزءا من محاولة انقلاب مدعومة شيوعيا. هنا بدأت المجزرة.
أطلق سوهارتو حملة ممنهجة للقضاء على كل المتعاطفين مع الشيوعية، وأطاح بحكومة الرئيس سوكارنو اليسارية.
بعد ستة أشهر فقط، كان عدد القتلى يُقدَّر بنصف مليون شخص، بالإضافة إلى مليون آخرين إما احتجزوا، وإما شحنوا إلى مستعمرات عقابية ومعسكرات أعمال شاقة.
الجيش الإندونيسي لم يكن الطرف الوحيد المسؤول.
سنة 2017، نشر أرشيف الأمن القومي والمركز الوطني لرفع السرية، مجموعة من البرقيات الدبلوماسية الأمريكية التي تغطي تلك الفترة المظلمة.
تقرير نشرته مجلة ” ذي أتلانتك”، كشف أن السلطات الأمريكية كانت تدعم جرائم سوهارتو.
الوثائق كشفت أن مسؤولين في السفارة الأمريكية تلقوا المعلومات باستمرار عن عمليات الإعدام وعرضوا المساعدة لكبح التغطية الإعلامية.
ينقل التقرير ما قاله جون روزا، وهو أستاذ مساعد في التاريخ بجامعة كولومبيا البريطانية في فانكوفر، “غالبًا ما تدعي الولايات المتحدة أنها تجاهلت عملية قتل نصف مليون إنسان، وهذا غير صحيح؛ الولايات المتحدة كانت جزءًا لا يتجزأ من العملية، وضعت استراتيجية مع الجيش الإندونيسي وشجعتهم على ملاحقة الحزب الشيوعي الإندونيسي”.
من جانبه، كشف كتاب “موسم القتل: تاريخ المذابح الإندونيسية 1965-1966″، من تأليف “جيفري روبنسون” ، الجانب المظلم لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في المجزرة.
في أبريل 1965، كتب السفير الأميركي في جاكرتا إلى جونسون يقول إنه على واشنطن تهيئة “أنسب الظروف” للجيش والقوى الأخرى المعارضة لسوكارنو لتكون لديهم القدرة على المواجهة.
عندما بدأت أعمال القتل، أبلغت وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) الرئيس جونسون أنها أيَّدت قمعا واسعا ضد الشيوعيين في إندونيسيا، ويبدو أنه لم يعترض، حسب روبنسون.
وفق الكتاب، استقبلت إدارة جونسون حملة الجيش بحماسة رغم وحشيتها، إذ قال وكيل وزارة الخارجية، جورج بول، لنائب الرئيس هوبرت همفري إنه إذا “مُحِيَ الحزب الشيوعي الإندونيسي… فسيكون لدينا عهد جديد في إندونيسيا”.
إيران: الانقلاب الذي غرس العداء
في الذكرى الستين لانقلاب 1953، أفرجت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) عن وثائق رسمية، تعترف بدورها الرئيسي في الانقلاب الذي أطاح برئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق.
بعد انتخاب مصدق عام 1951، بادر بسرعة إلى إعادة تأميم شركات إنتاج النفط الإيرانية، والتي كانت تخضع للسيطرة البريطانية.
خطوة شكلت مصدر قلق بالغ لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، إذ كانتا تعتبران النفط الإيراني مصدرا رئيسيا لهما لإعادة البناء الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية.
عزز الانقلاب حكم شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذي كان قد فر من إيران في أعقاب صراع على السلطة مع مصدق، وعاد بعد الانقلاب ليصبح حليفا مقربا للولايات المتحدة. كما دعمت الولايات المتحدة وبريطانيا القوى الموالية للشاه وساعدت في تنظيم الاحتجاجات المناهضة لمصدق.