سابقة قضائية تنتصر للعدل: محكمة النقض تقضي بحق الطفل في النفقة من والده المغتصِب
في سابقة قضائية، قضت محكمة النقض بوجوب حصول طفل ناتج عن واقعة اغتصاب على النفقة المالية من والده البيولوجي، دون الجاجة إلى الإقرار بالأبوة.
قرار جاء بعد أن رفضت المحكمة الابتدائية والاستئنافية بالحسيمة، طلب المُدعية الحصول على تعويض من الجاني لفائدة الإبن، لتحمل أعبائه المادية، لتتجه إلى محكمة النقض التي نقضت قرار محكمة الاستئناف.
قرار قضائي غير مسبوق، يُنتظر أن يحدث تأثيرا عميقا في اجتهادات المحاكم المغربية، وإنصاف الأطفال المولودين في سياقات غير الزواج. ومراجعة القوانين، خاصة مدونة الأسرة والقانون الجنائي، لتحقيق المصلحة الفضلى للطفل والأم.
في قرار قضائي، وصفه البعض بالتاريخي، أصدرت محكمة النقض المغربية، بتاريخ 15 أبريل 2025، حكما يعد سابقة في تاريخ القضاء المغربي، من شأنه التأثير إيجابيا على توجهات القضاء المغربي فيما يخص قضايا الاغتصاب التي تُسفر عن حمل وولادة.
المحكمة قضت بوجوب حصول الطفل الناتج عن جريمة اغتصاب، على النفقة المالية من والده البيولوجي، دون الحاجة إلى الإقرار بالأبوة، شريطة إثبات ذلك من خلال اختبار الحمض النووي.
تفاصيل الواقعة
وقائع القضية تعود إلى سنة 2023، حين تقدمت فتاة بطلب أمام المحكمة الابتدائية بالحسيمة، عرضت فيه أنها تعرضت لاعتداء جنسي من طرف المدعى عليه، نتج عنه هتك عرضها وحمل، مستغلا الحالة العقلية التي تعاني منها والتي تجعلها غير قادرة على التمييز والإدراك.
الجاني أدين أمام المحكمة الابتدائية بسنة واحدة حبسا نافذا فقط، غير أن الضحية لم تتوقف عند المسار الجنائي.
وضعت الفتاة مولودها، في غشت 2022 ولجأت إلى المحكمة تطالب بالحصول على تعويض من الجاني لفائدة الإبن، لتحمل أعبائه المادية. إذ، رغم عدم نسبة الطفل إليه شرعا، إلا أن ذلك لا يعفيه من مسؤولياته تجاه الإبن، ذلك أن كل شخص مسؤول، استنادا للدستور، عن أفعاله وأخطائه التي تتسبب في ضرر للغير متى ثبتت العلاقة السببية بين الخطأ والضرر، وأن الأطفال في حاجة لرعاية من جانب أولياء أمرهم، ولهم عليهم حقوق في الأكل والشرب والتطبيب والسكن والتدريس إلى حين بلوغهم سن الرشد، وفي حالة متابعتهم لدراستهم إلى حين بلوغهم 25 سنة.
المحكمة الابتدائية رفضت طلب الأم، بحجة أن الطفل لا تربطه صلة قرابة شرعية بمرتكب جريمة الاغتصاب، حيث لم يثبت النسب (الطبيعي)، معتبرة أن البنوة الناتجة عن علاقة غير “شرعية” لا تتربت عليها أي حقوق قانونية، بالتالي لا يمكن المطالبة بالنفقة من طرف المُغتَصِب.
محكمة الاستئناف بالحسيمية أيدت هذا الحكم، مما دفع الأم إلى الطعن بالنقض، التي أصدرت قرارا مفاجئا بنقض الحكم الاستئنافي.
محكمة النقض: لا يمكن حرمان الطفل من التعويض
في قرار لافت، نقضت محكمة النقض الحكم الاستئنافي، في قرار لها بتاريخ 15 أبريل 2025، معتبرة أن الحكم على الجاني بالسجن لا يعفيه من تحمل تبعات فعله، مؤكدة أن الضرر الواقع على الطفل يستوجب تعويضا في إطار المسؤولية التقصيرية.
وقد استندت المشتكية إلى عدة مبررات، منها قاعدة أن من تسبب في ضرر يعد مسؤولا عن جبره، ومن أجله التمست الحكم على المدعى عليه بأدائه لها تعويضا شهريا بمثابة نفقة للإبن قدره 500 درهم في الشهر ابتداء من تاريخ 2022/08/24 مع الاستمرار في الأداء إلى حين حدوث ما يسقطها شرعا.
محكمة النقض اعتبرت أن الحمل الناتج عن الاغتصاب ألحق بالطفل ضررا واضحا، حاضرا ومستقبلا، يشمل حقه في الرزق، والكسوة، والتعليم، والرعاية الصحية، لكونها حقوقا لا يمكن إسقاطها بسبب ظروف ولادته.
علاوة على ذلك، أكدت المحكمة على أن الحدث الذي أدى إلى الضرر (الاغتصاب)، وإلى الولادة، ينشأ عنه الحق في التعويض، بغض النظر عن الوضع القانوني للعلاقة بين الوالدين. مشددة على أنه لا يمكن تحميل الطفل مسؤولية ظروف ولادته؛ فبموجب مبدأ عدم التمييز ومصالح الطفل، لا يمكن حرمانه من حقوقه الأساسية بسبب ولادته خارج إطار الزواج. معتبرة أن للمحاكم صلاحية تكييف الطلبات بما يتناسب مع طبيعة القضية ومبادئ العدالة.
بناء على ذلك، قررت محكمة النقض إحالة الملف إلى محكمة الاستئناف بفاس للنظر فيه مجدداً، مع الأمر بإجراء خبرة جينية للتأكد من النسب البيولوجي بين الطفل والجاني. وفي حال التأكيد، ستُصدر المحكمة حكماً يُلزم الأب البيولوجي بمنح تعويض شهري لفائدة الطفل حتى بلوغه سن الرشد أو إتمامه 25 سنة إذا كان يتابع دراسته.
قرار محكمة النقض يفتح نقاشا عميقا حول اجتهادات المحاكم المغربية، من خلال دعوة المحاكم إلى اجتهادات تتوافق وحماية الحقوق الأساسية، ويعيد طرح أسئلة جوهرية حول الإنصاف القانوني والعدالة الاجتماعية في القضايا المتعلقة بالعنف الجنسي وحقوق الأطفال المولودين في سياقات غير الزواج.
قرار قضائي يأتي في سياق تتزايد فيه المطالب الحقوقية بحماية الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، خاصة عندما يكون هؤلاء الأطفال نتيجة لأعمال إجرامية، ومن ثم يكون قرار محكمة النقض رافعة في النقاش حول مراجعة قانون الأسرة.