من سوريا، رسلان عامر يكتب: عن العلاقات الجنسية قبل الزواج: هل الغرب فاسق فاجر؟ - Marayana
×
×

من سوريا، رسلان عامر يكتب: عن العلاقات الجنسية قبل الزواج: هل الغرب فاسق فاجر؟

شرعية العلاقة الجنسية عند الغرب، من الناحية الأخلاقية، تقوم على حرية الإرادة إذا كان طرفاها شخصان راشدان، وهذا هو المبدأ التأسيسي لهذه الشرعية التي تنسجم مع ليبرالية التقاليد الغربية.
تتعدد أشكال العلاقات الجنسية في الغرب، فهناك الزواج، وهناك العلاقات بدون زواج، وهناك أيضا الرهبنة والتبتل، وكل هذا مقبول في الغرب، كما هو مقبول أن يكون الشخص في السياسة ليبراليا أو اشتراكيا أو قوميا أو لا حزبيا، أو يكون في الدين مسيحيا أو مسلما أو بوذيا أو لا دينيا.

هناك فرق كبير بين تفهّم الآخر وبين موافقته على ما يتبناه من عقائد وآراء، ففهم الآخر يعني معرفة الطريقة التي يفكر بها ونظرته إلى الأمور والكيفية التي يرى فيها الخير والشر والأسلوب الذي يتخذ فيه مواقفه. الغاية من ذلك هي تصحيح صورة هذا الآخر مما يشوبها من تشويه، والسعي للتفاهم معه والاعتراف المتبادل به كمختلف، وكشريك رغم هذا الاختلاف في عالم إنساني واحد!

هذه هي غاية هذه المقالة، التي تهدف إلى توضيح الطريقة التي يفكر بها الغرب إزاء قضية جد حساسة هي العلاقة بين الجنسين، ولكنها لا تهدف قطعا للترويج لهذه الطريقة، التي يبقى الموقف منها شأنا خاصا.

السائد لدينا هو النظر بإدانة واستهجان إلى نمط الثقافة الجنسية المنتشر في الغرب، واعتباره بسببها فاسقا فاجرا واحتقاره وكراهيته بسبب ذلك!

هذه النظرة إلى الغرب نقيمها على أساس تقاليدنا وقواعدنا الأخلاقية الخاصة، ثم نسقطها على الغرب، فيصبح من وجهة نظرنا فاسد الأخلاق، لأن تقاليده ونواظمه شديدة الاختلاف عما لدينا؛ والغرب بدوره يفعل أمورا مشابهة، فهو أيضا كثيرا ما يسقط قوالبه الجاهزة علينا، فيسئ بدوره فهمنا وتقييمنا والحكم علينا، وفي كلتا الحالتين يرى كل طرف الطرف الآخر في صورة سيئة لا تعكس حقيقة ما هو عليه.

من هنا تأتي أهمية الحوار، والغاية منه ليست إقناع الآخر بوجهات نظرنا الخاصة، بل توضيح حقائقها له ليفهمنا جيدا ويكوّن عنا الصورة الصحيحة، والعكس بالعكس.

في زمن قديم، قال الإمام علي “ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأدركه”، وهذه قاعدة كبرى يجب أن يتعامل بها المختلفون بين بعضهم البعض، فغالبا ما يعتقد كل منهم أن المختلف عنه، والذي لا يلتزم بما يراه هو شخصيا خيرا وفضيلة، يتعمّد اختيار الشر وإنكاره ويرفض بشكل واع الخير. هكذا، لا يفكر كل منهم أن هذا المختلف الآخر ربما هو قطعا لا يتغيى الشر ويتعمده، لكنه يسعى إلى الخير بدوره بصدق، ويصل إلى نتائج مختلفة، وقد يكون مخطئا في ذلك بحسن نية، أو مصيبا فيه بسبب نسبية الخير وقابليته للتعدد في حالة ما… أو حتى بسبب خطأ الطرف الأول في تقييمه للخير.

فأين موقع الغرب من الخير في موقفه من الجنس؟ وهل هو فاسق فاسد كما نصمه؟ أم أنه يرى الأمور بطريقة مختلفة عما نراها، ولا يستخدم نفس معايير الخير والشر التي نستخدمها؟

في حقيقة الأمر، الغرب بدوره ينظر إلى تقاليده وعاداته وقواعده نفس النظرة التي ننظر بها نحن إلى مثيلاتها لدينا، وهو يرى في هذه الأمور خيرا… بنفس الشكل الذي نفعله نحن، والغربيون لا يفعلون في الجنس ما يرون هم أنه رذيلة، فبرأيهم هم يفعلون أمرا سليما ولا يخرق الأخلاق. بذلك، عندما يقيم الشخص منهم علاقته وفق معايير مجتمعه السائدة، فهو  فيها لا يشعر بالعيب أو العار أو الإثم  لأنه يؤمن بأن ما يفعله ليس غلطا ولا شرا، وبذلك يبقى هذا الغربي في حالة توازن قيـَمي وتصالح أخلاقي مع نفسه، وهذا يقودنا  في المحصلة إلى حالة من نسبية الأخلاق!

ما يعينا في هذا النقاش، ليس الحكم بشكل مطلق على هذه النسبية الأخلاقية، ولكن التعامل معها كأمر واقع لأنها فعليا أمر واقع، وكل مجتمع لديه أخلاقه الخاصة التي يختلف فيها بالقليل أو الكثير عن سواه، ورغم أنها قد لا تكون قطعا الأفضل.. فهو نفسه يعتبرها الأفضل!

يرى الغربيون أن شرعية العلاقة الجنسية، من الناحية الأخلاقية، تقوم على حرية الإرادة إذا كان طرفاها شخصان راشدان، وهذا هو المبدأ التأسيسي لهذه الشرعية التي تنسجم مع ليبرالية التقاليد الغربية. لذلك، هم يتركون للناس أن يختاروا في الجنس شكل العلاقة الذي يفضلونه، كما يختارون في السياسة من يحكمهم، ويختارون في الدين العقيدة التي تعجبهم. بذلك، تتعدد أشكال العلاقات الجنسية في الغرب، فهناك الزواج، وهناك العلاقات بدون زواج، وهناك أيضا الرهبنة والتبتل، وكل هذا مقبول في الغرب، كما هو مقبول أن يكون الشخص في السياسة ليبراليا أو اشتراكيا أو قوميا أو لا حزبيا، أو يكون في الدين مسيحيا أو مسلما أو بوذيا أو لا دينيا، وهلم جرى. المبدأ السائد هنا هو قبول التعدد والاختلاف، وهو كذلك في العلاقات الجنسية، وهذا ما يساء فهمه حيث يعتقد أن الثقافة الغربية مبدؤها في الجنس هو “العلاقة بدون زواج”، فالمبدأ هناك ليس هو العلاقة بدون زواج، ولكنه قبول أن يختار الشخص الزواج أو العلاقة بدون زواج أو حتى الرهبنة إن أراد، والتقاليد الغربية فعليا لا تجبر أحدا على خيار محدد في العلاقات الجنسية أو المواقف السياسية أو المعتقدات الدينية وهلم جرا…

هكذا، نكون قد وصلنا إلى النتائج التالية:

  • العلاقة الجنسية في الغرب تقبل التعدد والاختلاف كما تقبله ميادين الحياة الأخرى.
  • حرية الإرادة هي أساس الاختيار في العلاقة الجنسية كما هي كذلك في باقي المجالات، ولا يفرض فيها على الشخص خيارات يقوم بها سواه.
  • الغرب نفسه يرى في التعددية وقبول الاختلاف والاختيار الحر في جوانب الحياة المختلفة بما فيها العلاقات الجنسية خيرا حقيقيا، وهو لا يعتبرها شرا ويتعمدها رغم شرها!

ما يعني أننا، في المحصلة، اختلفنا في المسألة المطروحة مع الغرب على “الخير”، فكل منا يقصد الخير بطريقة مختلفة عن الآخر، وهذا يعني من حيث المبدأ أن استعمال أسلوب “شيطنة الآخر” هو أسلوب باطل تماما، ويجب التخلص منه!

إذن، في الخلاصة، كيف نقيّم الغرب؟

كما سلف الحديث، التقييم الصحيح هو ليس في إدانته أو تجريمه، ولا في إعطائه صكوك براءة، ولكن في اعتباره “مختلفا” والاعتراف به كـ “كمختلف”.

بالطبع، هذا لا يعني أننا لا نستطيع أن ننتقد المختلف، ولكن النقد غايته إظهار الحقيقة وليس إلغاء الآخر. وبما أن حسن النوايا وحده لا يصنع الخير حكما، فمن هذا المنطلق، يمكننا القول إن الغرب الحديث سقط بقوة في ثقافة الاستهلاك، وهذه الثقافة الاستهلاكية هيمنت على كل مجالات حياته، والعلاقات الجنسية فيها ليست استثناء. ومع هيمنة هذه الاستهلاكية المتضخمة، أصبحت الإنسانية هي الأضعف، وهي تتراجع تراجعا متواصلا سريعا وشديد الخطورة، يهدد فعليا بضياعها.

وهذا يعني أن الغرب لا يصلح قطعا قدوة إنسانية تامة، وهو مطالب بقوة أن يراجع نفسه ويسائل أسلوب حياته قبل فوات الأوان!

لكن، نحن أيضا مطالبون بفعل الشيء نفسه رغم ما بيننا وبين الغرب من اختلافات كبيرة في أساليب الحياة في مختلف الميادين. إننا نكذب على أنفسنا أكبر الكذبات إن نحن أنكرنا أزماتنا المستفحلة وثقافة الكبت المتفشية لدينا والذهنية اللاعقلانية السائدة والقمع المتسيد في كل مجالات حياتنا، والعلاقة بين الجنسين بكافة أبعادها لدينا ليست استثناء، وهذا يعني أننا مطالبون أيضا بتغيير جذري شامل، وهذا استحقاق لا يعفينا منه إدانة الغير وشيطنة المختلف والتغني بأمجاد الماضي والتعظيم الوهمي للذات.

ختاما، يمكن القول أن الغرب لا يصلح كقدوة شاملة، ولكنه ليس شيطانا، ولا نحن بملائكة. هو رغم ذلك سبّاق اليوم في الحضارة، وعلينا الاستفادة من نجاحاته وإخفاقاته بعقلانية في شتى المجالات.

 

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *