تونس قيس سعيد: أحكام بالسجن بين 13 و66 عاما ضد زعماء من المعارضة
أسدلت محكمة ابتدائية بتونس الستار على المشهد الأول لواحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل داخل تونس وخارجها، بإصدار أحكام ثقيلة تراوحت بين 13 و66 سنة سجا ضد العشرات من أسماء المعارضة في ما يُعرف بقضية “التآمر على أمن الدولة”.
الأحكام قوبلت برفض واسع داخل الأوساط التونسية وخارجها، وصفتها بمحاكمات سياسية وتهم باطلة لتصفية خصوم الرئيس قيس سيعد.
أحكام جاءت في سياق تونسي يشهد مزيدا من التضييق على حرية التعبير والرأي وتصفية أي صوت معارض داخل البلاد.
أصدر القضاء التونسي، السبت 19 أبريل 2025، أحكاما بالسجن تتراوح بين 13 و66 ضد معارضين/ات تونسيين/ات على خلفية تهم مرتبطة بـ“التآمر ضد الدولة”.
الأحكام شملت أسماء مسؤولة في أحزاب سياسية معارضة، علاوة على محامين/ات وشخصيات في مجال المال والأعمال والإعلام.
أحكام لا تعكس، حسب المعارضين/ات التونسيين/ات، سوى سياسات الرئيس التونسي قيس سعيد منذ اعتلائه رئاسة قصر قرطاج، الذي سيطر على الحكم بشكل كامل في سنة 2021 بعد إطاحته بالبرلمان وبعد وضع دستور جديد، محاولا إسكات المنتقدين وترسيخ حكم فردي استبدادي.
المحكمة أصدرت، على سبيل الحصر، عقوبات بالسجن على رجل الأعمال كمال عبد اللطيف وصلت إلى 66 عاما، والناشط السياسي خيام التركي بـ48 عاما.
الأحكام شملت كذلك ست نساء يعتبرن من رموز المعارضة في البلاد، إذ تم الحكم على الناشطة والمحامية بشرى بالحاج حميدة، والسياسية والأستاذة الجامعية نادية عكاشة، والتي كانت مستشارة للرئيس قيس سعيد قبل أن تقدم استقالتها، إضافة إلى الناشطات تسنيم محمد خريجي، كوثر الدعاسي، نجلاء عبد اللطيف، بـ33 سنة سجنا نافذا لكل منهن.
في حين حُكم على الناشطة السياسية والحقوقية المناهضة لمسار ما عُرف بـ”25 جويلية”، شيماء عيسى، بالسجن 18 سنـة.
أحكام ملفقة ومحاكمة غير قانونية
الأحكام قوبلت برفض واسع من المحامين وعائلات المعتقلين السياسيين والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية، واعتبرتها أحكاما جائرة ناتجة عن محاكمات سياسية مفتعلة، وتهم باطلة لتصفية خصوم الرئيس.
في وقت سابق، قال المحامي أحمد الصواب: “طوال حياتي لم أشهد محاكمة كهذه. إنها مهزلة، الأحكام جاهزة، وما يحدث فضيحة ووصمة عار”.
في حين اعتبر حمة الهمامي، زعيم حزب العمال المعارض، أن قضية التآمر مهزلة، مشددا على أن النظام الاستبدادي ليس لديه ما يقدمه للتونسيين سوى المزيد من القمع.
صدرت الأحكام في أعقاب ثلاث جلسات محاكمة عن بُعد عبر تقنية الفيديو من المرناقية، إلا أن هاته المحاكمات، كما عبر عن ذلك مراقبون، عرفت انتهاكات للمحاكمة العادلة.
الجلسة الثالثة، التي تم خلالها إصدار الأحكام، انعقدت وسط حضور أمني كثيف في غياب الصحافة الدولية، التي مُنع مراسلوها، علاوة على منع الدبلوماسيين الأجانب من دخول قاعة المحكمة، رغم السماح لهم بحضور الجلستين السابقتين. واعترض المحامون أمام القاضي بعد تلاوته لائحة الاتهام وطرحها للمداولة، من دون أي مرافعات من جانب الدفاع.
فرانس بريس نقلت عن المحامية سامية عبو قولها: “إن السلطة أردات صدور الأحكام السبت، في حين أن هناك انتهاكا صارخا للإجراءات القانونية، إذ لم يتم الاستماع إلى المتهمين”.
ومنذ بدء المحاكمة، طالب الدفاع في مرافعاته بمثول جميع المتهمين حضوريا أمام المحكمة، وقد أعلن بعضهم إضرابا عن الطعام في السجن احتجاجا على حرمانهم من هذا “الحق الأساسي”.
تونس تحت قيادة سعيّد… زمن الاستبداد الفردي
لم يصل قيس سعيد إلى قصر قرطاج إلا راكبا على الثورة… تلك الثورة التي أصبحت معها تونس نموذجا لدولة ديمقراطية صاعدة، قبل أن يتم وأد التجربة.
جاء قيس سعيد بصفة المنقذ، في كل خطاباته كانت كلمة “الشعب” حاضرة، ويفتتح حينها درسا في الديمقراطية الشعبية. قدم نفسه منقذا للثورة، ووعد بمحاربة الفساد والمفسدين، وأن يُرجع لتونس ديمقراطيتها التي فقدتها.
وصل سعيد، الذي لا يملك أية أيديولوجية سوى شعبويته، ليتحول إلى حاكم مستبد، وأصبحت تونس معه مشلولة مرة أخرى، ولم يكن التحول الديمقراطي الذي ولده ما سمي “الربيع العربي” سوى عشر سنوات بين قوسين، على حد تعبير صحفية لوفيغارو الفرنسية.
شلل تونسي، سيبدأ مع التدابير “الاستثنائية” التي أعلنها الرئيس سنة 2021، والتي قام بموجبها بحل البرلمان المنتخب، والمجلس الأعلى للقضاء المنتخب أيضا، وأقال الحكومة السابقة، قبل سنه دستورا جديدا بدل به النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي يتمتع فيه بصلاحيات واسعة. ناهيك عن التدهور الكبير الذي عرفته الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية للشعب التونسي.
شلل أصاب حرية التعبير والرأي، مكرسا بذلك سياسية قمعية لا تعترف إلا بالرأي الواحد…رأي السلطة.
منظمة العفو الدولية أشارت في تقرير لها، سنة 2024، إلى أن “السلطات التونسية صعدت من حملتها القمعية ضد حرية التعبير والرأي وتكوين الجمعيات والانضمام إليها… وصعدت من مضايقاتها للمعارضين السياسيين، وقيدت عمل الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والمنظمات غير الحكومية، واتخذت خطوات تعيق استقلال القضاء”.
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: “تشن السلطات التونسية هجوما واضحا على ركائز حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتتقاعس عن الوفاء بالتزامات البلاد الدولية في مجال حقوق الإنسان، وتقوض المبادئ الأساسية للعدالة والإنصاف”.
كما عرفت فترة حكم سعيد تصاعدا لحملات قمع التظاهرات والحق في التجمع السلمي، في وقت تكرس السلطات في البلاد تجريم هذا الحق عبر عمليات اعتقال ومحاكمات النشطاء والمتظاهرين.
منظمة “هيومن رايتس ووتش” اعتبرت، من جانبها، أن السلطات التونسية حولت الاحتجاز التعسفي إلى ركيزة أساسية في سياستها القمعية، عبر توقيف العشرات من المعارضين السياسيين والنشطاء والصحفيين، وتوظيف التهم الأمنية لتقييد الحريات.
صحيفة لوفيغارو الفرنسية لخصت حكاية سعيّد في تقرير لها بعنوان “قيس سعيد.. رئيس قرطاج الذي أعاد تونس إلى شياطينها القديمة”، قائلة: “العثور على زعيم سياسي مؤيد لقيس سعيد، ليس بالأمر السهل، والصحفيون التونسيون يواجهون يوميا هذا اللغز، الإدارات غير قادرة على التعبير عن نفسها دون تفويض سياسي، والوزراء، من الأول إلى الأخير، يلتزمون الصمت، لأنهم خائفون حتى الموت من هذا الرئيس الذي لا يعرفونه”.