حماس وسؤال المسؤولية: بين المقاومة وكلفة الحرب - Marayana
×
×

حماس وسؤال المسؤولية: بين المقاومة وكلفة الحرب

لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الأصلي للمأساة الفلسطينية، لكن ذلك لا يعفي حماس من المسؤولية عن قراراتها واستراتيجياتها، ليبقى السؤال مفتوحًا:
هل يمكن لمنظمة حماس تحقيق التوازن بين المقاومة وحماية المدنيين؟ أم أن غزة وأهلها سيظلون يدفعون الثمن الأكبر في هذه المعادلة الصعبة؟

hamid antar حميد عنتار
 حميد عنتار

حركة حماس، كانت، باستمرار، موضع جدل واسع، حيث يرى البعض أنها تمثل حركة مقاومة شرعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بينما يعتقد آخرون أنها تنتهج سياسة لا تراعي الأثمان الباهظة للحرب، خصوصًا على المدنيين.

وسط هذا الجدل، يبرز تساؤل جوهري: هل تتحمل حماس مسؤولية الأوضاع المأساوية في غزة، أم أن الاحتلال الإسرائيلي هو المسؤول الأول عنها؟

منذ تأسيس حركة حماس، عام 1987 خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وهي تتبنى نهج المقاومة المسلحة كوسيلة لمواجهة الاحتلال، ومن منظورها، فإن الصراع مع إسرائيل ليس مجرد نزاع سياسي، بل هو معركة وجودية تبرر استخدام كافة الوسائل، بما في ذلك العمليات العسكرية وإطلاق الصواريخ. وترى الحركة أن التضحيات، مهما كانت جسيمة، هي جزء من معركة التحرير، وأن “الشهادة” في سبيل الوطن، تعد شرفًا عظيماً وفق تصورها الديني.

لكن هذا النهج يطرح إشكاليات كبرى، إذ دفعت غزة ثمناً باهظاً جراء الحروب المتكررة، من خلال عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، معظمهم من المدنيين، إضافة إلى الدمار الاقتصادي والبنية التحتية المتهالكة، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع المعيشية المأساوية تحت وطأة الحصار والقصف المستمر.

وهنا يبرز التساؤل: هل تمتلك حماس استراتيجية واضحة لتقليل الخسائر البشرية؟ وهل قرارات المواجهة تأخذ في الاعتبار حياة المدنيين، أم أن الأيديولوجيا تتحكم في أولوياتها مما يجعلها تسترخص أرواح ودماء أهل غزة؟

هكذا يتأكد أن حماس لا تكترث كثيرًا بالخسائر البشرية، وتوظف معاناة المدنيين لتعزيز شرعيتها السياسية، في حين تؤكد الحركة أن الاحتلال الإسرائيلي هو الجهة المسؤولة عن هذه المآسي من خلال استهدافه المنهجي للمدنيين وفرضه حصارًا خانقًا يجعل الحياة شبه مستحيلة. لكن حتى مع الاعتراف بمسؤولية الاحتلال، هل هذا يعفي حماس من مسؤولية كيفية إدارة الصراع؟

لماذا لا تستلهم حماس تجارب نيلسون مانديلا والمهاتما غاندي، اللذين تمكنا من تحقيق حرية شعبيهما عبر المقاومة السلمية؟ ألم يتخذ الإمبراطور الياباني هيروهيتو قرار الاستسلام بعد قصف هيروشيما وناجازاكي بالقنابل الذرية، إنقاذًا لشعبه من مزيد من الدمار، رغم معارضة القادة العسكريين؟ وكذلك، ألم يقرر الملك البلجيكي ليوبولد الثالث الاستسلام للقوات الألمانية لتجنيب بلاده المزيد من الخراب؟

هؤلاء القادة اتخذوا قرارات صعبة، رغم الانتقادات والضغوط، لكنهم اختاروا السلام والأمن لشعوبهم. فهل من الحكمة أن تقدم حماس تنازلات معينة، إن كان ذلك يساهم في إنقاذ الأرواح ووقف نزيف المعاناة؟

يجد الفلسطينيون في غزة أنفسهم أمام معضلة معقدة؛ فالمقاومة تعني استمرار المعاناة، بينما التخلي عنها قد يعني بقاء الاحتلال دون مواجهة. لا توجد حلول سهلة، لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو: هل هناك بدائل تحقق مقاومة فعالة بأقل الخسائر؟ أم أن الواقع الحالي هو الخيار الوحيد في ظل غياب خيارات أخرى أكثر واقعية؟

لا شك أن الاحتلال الإسرائيلي هو السبب الأصلي للمأساة الفلسطينية، لكن ذلك لا يعفي حماس من المسؤولية عن قراراتها واستراتيجياتها، ليبقى السؤال مفتوحًا:

هل يمكن لحماس تحقيق التوازن بين المقاومة وحماية المدنيين؟ أم أن غزة وأهلها سيظلون يدفعون الثمن الأكبر في هذه المعادلة الصعبة؟

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *