المؤسسة الأمنية بالمغرب…من الصمت المطلق إلى الكلام مع نخب لا تسمع - Marayana - مرايانا
×
×

المؤسسة الأمنية بالمغرب…من الصمت المطلق إلى الكلام مع نخب لا تسمع

كشفت المديرية العامة للأمني الوطني، ضمن مقاربتها التواصلية، حصيلتها خلال سنة 2024.
حصيلة عرفت مجموعة من التحولات المهمة: نقص في معدل الجريمة، رقمنة الإدارة، تكوينات مستمرة، علاوة على الشراكات الأمنية في إطار الديبلوماسية التي تعتمدها المؤسسة.
قفزات نوعية، لا تنفي من جانب آخر بعض التجاوزات… وتطرح أكثر من سؤال على نخبة لا تسمع.

قد يتفق الكثيرون اليوم، أن تحولات نوعية كثيرة عرفتها مصالح المديرية العامة للأمن الوطني منذ سنوات خلت.

في إطار الانتقال الديمقراطي، كان لزاما أن تتم المصالحة مع هذا المرفق، الذي طُرحت حوله العديد من علامات الاستفهام

في فترات سابقة من تاريخ المغرب

مصالحة، تجلت أساسا في اعتبار المؤسسة الأمنية، هي المؤسسة الأكثر ثقة لدى المواطن المغربي، بنسب تتراوح بين 70% إلى 80%.

مقاربة تواصلية بشكل سنوي، تعامل مرن مع المواطنين والمواطنات، العمل على بناء الثقة، أحيانا، إعفاءات وعقوبات تأديبية إن حدثت تجاوزات… مقاربات اعتمدتها المديرية العامة للأمن الوطني من أجل المساهمة في بناء المواطنة.

مع ذلك، وفي ظل هذه المقاربة، تُطل علينا أحيانا بعضُ النقط السوداء.

المثير في الحكاية هنا، أن المؤسسة الأمنية، التي ظلت، على امتداد عقود طويلة، مؤسسة خرساء، متحفظة، وغير مبادرة للتواصل مع محيطها، أصبحت اليوم واحدة من المؤسسات، إن لم نقل الوحيدة، التي تقدم للمغاربة تقريرا سنويا مفصلا، يرصد، من بين ما يرصد، اهم التطورات المجتمعية التي يعيشها المغرب، ويقرأ بالتفصيل، تطور أشكال وأرقام الصراعات، سواء بين الأفراد أو بين الأفراد والمؤسسات، كما يرصد مختلف أشكال التغيرات التي تطرأ على أنواع واشكال الجرائم التي تنتج عن هذه الصراعات…

المثير أكثر، ليس أن مؤسسات كثيرة أخرى، لا تقوم بإنجاز تقارير من هذا النوع. لكن الأفظع، هو أن الكثير من المؤسسات والفاعلين بالمغرب، خصوصا الأحزاب السياسية والجمعيات المدنية، لا تتعامل بأي شكل من الأشكال مع تقارير المؤسسة الأمنية، ولا تقرأ التغيرات المجتمعية التي ترصدها… لتظل المؤسسة الأمنية في النهاية، المتحدث الوحيد في ساحة عمومية خرساء.

حصيلة 2024… توطيد لمرتكزات الحكامة الأمنية

تماشيا مع مقاربتها التواصلية، أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني الثلاثاء 24 من دجنبر 2024، عن حصيلتها السنوية.

الحصيلة، حسب بيان للمديرية العامة للأمن الوطني، تتضمن “رؤية شاملة وعرضانية لحصيلة عمل المرفق العام الشرطي في مختلف المجالات والميادين التي تتقاطع مع انتظارات المواطنين والمواطنات، خصوصا في مجال التحول الرقمي للخدمات العمومية وتحديث بنيات الشرطة، والجهود المبذولة لتدعيم الشعور بالأمن ومكافحة الجريمة…”.

الحصيلة كشفت تراجعا في معدل الجريمة والقضايا المرتبطة بالمخدرات.

الأرقام التي قدمتها المديرية العامة للأمن الوطني أوضحت أن قضايا السرقة المشددة تراجعت بنسبة 24% في السرقات تحت التهديد، وناقص 20% في سرقة السيارات، وناقص 12% في السرقات بالعنف، وناقص 10% في السرقات بالكسر.

المديرية كشفت، أيضا، أن الاعتداءات الجنسية تراجعت بناقص 4%، بالإضافة إلى تراجع قضايا المخدرات بناقص 7%، حيث تمت معالجة 92 ألف و346 قضية وتوقيف 119 ألف و692 شخصا.

أيضا، سجلت سنة 2024 تراجعا كبيرا بنسبة 47% في عدد قضايا مخدر “البوفا”، وناقص 52% في عدد الأشخاص المتورطين في هذا الصنف من المخدرات.

جرائم السطو على المؤسسات البنكية عرفت، كذلك، تراجعا بناقص 45%.

على مستوى الفضاء الرقمي، واصلت الفرق التقنية، خلال سنة 2024، عملية تحديث وترقية مجموعة من  التطبيقات المعلوماتية الموجهة لخدمة أمن المواطنين.

المديرية العامة للامن الوطني لفتت إلى أنه تم ربط نظام تدبير دوائر الشرطة المعروفة اختصارا بـ   GESTAARR بالمنظومة المعلوماتية الجديدة الخاصة بتدبير ملفات الجنايات والجنح بدوائر الشرطة.

في نفس الإطار، عملت المديرية العامة، على تطوير عدة تطبيقات وحلول معلوماتية لتمكين موظفي الشرطة من النهوض الأمثل بمهامهم.

الفرق المعلوماتية للأمن الوطني، زودت بحزمة حلول رقمية جديدة، تمكن من متابعة دقيقة لمسار معالجة الأدلة الجنائية، انطلاقا من استقبالها وفتح أختامها إلى غاية إخضاعها للخبرات الضرورية، ووضع نتائجها رهن إشارة الجهات المختصة.

تحولات تكشف عن ديبلوماسية أمنية

في هذا الإطار، اعتبر محمد أكضيض، الإطار الأمني والخبير في القضايا الإجرامية، أن هذه المؤسسة عرفت تحولات مهمة وجذرية، ضمن علاقات جديدة سواء مع محيطها الاجتماعي؛ كشرطة مواطنة، أو مع محيطها الإقليمي؛ سواء دول الجوار، أو العمق الأفريقي، وكذا الامتداد نحو ما هو دولي.

الخبير الأمني أضاف في تصريح لمرايانا: “علاقات أسست لمفهوم الديبلوماسية الأمنية من خلال الزيارات لأكبر رؤساء المؤسسات الأمنية إلى المغرب ولقائهم في جلسات عمل مع السيد المدير العام للامني الوطني”.

في تعاملها مع المحيط الاجتماعي الداخلي، كشف محمد أكضيض أن المديرية العامة للأمن الوطني تعمل على تأسيس مبدأ الثقة بينها وبين المواطنين.

تجليات ذلك، حسب الخبير الأمني، يظهر من خلال ثقة المغاربة في مؤسسة الأمن، والذي وصل إلى 83% حسب آخر استطلاع، إضافة إلى انتقال حافلات خاصة إلى البوادي والبوادي من أجل تقريب الخدمات للدواوير البعيدة.

تحول ظهر، أيضا، من خلال التواصل المستمر مع الرأي العام، وهو تغير جذري بين أمن الأمس كإدارة صامتة ومتحفظة، وبين أمن اليوم الذي أصبح أكثر انفتاحا، من أجل معالجة كل ما يحتاجه الرأي العام من توضيح ورفع للبس ووضع المواطن في صلب الحقيقة.

المديرية العامة للأمن الوطني اهتمت، كذلك، بمحور حقوق الإنسان.

في هذا السياق، يقول محمد أكضيض: “حقوق الإنسان اليوم أصبح مفهوما راسخا في التكوين والتكوين المستمر، ببرامج لا تتوقف، عبر المعهد الملكي للشرطة، لكل المنتسبين لمؤسسة الأمن على اختلاف رتبهم، أو عبر لقاءات مع قضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية، خاصة قضاة النيابة العامة، مع استحضار الاتفاقيات الدولية التي انخرطت فيها المملكة“.

يتابع الخبير الأمني: “كذلك المبدأ القانوني، باعتبار أن الكل سواسية أمام القانون، والذي أصبح مبدأ قارا وقاعدة في العمل الأمني، وكل مخالف معرض لمواجهة القانون ولو كان من أهل المؤسسة الأمنية، وهذا ما أصبح جليا، حيث هناك حالات لا حصر لها، تم فيها وضع عدد من رجال الأمن تحت الحراسة النظرية بموجب خطأ جنائي، ناهيك عن المجلس التأديبي وسلطة المراقبة الإدارية”.

تحولات… ولكن

من جانبه، لا ينفي عبد الإله الخضري هذا التطور الذي عرفته المؤسسة بالمغرب، سواء من حيث الثقة أو الفعالية اللذان حققتهما، من خلال مسامهة هذه المؤسسة في تحقيق الثقة الأمنية المغربية، من خلال مؤشر الثقة الذي بلغ نسبة 90٪، وما يعكسه من تطور إيجابي في عمل الأجهزة الأمنية، من حيث المهام المتعلقة بحفظ الأمن والنظام، ومكافحة الجريمة، ودعم الاستقرار الاجتماعي. لكن…

يتابع عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، في تصريح لمرايانا: “في نفس الوقت، يتطلب التعامل بحذر مع بعض التجاوزات التي قد تحدث أثناء التعامل مع المظاهرات والاحتجاجات السلمية، خاصة تلك المناهضة للسياسات العمومية”.

سلوكات اعتبرها المتحدث، تجاوزا للمعايير المهنية والحقوقية، ولها تأثيرات سلبية على صورة المؤسسة الأمنية، ناهيك عن الضرر الذي تلحقه بمؤشر الثقة العامة، أو صورة المغرب الحقوقية.

رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان شدد على أنه ينبغي تعزيز التدريب والتأهيل لكافة المكلفين بإنفاذ القانون، من مسؤولين وضباط وعناصر الأمن، بما يمكن من تعزيز المقاربة الحقوقية في تعاملهم مع المتظاهرين السلميين، وتعلم استراتيجيات الاحتواء بدل اللجوء للعنف.

من جانب آخر، يجب، حسب المتحدث، تعزيز الرقابة المستقلة، حيث ينبغي إنشاء لجان مستقلة لمتابعة أي تجاوزات أو شكاوى متعلقة باستخدام القوة المفرطة. لجان تتمتع بالشفافية والنزاهة لضمان محاسبة عادلة، مع تفعيل آلية المساءلة والمحاسبة في حالة وجود تجاوزات فردية، ومحاسبة المسؤولين عنها بشكل صارم.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *