علمانية وزير الشؤون الإسلامية المغربي… هل المغرب بلد علماني حقا؟
حين نتحدث عن العلمانية، يختصرها البعض في ضرورة حتمية أوروبية، ورد فعل طبيعي لصد سيطرة الكنيسة على الأوضاع العامة. فقط لا غير.
بينما المشكل ليس في العَلمانية، إنما في التصور الخاطئ حولها… ذاك التصور الذي يُلبسها لباس الشيطنة والإفساد والانحلال والالحاد والعداء اتجاه الدين.
إذا عدنا إلى التاريخ المغربي، ألم تمارس العَلمانية في فترات متعددة؟
ألا تُمارس العَلمانية حاليا؟
هل حقا المغرب دولة علمانية؟
ما هي العلمانية أولا؟ أحقا هي مرادفة الإلحاد؟
أليس فهمنا الخاطئ للعلمانية هو الذي أثار الجدل فيما يخص تصريح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربي؟
وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية: المغاربة علمانيون
أثار وزير الأوقاف والشوؤن الإسلامية في المغرب، أحمد التوفيق، جدلا واسعا، خلال حديثه عن فحوى لقاء جمعه بوزير الداخلية الفرنسي خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغرب، حيث أخبره أن المغاربة “علمانيون”.
أحمد التوفيق قال في جواب حول جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية بمجلس النواب يوم الاثنين 25 نونبر 2024:”هم مقتنعون أن الإسلام المغربي المعتدل في صالح الجميع“، ليرد عليه الوزير الفرنسي “العلمانية تصدمكم”، فكان وزير الأوقاف “لا”، وهو ما أثار استغراب وزير الخارجية الفرنسي.
الوزير المغربي أوضح أنه كان يقصد أن المغرب “يدعم حرية التدين”، مستطردا: “يمكن لأي شخص فعل ما يريده، لأنه لا إكراه في الدين”.
هل المغرب دولة علمانية؟
مجرد أن تُذكر “العلمانية”، يبرز إلى ذهن البعض “فصل الدين عن الدولة”، وما أن يذكر “فصل الدين عن الدولة”، يظن البعض أن المفهوم إحالة مباشرة على الرفض المباشر للدين، أو أن هذا النظام يُلغي الدين من حياة الناس.
لا يمكن أن ننكر أن ذلك أحد أسس العلمانية، والذي ارتبط بسياق تاريخي محدد. لكن العلمانية لا تلغي الدين إطلاقا، إنما تجلعه شأنا فرديا لا دخل للجماعة أو الدولة أو السلطة فيه، وذلك لا يعني مطلقا أن الدولة ملحدة.
العلمانية مخيفة… حين يتم شحنها بمفردات مرعبة.
لا تعني مطلقا أن الدولة ملحدة، وأبرز مثال على ذلك: تركيا، التي يشكل فيها المسلمون نحو 99% من السكان.
ينص دستورها في مادته الثانية على أن الجمهورية التركية ديمقراطية علمانية اجتماعية، تقوم على سيادة القانون، في حدود مفاهيم السلم والعلم والتضامن الوطني والعدالة، مع احترام حقوق الإنسان.
هل يعني ذلك أن الجمهورية التركية ملحدة؟
وفق هذا الإطار… هل حدث يوما أن ثار المسلمون وغير المسلمين هناك على عَلمانية الدولة؟ وهل دخلت تركيا الحديثة يوما في أتون حرب دينية طائفية بسبب العَلمانية؟
لنعد الآن… هل المغرب بلد علماني؟
تُطالب العَلمانية، من جانب آخر، أن يخضع المجتمع لترسانة قانونية دنيوية وضعية، تؤطر العمل المؤسساتي في الدولة، من خلال تدبير الشؤون المُجتمعية مما هو أرضي، بعيدا عن إقحام الشريعة أو الدين في التشريع.
يذهب أغلبُ الباحثين إلى أن المغرب عرف بعضَ ملامح العلمانية، لكنها علمانية غير مكتملة أو منقوصة.
ما زالت هناك بعض الأحكام التي تحد من حرية المعتقد، لكن الأحكام القضائية التي يُصدرها القضاء المغربي، باستثناء تلك المرتبطة بالأسرة، إلى حدود الآن، مستمدة من القانون الوضعي وليس من الشريعة الإسلامية.
منظومة القوانين المغربية، ما عدا “مدونة الأسرة” – التي دخلت هي الأخرى حيز النقاش والتحديث – هي قوانين وضعية، لا علاقة لها بالتشريع الديني.
لم ينفصل التاريخ المغربي عن هذا الطابع التشريعي الوضعي.
تاريخ قبلي، شُكلت نواته، في الأغلب، وفق قوانين وضعية ألغت بالمطلق العقاب الجسدي أو الإعدام والقتل، وعوضته بالغرامات، وفي أقصى الحالات النفي.
نظام فصل بين الشأن الدنيوي وبين الشأن الديني والروحي الذي كان من اختصاص الفقيه في المسجد.
في سياق تصريحات الوزير، فإن العَلمانية التي تحدث عنها أحمد التوفيق لا تشير إلى العَلمانية التي تفصل تماما بين الدين والدولة، بل بنى مفهومه لها، من خلال حرية التدين “لا إكره في الدين”، محاولا أن يؤكد على نقطة جوهرية في الفكر الإسلامي، يدعو إلى حرية الاختيار والفردانية.
مسألة أخرى… حين يتم الحديث عن العَلمانية المغربية، يُشهر البعض ورقة “إمارة المؤمنين”.
مؤسسة “إمارة المؤمنين”، يمثل فيها الملك رمز الأمة… الدين في المغرب مصدر أساسي للاستقرار الاجتماعي. لذلك، تعد هذه المؤسسة الضامن لهذا الاستقرار، في إطار توازنات يحكمها الاتجاه نحو التحديث والدمقرطة. إطار يحمي الهوية الإسلامية للمغاربة مع احترام التنوع وحرية المعتقد التي كفلها الدستور للمغاربة.
لم يسبق لمؤسسة إمارة المؤمنين أن دعت إلى تغيير نص مدني بنص آخر ديني، بل كانت دائما سباقة نحو التقدم في التشريع المدني الوضعي، ولعب دور التحكيم في الأمور الخلافية بعيدا عن الصراعات أو الفتن.
لا ننسى أن الملك محمد السادس قال مرة “إنه أمير المؤمنين في كل الأديان”.
إذا نحن عدنا إلى التاريخ مجددا، سنلاحظ كيف انخرطت الدولة المغربية في التحديث والعلمنة. يتجلى ذلك في إرساء المحاكم الوضعية بدل المحاكم الشرعية، وفي إدخال نظام تعليمي عصري تحديثي، لا على مستوى المساواة بين الجنسين وعلى المستوى البيداغوجي كذلك.
العَلمانية في الأخير شرط أساسي لمفهوم الديمقراطية.
وليست العَلمانية واحدة، أو نموذج حصري متبع… كل دولة تأخذ روح العلمانية. لكن، في احترام تام للخصوصيات المجتمعية والثقافية والسياسية وحتى الاقتصادية.