العربي بن مبارك، ساحرُ المستديرة الذي تُوفي وحيدا - Marayana - مرايانا
×
×

العربي بن مبارك، ساحرُ المستديرة الذي تُوفي وحيدا

العربي بن مبارك، هو أول من لُقب بالجوهرة السوداء، بعد استفتاء شعبي أجرته إحدى الصحف الرياضية الفرنسية.
يلعبُ في كل الخطوط، يمتاز بطول القامة، موهوب في المراوغة والاختراق، ويسدد بكلا القدمين، مؤهلات جعلت بيليه يعترفُ له بالسبق في مداعبة الساحرة المستديرة.
من أحياء الدار البيضاء الفقيرة إلى ملاعب أوربا… رحلة طويلة شاقة، جعلته يُسطر تاريخا من ذهب في عالم المستديرة.

“إذا كُنت أنا ملكُ كرة القدم، فإن العربي بن مبارك هو إله اللعبة”.

بهذه العبارات وصفَ الراحل بيليه، العربي بن مبارك. لم يكتَف بيليه بهذا الوصف، بل اعتبر العربي مصدر إلهام له في البرازيل.

احتفت به الصحف العالمية، وسمته بالجوهرة السوداء، وقيل لو أنه عاش في عصر غير الذي عاش فيه، لنافس عمالقة الكرة أمثال ماردونا وبيليه وغيرهم.

العربي بن مبارك أو الجوهرة السوداء من طليعة اللاعبين المغاربة والأفارقة الذين احترفوا بالملاعب الأوروبية، حيث احترف في نادي مارسيليا في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي.

البداية من الدار البيضاء

رأى العربي بن مبارك النور بمدينة الدار البيضاء في أحد الأحياء الهامشية يوم 16 يونيو 1914.

تجرع بن مبارك مرارة اليُتم والفقر مُنذ صغره، لتتعهد جدته بتربيته، وعاش طفولته في وضع اقتصادي متواضع، ليدفعه ذلك، مبكرا، إلى مغادرة مقاعد الدراسة، واحتراف مهنة النجارة بالمدينة القديمة، علها تسد رمق الأسرة.

بالتوازي مع عمله، مارس العربي كرة القدم مع أقرانه بالأحياء الشعبية لمدينة الدار البيضاء، وهُناك بدأت تظهر موهبته.

في حوار تلفزيوني، يحكي العربي بن مبارك بداياته مع كرة القدم.

يقول بن مبارك: ” بدأت لعب كرة القدم في سن الثامنة، حافي القدمين في الشارع. لم يكن لدينا المال لشراء الجوارب أو الأحذية. العجيب في الأمر أن الإحساس الذي وهبه الله لنا في اليد، مثله مثل إحساس القدم وهي حافية“.

التحـول نحو العالمية

بدأ اسم العربي يتداولُ في أوساط متابعي الكرة بالأحياء الشعبية، ليُساهم من بعدُ في تكوين فريق “ايديال كازابلانكا” سنة 1930 بالحي الذي يقطن فيه.

سنة 1934، سيشد بنمبارك الرحال نحو فريق الاتحاد الرياضي المغربي “اليسام”، بعد أن ذاع صيته لدى المنقبين عن المواهب.

نقطة التحول في مسيرة العربي بن مبارك، ستكون سنة 1937.

جرت مباراة بين المنتخب المغربي والمنتخب الفرنسي ب، تألق خلالها المنتخب المغربي، وبرز بعدها اسم العربي، وأشادت به الصحف العالمية والفرنسية خاصة، وهُناك لقب بالجوهرة السوداء.

أول الغيث… مرسيليا

بتاريخ 28 يونيو 1938، سيبدأ العربي بن مبارك في تسطير مسيرته الاحترافية، حيث حط الرحال بفريق مرسيليا، ليكون بذلك أول لاعب “عربي” يحترفُ بالدوريات الأوروبية.

منذ موسمه الأول مع النادي، تألق العربي بأهدافه ومراوغاته، ليقود فريقه لاحتلال الرتبة الثانية في الدوري، مسجلا 12 هدفا.

وفق لينو باكو، الصحفي الإيطالي المختص في الكرة المغربية، كان جمهور مرسيليا يسعدُ بالذهاب إلى الملعب من أجل بنمبارك، حيث حظي باحترام وتقدير الجماهير الفرنسية بشكل عام.

إسبانيا، محطة الاحتراف الثانية

بعد الحرب العالمية الثانية، استأنف بن مبارك مسيرته في فرنسا مع نادي ستاد باريس.

أصبح محط أنظار الأندية الكُبرى، ليُفضل التحليق في سماء مدريد نجما مع فريق أتليتيكو مدريد سنة 1948، وتم التعاقد معهُ بملبغ 17 مليون فرنك فرنسي، وهو مبلغ ضخم في ذلك الوقت.

حول هذا الانتقال، كتبت الصحافة الفرنسية محتجة، وقالت في عناوين بارزة: “يمكننا بيع برج أيفل أو قوس النصر… لكن ليس العربي بن مبارك”.

حصل بن مبارك مع الأتليتيكو على لقب الليغا في مناسبتين، موسم 1949/1950 ثم 1950/1951، مسجلا 60 هدفا خلال 122 مبارة شارك فيها.

العودة إلى الوطن

أنهى العربي مساره الأوروبي بالعودة إلى صفوف نادي مرسيليا عام 1953 لفترة قصيرة، ثم عاد بعد ذلك إلى المغرب.

بعد العودة لأرض الوطن، لعب العربي مع نادي الفتح الرباطي، وأنهى موسمه الأول هُناك كثاني هدافي البطولة، وقد تجاوز حينها عتبة الأربعين من العمر، وكان يجمع بين اللعب والتدريب.

تنقل بين أندية الرباط لفترات قصيرة، وأنهى مسيرته عام 1958، وهو في سن 41 من عمره.

أشرف بعدها على تدريب أول منتخب مغربي بعد الاستقلال، ثم عدد من الأندية المغربية أهمها الجيش الملكي، والنهضة السطاتية الذي فاز معه بالبطولة المغربية.

ثم توفي وحيدا

شكلت وفاة زوجته الفرنسية “لويز” حدثا فارقا في حياة العربي بن مبارك، بعد زواج دام 33 سنة.

توفيت لويز سنة 1980. بكاها بحُرقة، ووضع صورتها في غرفة نومه إلى أن مات. بات بعد وفاتها وحيدا منعزلا.

بعد وفاة زوجته الأولى، امتنع عن الزواج لمدة سنتين، مشترطا العثور على زوجة تقبلُ رعاية ابنيه من زوجته الأولى، ليلتقي بعدها بلويز، أو مليكة، وهو اسمها الثاني بعد دخولها الإسلام.

كانت لويز راعية للأسرة ومستودع أمواله، ومديرة أعماله. لذلك، شكلت وفاتها نقطة تحول.

توفي العربي بن مبارك يوم 16 سبتمبر 1992، وحيدا في منزله بالدار البيضاء، ولم يعثر على جثته إلا بعد مرور ثلاثة أيام.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *