الثدي الزائدة أو الحلمة الثالثة: تشوه خلقي نادر لا يستثني الرجال عن النساء
في حالات نادرة جداً، تم تحديدها في نسبة تتراوح ما بين 1 إلى 6٪ من النساء وكذا الرجال، يضاف إلى الثديين العاديين ثدي ثالث، وأحيانا حلمات كثيرة تصل إلى ثمان حلمات توجد بالأساس على طول “خط اللبن” الممتد من الإبطين إلى الفخذين.
الثدي الزائدة، أو الحلمات، تتوزع في مناطق متفرقة من الجسم؛ على المرفق مثلا أو الذراع أو الفخذ. ينطوي بعضها على مخاطر صحية كثيرة مثل الأورام الخبيثة، فيما يتعايش أناس كثيرون معها دون محاولة استئصالها، لانعدام أية أعراض صحية جانبية قد ترافقها، بينما يفضل آخرون إزالتها لدواعي شكلية تجميلية بحتة.
في العادة، يتوفر كل إنسان على ثديين وحلمتين فقط. لكن الوضع هذا لا ينطبق على كل البشر، فهناك حالات استثنائية أظهرت الفحوصات والتحاليل الطبية، بالإضافة إلى الأبحاث العلمية، توفرها على أكثر من ثدي وحلمة، وسميت هذه حالة بـ”تعدد الحلمات” أو ” Polymastia”، وتصيب كلا من الرجال والنساء على السواء.
تظهر الـ “Polymastia” عند واحد إلى 6٪ من الأشخاص، ويسبب حدوث هذه الظاهرة النسيج الذي يشكل حلمات الثدي العادية، ففي الأسبوع الرابع أو الخامس للتطور الجنيني، يتشكل “خط اللبن” Milk Line وهو سلائف للغدد الثديية والحلمات. جميع الثدييات ذكورا وإناثا تمتلك زوجين “خطين” متناظرين من خطوط الحليب، والتي من الممكن أن تتطور منها أنسجة الثدي والحلمات وهالات ما حول الثدي.
تتولد خطوط الحليب لدى الإنسان في وقت مبكر من الأسبوع الخامس في حياة الجنين، وتمتد هذه الخطوط لدى الجنين من منطقة الإبطين حتى منطقة أسفل الجذع (تحت الفخذين) كما أنها قد تمتد أحيانا إلى القدمين.
ويعد هذا الخط المسؤول عن تشكل خط الثديين العاديين في الجسم، في الحالات العادية. لكن، في حالات استثنائية نادرة، يؤدي الانكماش غير الكامل في أي مكان على طول “خط الحليب” إلى ظهور أنسجة ثدي إضافية، ويتراوح هذا النسيج الحشوي من بؤرة صغيرة ضئيلة الحجم، إلى هياكل كاملة تشمل الحلمة والهالة المحيطة بها وتكون كالثدي العادي تماما.
وفقا للدراسات والبحوث الطبية في هذا الخصوص، فإن “الحلمات الزائدة” تظهر إما أسفل الثدي مباشرة أو أسفل الإبطين، بينما رصدت حالات أخرى، ظهرت فيها الحلمات في مواقع غير عادية من الجسم، مثل الأرداف، مؤخرة العنق، الوجه، الجزء العلوي من الذراع، الورك والكتفين… وسميت هذه الحالات بـ”الثدييات غير المنتظمة”.
في عام 1980، تم الإبلاغ عن حالة غير عادية للغاية لرجل يبلغ من العمر 74 عاما، صرح بأنه لديه “ورم ثديي” خلف فخذه، وأنه آثر طوال حياته الاحتفاظ به، لأنه لم يسبب له أي ألم أو مشكلة صحية.
هناك أنواع مختلفة “للحلمات الزائدة”. أحيانا، قد لا تشبه بالضرورة حلمة الثدي العادية، لأنها تكون مجرد دمل ونتوء صغيرة غير محيطة بهالة تميزها، مما يصعب عملية رصدها والتعرف عليها. لكن، في حالات كثيرة، تكون مشابهة تماما للحلمة الطبيعية في المظهر والنسيج المكون لها.
بالنسبة للنوع الأول للحلمة، فهي تكون مطابقة تماما لشكل الثدي، من ناحية النسيج الحشوي المكون له، إضافة إلى النتوء التي تتوسط الحلقة الملونة.
النوع الثاني يكون فيه نسيج حشوي بارز للثدي تعتليه نتوء، في غياب تام للحلقة اللونية التي تحيط عادة بالنتوء.
أما النوع الثالث، فيكون فقط نسيجا صلبا للثدي، من دون نتوء أو هالة لونية. والنوع الرابع يهم كتلة دهنية تعتليها حلقة نتوء ملونة لكن نسيجها مغاير لنسيج الثدي، إذ يكون عبارة عن كتلة دهنية لا غير. بالنسبة للنوع الخامس والأخير، فتظهر فيه الحلمة على شكل نتوء فقط، لا تحيط بها أي حلقة ملونة، ولا يشبه النسيج المحيط بها نسيج الثدي.
قد يكون هذا النوع من الحلمات مؤشرا على وجود خلل في الكليتين، لكن الارتباط المذكور ليس قاطعا، بالرغم من أن هناك بعض الدراسات التي تدعمه، إذ أشارت بعضها إلى أن 40٪ من الأطفال المصابين بتعدد الحلمات يعانون من تشوهات كلوية انسدادية أو ازدواجية في الجهاز الإخراجي.
في كثير من الأحيان، حين تكون الحلمات ضامرة وليست محاطة بحلقة لونية تميزها، يصعب تشخيصها أو حتى الانتباه إليها. لكن التغيرات الهرمونية تجعلها أكثر وضوحا، وتلاحظ تبعا لهذا في فترة المراهقة أو الدورة الشهرية، إذ يصبح لونها داكنا، وقد تزيد النتوء المكونة لها، كما أن فترات الولادة والرضاعة يزيد فيها حجم النسيج المكون للثدي الإضافي، ويساهم هو الآخر في حالات قليلة في إفراز الحليب.
هناك العديد من التقارير عن أطفال رضع تم إرضاعهم من ثديين زائدين. تشير حالة يُستَشهد بها كثيرا في هذا الصدد، تعود إلى “تيريز فينتر” من مارسيليا، كان لدى والدتها ثدي زائد أسفل الثدي الأيمن مباشرة، وفينتر ولدت بثدي زائد على جانب فخذها الأيسر. تضخم هذا الثدي أثناء البلوغ، وعندما حملت وأنجبت أنتج الحليب، فعرضته على طفلها الأول الذي أخذه طوعا بتلقائية، وأرضعت أطفالها الخمسة الباقين بنفس الطريقة وبشكل عادي.
هناك حالات رضاعة مشابهة لنساء أرضعن أطفالهن من أثدائهن الموجودة إما في الكتفين أو على الفخذين أو في خط الوسط من الصدر…
يمكن لكثرة الحلمات (في الحالات التي تفوق 4) أن تزيد من شكوك الطبيب في وجود تشوهات كروموسومية أو متلازمات وراثية، وعادة ما تحدث تورمات الثدي وتعدد الأثداء بمعزل عن العوامل الوراثية. لكن، في حالات أخرى لوحظ انتقالها عبر الأجيال في العائلة.
قد تكون الحلمات المتعددة في الجسم في حالات نادرة جداً دليلا على وجود عيب خلقي في الثدي، أو مؤشر أولي على تكون ورم خبيث، كما أن أحد الجينات المسببة لظهور الحلمة الزائدة، قد يتسبب بإصابتها بالسرطان، مثلما يحدث في حالات الإصابة بسرطان الثدي.
في حالات استثنائية، تسبب الحلمة الزائدة الألم وعدم الشعور بالراحة، كما تزداد عدد النتوءات المكونة لها بشكل غير طبيعي، وتزداد صلابة النسيج المكون للثدي، وأحيانا يفرز هذا الأخير الحليب. في هكذا حالات، يجب التأكد من أن الوضع لا يشكل أي خطر صحي عبر إجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة.
عادة، لا يعد تَكَوُّن حلمة إضافية مؤشرا على أي خطر صحي. لكن، يتم استئصالها من طرف الطبيب بناء على طلب المريض لأهداف تجميلية بحتة، عبر عملية بسيطة، لا يرافقها أي ألم، ولا تحتاج منطقة الحلمة المستأصلة بعدها وقتا طويلا لتبرأ.
المراجع المعتمدة:
“MRI Appearance of Accessory Breast Tissue: A Diagnostic Consideration for an Axillary Mass in a Peripubertal or Pubertal Girl | AJR” https://www.ajronline.org/doi/full/10.2214/ajr.183.6.01831779
“Supernumerary Breast Tissue – Page 3” https://www.medscape.com/s/viewarticle/410464_3